من أروع ما كتب ابن خلدون في مقدمته الشهيرة في القرن الرابع عشر الميلادي

جمعة, 23/08/2024 - 15:08

عندما تكثر الجباية تشرف الدولة على النهاية الحتمية رويدا رويدا ..

عندما تنهار الدول يكثر فيها المنجمون ، والمتسولون ، والمنافقون ، والمدّعون ، والكتبة ، والقوّالون ، والمغنون النشاز ، والشعراء النظّامون ، والمتصعلكون ، وضاربو المندل ، وقارعو الطبول ، والمتفيهقون أدعياء المعرفة ، وقارئو الكفّ بالطالع والنازل ، والمتسيّسون ، والمدّاحون والهجّاؤون ، وعابرو السبيل ، والانتهازيون ، وتتكشف الأقنعة ، ويختلط ما لا يختلط ، ويضيع التقدير ، ويسوء التدبير ، وتختلط المعاني والكلام ، ويختلط الصدق بالكذب ، والجهاد بالقتل ..

عندما تنهار الدول ، يسود الرعب ، ويلوذ الضعفاء والآثمين بالطوائف ، وتظهر العجائب ، وتسري الشائعات ، ويتحول الصديق إلى عدو ، والعدو إلى صديق ، ويعلو صوت الباطل ، ويخفت صوت الحق ، وتظهر على السطح وجوه مريبة ، وتختفي وجوه مؤنسة ، ويصبح الانتماء للقبيلة أشد التصاقًا ، وللأوطان ضربًا من الهذيان ، ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة ، وتحاك الدسائس والمؤامرات ..

عندما تنهار الدول تشح الأحلام ، ويموت الأمل ، وتزداد غربة العاقل ، ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء ، ومزايدات الانتماء ، وتكثر النصائح ، وتطرح المبادرات من القريب والبعيد ، ويتدبر المقتدر أمر رحيله ، والغني أمر ثروته ، ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار ، ويتحول الوضع الى مشروع مهاجرين ، والوطن إلى محطة سفر ، ومراتع العيش الى حقائب ، والبيوت الى ذكريات ، والذكريات الى حكايات ....

من يقرأ المقال يظن أن ابن خلدون يعيش معنا اليوم ؛ بل هي سنن إلـٰهية تجري ، وأيام تعاد ، وأوضاع تتشابه ، وأحداث تتكرر في كل زمان ومكان ؛ وربما الواقع الذي عاشه ابن خلدون لا يختلف عن واقعنا اليوم..

انتهي الاقتباس