الرباط: أثارت إساءة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للفصائل الفلسطينية بقطاع غزة، خلال خطاب أمام البرلمان المغربي، غضبًا واسعًا في المملكة، شملت أحزابًا وبرلمانيين ومنظمات غير حكومية ومتظاهرين.
وبأوصاف عدة، اعتبرت الأطراف الغاضبة تصريحات ماكرون، التي وصف فيها الفصائل الفلسطينية بـ”الهمجية”، “تجاوزًا للحدود الدبلوماسية المتعارف عليها”، و”تجديدًا للخطاب الاستعماري الكلاسيكي”، و”تزييفًا لحقائق التاريخ”، و”نفاقًا صارخًا”.
كما رأت تلك الأطراف أن تصريحات الرئيس الفرنسي تعد “استهتارًا بمواقف الشعب المغربي المؤيد لفلسطين وللمقاومة”، و”ترقى إلى مستوى الشراكة مع الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة المستمرة” للعام الثاني بقطاع غزة.
والثلاثاء، وصف ماكرون، في خطاب بالبرلمان المغربي، الفصائل الفلسطينية بـ”الهمجية”، محملًا إياها مسؤولية أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبينما برر الرئيس الفرنسي العدوان على غزة بكونه يأتي ضمن ما زعم أنه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، أضاف مستدركًا: “لكن لا شيء يبرر هذه الحصيلة الكبيرة من القتلى المدنيين بغزة”.
خطاب استعماري
ومنتقدًا تصريحات ماكرون، قال عزيز هناوي، الكاتب العام لمجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، إنها “تكرس الخطاب الاستعماري تجاه المقاومة” الفلسطينية.
وأوضح هناوي أن “تصريح ماكرون يكشف عن مقاربة استعمارية، جدد من خلالها الخطاب الاستعماري الكلاسيكي، الذي يصف المقاومة ضد الاستعمار بالتخريب والإرهاب”.
وأضاف: “الرئيس الفرنسي تجاوز الحدود الدبلوماسية المتعارف عليها، بتناوله موضوعًا لا علاقة له بالعلاقات الثنائية بين البلدين”.
وزاد: “ماكرون نصب نفسه كقائم بالأعمال الإسرائيلية بالمغرب؛ ليروج خطابات تدين المقاومة الفلسطينية التي هي مقاومة مشروعة بمرجعية القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
ولفت هناوي إلى أن “الرئيس الفرنسي قلب الموازين، باعتباره أن إسرائيل من حقها الدفاع عن نفسها؛ ما يعني أنه أعطاها مشروعية احتلال الأراضي الفلسطينية”.
وتابع: “ماكرون تناقض حتى مع مرجعية فرنسا التاريخية في العصر الحديث، قبل 80 عامًا، عندما كانت نفسها مستعمرة من طرف النازية الألمانية، وقاد المقاومة الفرنسية الجنرال ديغول، بطل التحرير بالنسبة للفرنسيين”.
واستطرد: “بالمنطق الذي يعتبر فيه ماكرون أن بعض قادة “حماس” إرهابيين، يمكن القول إن الجنرال ديغول هو يحيى السنوار في النسخة الفلسطينية”.
ورأى أنه “بنفس المنطق والمقاربة، يمكن اعتبار الجنرال ديغول إرهابيًا قاد المقاومة ضد ألمانيا الديمقراطية، ومن حق ألمانيا الدفاع عن نفسها ضد الجيش الإرهابي الفرنسي الذي كان يقوده ديغول”.
استهتار بمواقف المغاربة
على النحو ذاته، أدان مسؤول العلاقات الخارجية بجماعة “العدل والإحسان” (أكبر جماعة إسلامية في المغرب) محمد حمداوي، تصريحات ماكرون.
وقال حمداوي، في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك: “تصريحات الرئيس الفرنسي مدانة وغير مقبولة، وغابت عنه اللياقة الدبلوماسية”.
وعدّ هذه التصريحات “استهتارًا بمواقف الشعب المغربي المؤيد لفلسطين وللمقاومة فيها”.
وتابع: “في الوقت الذي كان ماكرون يلقي خطابه أمام البرلمان المغربي، كان قد سقط، منذ فجر ذلك اليوم 121 شهيدًا في غزة؛ ليتجاوز عدد ضحايا الإرهاب الصهيوني بالقطاع 44 ألف شهيد وجريح، و11 ألف مفقود” منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تزييف لحقائق التاريخ
من جهتها، قالت “حركة التوحيد والإصلاح”، في بيان، إن “تصريحات ماكرون في البرلمان المغربي حول القضية الفلسطينية كانت في غاية الخطورة وجد مستفزة للمغاربة؛ بتهجّمه على المقاومة الفلسطينية ووصفها بالهمجية”.
وزادت الحركة، التي تعد الذراع الدعوي لـ “حزب العدالة والتنمية” المغربي (معارض)، إن تصريحات ماكرون تُعد “تزييفًا مكشوفًا لحقائق التاريخ وتبييضًا وشرعنة لجرائم الاحتلال الصهيوني المدانة من طرف أحرار العالم، ومن طرف المحكمة الجنائية الدولية”.
وتابعت: “ما جعل تصريح ماكرون مستفزًا أكثر لوجدان المغاربة كونه صدر في مؤسسة تشريعية يُفترض أنها تمثل المغاربة الذين ما فتئوا يعلنون دعمهم الدائم واللامشروط للمقاومة الفلسطينية”.
رسالة مفتوحة من بنكيران
بدوره، وجه أمين عام حزب “العدالة والتنمية” المغربي المعارض عبد الإله بنكيران رسالة مفتوحة إلى ماكرون، أعرب خلالها عن رفضه لتصريحاته، مؤكدًا أن تلك الفصائل هي حركات مقاومة ضد الاحتلال والإبادة.
وقال بنكيران في رسالته لماكرون: “نود أن نعرب لكم عن استغرابنا الشديد من محتوى خطابكم بشأن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في غزة”.
وأضاف موضحًا أن “حماس وكافة الفصائل الفلسطينية هي حركات مقاومة ضد الاستعمار والاحتلال والتطهير العرقي والإبادة الجماعية الإسرائيلية”.
وأكد بنكيران على أن “ما تفعله إسرائيل ككيان استيطاني يحتل أرض فلسطين بشكل غير قانوني، لا علاقة له بالحق في الدفاع عن النفس”.
وأوضح أن “كل هذه العمليات الهمجية التي ترتكبها إسرائيل (في غزة)، لا يعود تاريخها إلى 7 أكتوبر 2023، بل بدأت منذ زمن بعيد، واستمرت دون انقطاع لأكثر من 76 عامًا”، وذلك منذ إعلان قيام دولة إسرائيل على أراضي فلسطين التاريخية في عام 1948.
وتابع بنكيران: “الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين على مدى عقود من الزمن، والإبادة الجماعية الوحشية التي ترتكبها إسرائيل بالخصوص منذ 7 أكتوبر 2023، وخطة الجنرالات الجارية في شمال غزة، منذ أسابيع، ليس لها مثيل في تاريخ الوحشية”.
تجديد للقاموس الاستعماري
من جهته، رأى المرصد المغربي لمناهضة التطبيع (غير حكومي) أن ماكرون “يجدد التعبير عن القاموس الاستعماري القديم بتجريم حق المقاومة بوصفها بالإرهاب، تمامًا مثلما كانت فرنسا الاستعمارية تصف المقاومين في المغرب والجزائر وتونس ضد الإمبريالية أواسط القرن العشرين”.
وأشار إلى أنه “بينما كان ماكرون يلقي خطابه، كانت أشلاء أكثر من 70 شهيدًا من النازحين، تحت أنقاض عمارة قصفها الجيش الإسرائيلي في منطقة بيت لاهيا” بشمال غزة.
برلمانيون يدينون
تصريحات ماكرون لاقت كذلك انتقادات من قبل برلمانيين مغاربة. إذ قالت الكتلة النيابية لـ “حزب العدالة والتنمية” المغربي، في بيان: “نرفض ما تضمّنه خطاب ماكرون من توصيف غير منصف ومجانب للصواب، في تقييمه لأحداث 7 أكتوبر”.
وأضافت: “عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 هي رد فعل طبيعي، تكفله جميع الشرائع والقوانين والمواثيق الدولية، لكافة الشعوب الرازحة تحت وطأة الاحتلال والاستعمار، ومنها الشعب الفلسطيني”.
واعتبرت الكتلة أن “وصف أحداث طوفان الأقصى بالهمجية أو البربرية، مقابل الانتصار لما يسمى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، يمكن أن يرقى إلى الشراكة مع الاحتلال الإسرائيلي، في حرب الإبادة المستمرة”.
وأوضحت أن “تداول رد الفعل كان آنيًا أثناء إلقاء الرئيس الفرنسي لخطابه، إلا أنه واحترامًا له باعتباره ضيفًا لجلالة الملك، وامتثالًا لنهج المغاربة في التعامل مع ضيوفهم، قررنا العدول عن رد الفعل المتفق عليه”.
بدورها، رفضت النائبة عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، ما جاء في خطاب ماكرون في حق الفصائل الفلسطينية.
وقالت البرلمانية، في بيان، إن “هذا الخطاب يكشف عن النفاق الصارخ للدولة الفرنسية التي تدّعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما تستمر في دعم وتسليح الكيان الصهيوني الذي يمارس أبشع أنواع الإرهاب”.
وقفات احتجاجية
وضمن حالة الغضب الواسعة في المغرب على تصريحات ماكرون، نظمت هيئات غير حكومية بالمملكة وقفات احتجاجية في مدن مختلفة، مثل العاصمة الرباط، وطنجة ومراكش.
إذ نظمت “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع” (غير حكومية)، مساء الثلاثاء، وقفة احتجاجية في مراكش ضد تصريحات ماكرون.
ورفع المتظاهرون في الوقفة شعارات تحتج على وصف الفصائل الفلسطينية بـ”الهمجية”، معلنين التضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني في مواجهة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.
كما نظمت “مجموعة العمل من أجل فلسطين” وقفة أمام مبنى البرلمان، مساء الثلاثاء، ضد هذه التصريحات.
وغادر ماكرون المغرب، الأربعاء، بعد زيارة رسمية دامت ليومين، وشهدت توقيع اتفاقيات ثنائية مع الملك محمد السادس.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل، بدعم أمريكي مطلق، حرب “إبادة جماعية” على غزة، أسفرت عن أكثر من 144 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
(الأناضول