
.رحيل العلماء هو رحيل الصالحين، ويذكر بالأسى على فراقهم، ورحيل هذا العالم الجليل الطالب احمد ولد الديده، يذكرنا بحتمية فراقنا وزوالنا وانتقالنا من هذا الدار.
هو الموت ما منه ملاذٌ ومهربُ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقربُ
رحيل هذا العالم يذكرنا بما قاله حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام، وقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس)
يسر المرء ما ذهب الليالي وإن ذهابهن له ذهابُ لقد فجعنا جميعاً يوم بوفاة فضيلة الشيخ العلامة الطالب احمد ولد الديده , رحل الشيخ الزاهد,, الشيخ الورع,, الشيخ التقي,, الشيخ المتواضع,, الشيخ المحبوب,, الشيخ البشوش,, رحل يرحمه الله بعد أن قدم للإسلام والمسلمين العلم الثمين والجواهر والدرر من كتب ومؤلفات وفتاوى هي الثروة العظيمة التي أفادنا بها خلال حياته, إنه لمصاب جلل حينما يموت العالم,, وأمر ليس بالبسيط أن نفقد رمزاً من رموزالعلم والفقه في عالمنا الإسلامي، ولكن هذه هي مشيئة الله، وهذا هو قدره، فهذه هي سنة الحياة وهذه الدنيا لا تدوم لأحد,عرف العلامة بالورع والزهدي له قصة مع يحكيها عن بداية تأثره بالزهدي
حكى العلامة الشيخ الطالب أحمد ولد الديده رحمه الله، أنه زهد في الدنيا – وكان زاهدا فيها- جراء حادثة حدثت له
كان في بعض الأحايين يذهب إلى قوم أهل بادية، في منطقة نائية، يمضي معهم بعض الوقت في جو جميل يبتعد عن الصخب ويتيح للمرء التأمل في الكون والتفكر في الخلق.
ذات زيارة تصادف وصوله مع وفاة زعيم القوم، مالك الثروة الحيوانية وكبير الحي
شرع مع القوم في تجهيز الرجل لكنهم لم يجدوا كفنا، فالقوم أهل بادية لايملكون من القماش إلا مايسترون به أجسادهم، وباديتهم نائية ولاوسيلة للنقل غير الجمال وأقرب مظنة للقماش على بعد يوم وليلة للراكب المغذ.
ضرب القوم أخماسا بأسداس، وبعد أخذ ورد، قال الشيخ الطالب أحمد للقوم ليس أمامنا سوى تكفينة بدراعته التي لم يكن يلبس غيرها.
بدأ الشيخ في محاولة تفصيل كفن من تلك الملگية، لكن أعاقه ما يشبه الحبل ممتدا مع (كفّها)، أخذ سكينا وحين شق ( كف) الدراعة انثالت الأوراق النقدية المطوية بدقة والمكوّمة فوق بعضها!
يبدو أن الرجل كان كلما حصل على مبلغ جراء بيع ناقة أو جمل أبعير، كان يثني الأوراق بدقة ويدخلها في كف الدراعة ويخيط بالأبرة عليها، مكونا حساب توفير في كف دراعته.
بعد استخراج جميع الأوراق ووضعها على الأرض شكلت ما يشبه الكومة..
وقف الشيخ الطالب أحمد رحمه الله، بين الرجل المسجى، وكوم الأوراق النقدية، وأرسل بصره عبرقطعان الإبل التي تعج بها المرحان. اغرورقت عيناه متعجبا من تفاهة الدنيا..
الرجل الذي يملك كل هذا يغادر الدنيا دون أن يتمكن من شراء كفن!
يقول الشيخ رحمه الله إنه بعد تلك الحادثة لم تعد الدنيا تتعبه فحسب المرء منها درهم لمعاش أو حسنة لمعاد..
رحمه الله رحمة واسعة...