فجر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مفاجأة من العيار الثقيل حين صرح وبشكل علني عن نية الولايات المتحدة الأمريكية، السيطرة على قطاع غزة بشكل كامل، بحجة “بدء مشاريع الإعمار ومساعدة الفلسطينيين المظلومين”، بعد حرب إسرائيلية طاحنة قضت على كل مظاهر الحياة داخل القطاع.
تصريحات ترامب التي وصفت بـ”الصاعقة والخبيثة” جاءت بعد أيام من تصريحاته المتكررة حول تهجير سكان قطاع غزة إلى دول عربية أخرى على رأسها مصر والأردن، رغم اعلان الأخيرتين رفضهما القاطع لمشاريع توطين وتهجير الفلسطينيين خارج أرضهم.
ويبدو من خلال تصريحات ترامب الأخيرة، أن النوايا الأمريكية تجاه القطاع قد تكشفت خاصة بعد “رشوة” وقف إطلاق النار في القطاع، والتي جاءت بصورة مفاجئة وبعكس ما كان يطمح له رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في القضاء بشكل كامل على غزة واستمرار الحرب لأشهر طويلة بحجة القضاء على “حماس”.
ويبدو أن نتنياهو حين علم بأن هناك شيء كبير يُطبخ لغزة من خلال مشاريع التهجير والسيطرة الأمريكية المطلقة عليها، فقد وافق على التنازل عن الحرب مقابل حصوله على “الجائزة الكبيرة” من ترامب، الذي لم يخفي للحظة واحدة مدى تمسكه بمخططات تهجير الفلسطينيين وإبقاء غزة منطقة تحت سيطرة أمريكا وإسرائيل.
ورغم أن تصريحات ترامب ستواجه بانتقادات وتنديد وغضب فلسطيني وعربي “منقطع النظير”، لكن ستكون محل ترحيب وإشادة من قبل الجانب الإسرائيلي، خاصة أن معظم وزراء حكومة نتنياهو المتطرفين يدعون ومتمسكون بأي خطة لقلب غزة وتهجير سكانها.
ومساء الثلاثاء (بتوقيت واشنطن)، قال ترامب خلال مؤتمر صحفي مع نتنياهو، عقب مباحثات ثنائية في البيت الأبيض: “الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على غزة، وسنقوم بمهمة فيه أيضا”، مضيفًا “سنطلق خطة تنمية اقتصادية (في القطاع) تهدف إلى توفير عدد غير محدود من الوظائف والمساكن لسكان المنطقة”.
تنديد فلسطيني واحتفاء إسرائيلي
وزعم ترامب أن غزة “يمكن أن تُصبح (بعد سيطرة بلاده عليها وتطويرها) ريفييرا الشرق الأوسط”.
ولم يستبعد ترامب إمكانية نشر قوات أمريكية لدعم إعادة إعمار غزة، متوقعا أن تكون للولايات المتحدة “ملكية طويلة الأمد” في غزة، مجددًا التأكيد أنه “لا ينبغي إعادة إعمار القطاع ومن ثم إعادة نفس القوة (حركة حماس) للسيطرة على المنطقة ليعود السكان للعيش عيشة مأساوية” على حد وصفه.
وادعى أن السبب الوحيد وراء رغبة الفلسطينيين في العودة إلى غزة “هو عدم وجود بديل”.
ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، يروج ترامب لمخطط نقل فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو الأمر الذي رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.
وفي 19 يناير الماضي، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يومًا، ويتم خلال الأولى التفاوض لبدء الثانية والثالثة، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
وكرر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الرسائل التي نقلها ترامب، وكتب على حسابه على شبكة إكس نتورك: “يجب تحرير غزة من حماس، وكما قال الرئيس ترامب اليوم، فإن الولايات المتحدة مستعدة لقيادة غزة وجعلها جميلة مرة أخرى”. هدفنا هو السلام المستدام في المنطقة للجميع”.
وقال مصدر أميركي مقرب من ترامب إن الرئيس الأميركي قدم خطته لأنه توصل إلى نتيجة مفادها أن لا أحد غيره لديه فكرة جيدة عن غزة، باستثناء الأفكار المعاد تدويرها والتي فشلت في الماضي.
وجاء أول رد فلسطيني على تصريحات ترامب من حركة “حماس”، والتي نددت بها وقالت إنها تؤكد “الانحياز الأمريكي الكامل مع الاحتلال والعدوان الصهيوني ضد شعبنا وحقوقه المشروعة”، وأضاف القيادي في الحركة عزت الرشق، أن “تصريحات ترامب بشأن السيطرة على غزة تعكس تخبطا وجهلا عميقا بفلسطين والمنطقة”.
وتابع: “غزة ليست أرضا مشاعا ليقرر أي طرف السيطرة عليها، بل هي جزء من أرضنا الفلسطينية المحتلة، وأي حل يجب أن يكون قائما على إنهاء الاحتلال وإنجاز حقوق الشعب الفلسطيني، وليس على عقلية تاجر العقارات والقوة والهيمنة”.
وأوضح أن الشعب الفلسطيني “سيحبط كل مخططات التهجير والترحيل مسنودا بالأمة العربية والإسلامية والأحرار في العالم”.
وعلقت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، على تصريحات ترامب حول تهجير الفلسطينيين، وقالت في تصريح صحفي، إنه كان ينبغي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو يمارس غطرسته ويضع شعبنا في قطاع غزة أمام خيار وحيد هو التهجير، أن يتذكر أن ١٥ شهراً من القصف المجنون بثمانين ألف طن من السلاح الأمريكي لم تفلح في تهجيره، فهل يتوهم أن تهجره تصريحات عنصرية مراوغة مغلفة بإنسانية زائفة؟!
وأكدت الحركة أن “شعبنا الفلسطيني يمتلك دوماً خيار المقاومة التي يمارسها منذ ما يزيد على قرن كامل من الزمن، من قبل ترامب ومن بعده”.
وعلى الجانب الإسرائيلي، احتفى وزراء وأعضاء بالكنيست الإسرائيلي، الأربعاء، بمساعي ترامب للاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه، ونقلت القناة “13” العبرية الخاصة عن رئيس حزب “يسرائيل بيتنو” أفيغدور ليبرمان، مزاعمه بأن ترامب يحاول “إيجاد حل عادل في قطاع غزة”، وأوضحت أن ليبرمان شكر ترامب بدعوى “التزامه المطلق بأمن إسرائيل”.
بدوره، علق رئيس الكنيست (البرلمان) أمير أوحانا، على تلك التصريحات بقوله: “صباح الخير إسرائيل هذا فجر يوم جديد”، وفق القناة.
فيما قال عضو الكنيست عن حزب “الليكود” الحاكم إلياهو رابيفو، في تعليقه على تصريحات ترامب التي توافقت مع التطلعات الإسرائيلية بتهجير الفلسطينيين من غزة: “أخيرا هناك شخص يتحدث لغة الشرق الأوسط”، بحسب المصدر نفسه.
جريمة حرب
من جانبها، نقلت صحيفة “معاريف” العبرية عن وزيرة المواصلات ميري ريجيف، قولها: “عندما يلتقي زعيمان شجاعان، الأول زعيم العالم الحر، والثاني زعيم الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فإننا أمام نظام عالمي جديد، وسوف يصبح العالم مكانا أفضل”، وفق تعبيرها.
ورغم الاحتفاء بتصريحات ترامب هناك من عبر عن رفضه لها، حيث نقلت القناة “13” عن جلعاد كاريف، عضو الكنيست عن حزب “العمل”، أن فكرة نقل الفلسطينيين من غزة “قد تكون كابوسا لإسرائيل”، على حد قوله.
وعن ذلك قال كاريف: “وجود مليون ونصف مليون لاجئ فلسطيني في مصر والأردن سيشكل تهديدا لاتفاقيات السلام واستقرار الحكم في البلدين”.
وتابع: “كما أنه سيعمل على إبعاد قدرتنا على إقامة تحالف إقليمي معتدل، وكذلك سيغذي تعزيز المحور الإيراني من جديد”، لكنه أقر بأن ترامب “صديق حقيقي لدولة إسرائيل، وهو يغير قواعد اللعبة في المنطقة والعالم أجمع”.
من جانبه، أكد أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، محمد مهران، أن تصريحات ترامب المتكررة حول تهجير الفلسطينيين تمثل دعوة صريحة لارتكاب جريمة حرب، محذراً من خطورة هذه التصريحات على السلم والأمن الدوليين.
وبيّن مهران أن تكرار ترمب لهذه التصريحات في مناسبات مختلفة يكشف عن مخطط منظم لتصفية القضية الفلسطينية، مضيفًا أن القراءة القانونية لتصريحات ترامب تكشف عن انتهاكات متعددة للقانون الدولي، حيث تخالف بشكل صريح المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري للمدنيين، والمادة 7 من نظام روما الأساسي التي تصنّف التهجير القسري كجريمة ضد الإنسانية.
وأوضح أستاذ القانون الدولي أن فكرة ترحيل الفلسطينيين تتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وتحديداً حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومبدأ حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وكذلك مبدأ حماية المدنيين في زمن الحرب، وعدم جواز تغيير التركيبة الديموغرافية للأراضي المحتلة.
وأشار مهران إلى أن دعوات الترحيل تتناقض مع قرارات الشرعية الدولية، وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 242 وقرار الجمعية العامة رقم 194 الخاص بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، مشددًا على أن هذه التصريحات تعكس استخفافاً خطيراً بالقانون الدولي وبمعاناة الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن التهجير القسري يمثل جريمة حرب تستوجب المحاكمة الدولية.
كما أكد مهران أن الشعب الفلسطيني يتمتع بحماية قانونية دولية لا يمكن المساس بها، وأن حقه في البقاء على أرضه حق أصيل كفلته كافة المواثيق الدولية، محذراً من أن تصريحات ترامب تشجع إسرائيل على مواصلة انتهاكاتها في غزة، والتي تهدف إلى جعل الحياة مستحيلة لدفع السكان للنزوح القسري.
وأمام هذه المفاجئة.. هل تنجح أمريكا بتنفيذ خطة السيطرة على غزة؟، وماهي ارتداداتها على المنطقة؟ وماذا ستفعل الدول العربية؟