.بنى أبونا آدمُ عليه السلام البيتَ العتيق بمكة، ثم أمره الله بالسير إلى أرض فلسطين، فبَنى المسجدَ الأقصى على هضبة بالزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس، وفي وسط هذه الهضبة تقع صخرة صغيرة، هي التي عليها قُــبَّـة الصخرة التي بُنيَت في العصر الأموي، فكان المسجدُ الحرام أولَ بيت بُني على الأرض، والمسجدُ الأقصى أولُ بيت بني في أرض الشام، وثاني مسجد بُني على الأرض، وسُمِّيَ الأقصى لبُعده من المسجد الحرام.
فقد روى الشيخان من طريق أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه: (قلتُ يا رسول الله أي مسجدٍ وُضع في الأرض أولُ؟ قال: المسجدُ الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كمْ بينهما؟ قال: أربعون سنة).
المسجد الأقصى وُجدَ قبل وجود اليهود قطعاً، فهو مُتعبَّدٌ للناس جميعاً، وليس خاصاً باليهود، بناه أبو الأنبياء آدمُ عليه السلام، وجدَّد بناءه سيدُنا إبراهيم عليه السلام، وبعد أكثر من ألف عام من تجديد بنائه، أوصى نبيُّ الله داودُ ابنَه سليمان عليهما السلام أن يُجدِّد بناءه، وبقي البناء قائماً إلى أن خرَّبه بختَنَصَّر.وفضل بيت المقدس عظيم، فالصلاة فيه بخمسمائة صلاة في غيره من حيث الثواب، وحين عَلِمَ نبيُّ الله موسى عليه السلام بِدُنُوِّ أَجَلِه سأل اللهَ تعالى أنْ يُدْنِيَهُ من الأرض المقدسة، قال الإمام النووي (وأما سؤالُه الإدْناءَ من الأرض المقدَّسة، فلِشرفها وفضيلة مَن فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم). فلما كان الطوفان وغرق من غرق، ونجا مَن ركب مع نبي الله نوح عليه السلام، صار الناس لا يعلمون مكان البيت الحرام، فدلَّ اللهُ نبيَّه إبراهيمَ عليه السلام على موضعه وعرَّفه به، فقصده وترك عنده زوجه هاجرَ وابنَه الرضيعَ إسماعيل، ثم استقبل البيت ودعا ربَّه: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) ثم سافر، وحين عاد من سفره، بنى المسجد الحرام بأمر الله له، فرفع قواعده التي كانت موجودة مِن قبل، ثم إنَّ نبي الله إبراهيم عليه السلام توجه إلى فلسطين وبنى المسجد الأقصى. فهذا مِن العلم الذي علَّمه اللهُ نبيَّهُ محمداً عليه الصلاة والسلام، وأهمَلَهُ أهلُ الكتاب، وإن كانت الإشارة قد جاءت إلى بعضه، كما في الإصحاح الثاني عشر من سفر التكوين من التوراة، ففيه أنَّ إبراهيم لما دخل أرض كنعان وهي بلاد فلسطين، بنى بها مسجداً: (فبنى هناك مذبحا للرب) والمذبح هو المسجد، لأنهم يذبحون قرابينهم في المسجد. وقد كان الناسُ قبل الإسلام يُسمُّونه بيت المَقْدِس، ويُقال كذلك الـمُـقَدَّس، بمعنى المكان الذى يطهر فيه من الذنوب، وجاءت هذه التسمية على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا كذلك يسمُّونها إِيلِياء، وجاء ذلك في الحديث الشريف، وإيلِياء اسمٌ لنبيٍّ مِن أنبياء بني إسرائيل، وقد سمَّاه الله تعالى في كتابه بالمسجد الأقصى فقال سبحانه (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) فتسميتُه بالمسجد تسميةٌ قرآنيةٌ، باعتبار ما كان عليه مِن قبل، إذْ لم يكن أحدٌ يُصلِّي فيه وقت البعثة المحمديَّة، حيث كان خالياً من البناء، لأن النصارى هدموه، غير أنَّ حُكم المسجديَّة باقٍ، فلا ينقطع عن المسجد بترك الصلاة فيه، ولا بهدمه وتخريبه. والمسجد الأقصى ليس محصوراً في المسجد القِبْلِي الذي بناه سيدنا عمر رضي الله عنه، بل هو شاملٌ لساحة المسجد كلِّها، فهو كلُّ ما كان داخل السور، فتدخل فيه قبة الصخرة المطهَّرة التي بوسطه، فهو أشبه بمربَّع غيرِ منتظم الأضلاع، فطوله من الشمال للجنوب 490 مترا تقريبا، وعرضه من الغرب للشرق 300 متر تقريبا، فمساحته 144000 مترا تقريبا. والمسجد الأقصى وُجدَ قبل وجود اليهود قطعاً، فهو مُتعبَّدٌ للناس جميعاً، وليس خاصاً باليهود، بناه أبو الأنبياء آدمُ عليه السلام، وجدَّد بناءه سيدُنا إبراهيم عليه السلام، وبعد أكثر من ألف عام من تجديد بنائه، أوصى نبيُّ الله داودُ ابنَه سليمان عليهما السلام أن يُجدِّد بناءه، وبقي البناء قائماً إلى أن خرَّبه بختَنَصَّر، وإليه يشير كلام الله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) وبقيَ هكذا إلى أنْ عَمَره الفاروق رضي الله عنه.