محمد سدينا الشيخ /التأثير الكارثي لظاهرة الفساد

جمعة, 10/10/2025 - 10:52

إن التأثير الكارثي لظاهرة الفساد يتطلب منا مقارنة المفسد الموريتاني بغيره من المفسدين.

فالمفسد في دولة من الدول الأخرى حين إقدامه على فساده ينهض رقيبه الأخلاقي أو رقيب الناس الأخلاقي والقانوني عليه، لذا لابد أن يشعر بالعار والخوف، مايجعله لايفسد إلا مرة واحدة، خاصة إذا وقع في شرك الرقيب الأخلاقي والقانوني معا.

أما المفسد في بلادنا فإن تأثير ضميره عليه ضعيف، بل على العكس ربما يقوى عزمه على مواصلة الفساد كل مرة، خاصة حين يتلقى المباركة بالإطراء النثري والشعري والاغاني من بعض المثقفين، مع العلم أن الثراء في مجتمعنا صار هو المجد، بينما الفقر صار هو العار !

الفساد تحول في نظر شعبنا -ولا أستثني بعض طبقتنا المثقفة- من خسة إلى بطولة، ومن طريقة كسب غير مشروع (غصب أو سرقة) إلى أحل الحلال، وكأنه صار (غنيمة في جهاد مقدس).

هذا التغير الثقافي لابد أن ينعكس على الدفاع الإجتماعي ضد الجريمة، وينعكس أيضا على تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بمحاربة الفساد، ماجعل بعض المفسدين أثناء محاكمته على الفساد يدفع بالتمييز ضده، وأن تطبيق تلك النصوص صار تمييزيا، وأنها مجرد سلاح سياسي يسلطه من في السلطة على خصومه، إذ لم تعد في نظره نصوصا عامة ومجردة مطبقة على كل من اقترف واقعة مشمولة بها.

إذن المال العام الموريتاني يواجه ظاهرة الغصب الممنهج، وتتعاون عليه عصابتان، إحداهما تأخذه بصفة مباشر عبر مركز المسؤولية، والأخرى تأخذه (حياءا) من يد الأخرى بعدما توفر لها الغطاء الأخلاقي اللازم، مايجعل الأولى تستمر في أفعالها الشنيعة !!

وبه صار المفسد الموريتاني لديه مناعة ضد مختلف سبل محاربة الفساد، بل هو في حالة غزو دائم، وإن لم يكن غازيا فاعلم أنه يعد العدة لذلك !!

والغاية عنده تبرر الوسيلة لذا لا يستحيل في حقه التلون كما يتلون الغول، فأحيانا تجده معارضا إلى درجة التطرف، وأحيانا تجده من الموالاة إلى درجة الإبتذال، إذ لا تقيده أي ثوابت توجهه، وليس له اهتمام بمايزعزع النظام العام والإستقرار.

في بلادنا اختلط مفهوم السياسة بالاحتيال وصار من العسير التفريق بينهما، إلى درجة صيرت إعداد المفسد لجريمته سياسة من خلال سعيه للحصول على المتصب الذي سيمكنه منها !

 إذن البعض يستولي على المال العام بالقوة، بينما يستولي عليه البعض الآخر بالضعف والإبتذال متجاهلا أن : المأخوذ حياءا كالمأخوذ غصبا