
تجاوزت العلاقات الموريتانية المغربية منطق الخطاب الدبلوماسي التقليدي لتدخل مرحلة التموضع الاستراتيجي في محيط إقليمي مضطرب.
أظهرت مؤشرات هذا العام(2025)الذى دخل أسبوعه الأخير ، أن انواكشوط والرباط ، لاتتوقفان عند مستوى إدارة علاقات حسن جوار مستقرة، بل تعملان على صياغة شراكة متعددة الأبعاد، قوامها الاقتصاد والأمن والاندماج القاري.
تحول ساهمت فى تعميقه وبلاشك ، الرؤية الملكية المغربية الداعية إلى فتح منفذ أطلسي لدول الساحل، باعتبارها مشروعا جيوسياسيا وتنمويا في آن واحد.
موريتانيا،و بحكم الجغرافيا والخيارات السياسية المتوازنة، تبدو الحلقة المفصلية في ترجمة هذه الرؤية إلى واقع ميداني، حيث تتحول من هامش جغرافي إلى عقدة ربط بين عمق الساحل الإفريقي والفضاء الأطلسي.
هذا التحول في الدور الموريتاني لا ينفصل عن إدراك مشترك لدى صانعي القرار في البلدين بأن معضلات الساحل- من هشاشة أمنية إلى اختناقات اقتصادية-لا يمكن معالجتها بالحلول الوطنية الضيقة، بل عبر بناء مسارات تكامل إقليمي حقيقية.
ومن هنا، يكتسب التنسيق المغربي الموريتاني بعدا يتجاوز الثنائية، ليضع أسس تكتل اقتصادي وأمني قابل للتوسع.
اقتصاديا، يواصل المغرب ترسيخ حضوره في السوق الموريتانية باعتباره شريكا استثماريا رئيسيا وموردا استراتيجيا.
غير أن اللافت في المرحلة الراهنة هو الانتقال من منطق المبادلات التجارية إلى منطق سلاسل القيمة المشتركة، وهو ما تجسده عملية تحديث المعابر الحدودية، واعتماد الرقمنة لتسهيل تدفق السلع نحو موريتانيا ومنها إلى غرب إفريقيا.
هذا التطور لم ينعكس فقط على استقرار التموين، بل أسهم في تقليص كلفة النقل وتعزيز تنافسية الأسواق المحلية.
أما في مجال الطاقة، فيمثل مشروع أنبوب الغاز العابر لغرب إفريقيا نحو المغرب نقطة ارتكاز مستقبلية في العلاقة بين البلدين. فمرور الأنبوب عبر الأراضي الموريتانية يمنح نواكشوط موقعاً استراتيجيا في معادلة الطاقة الإقليمية، مع ما يرافق ذلك من عائدات اقتصادية وفرص صناعية، خاصة في ظل تزايد الاهتمام بالموارد الغازية في الحوض الأطلسي المشترك.
وفي منطقة تتداخل فيها التهديدات الأمنية مع شبكات التهريب والهجرة غير النظامية، يبدو التنسيق الأمني بين الرباط ونواكشوط عاملا حاسما في استدامة هذا المسار.
فقد أفرزت التحولات الأخيرة تكثيفا ملحوظا في التواصل بين المؤسستين العسكرية والأمنية، انطلاقامن قناعة متبادلة بأن استقرار الحدود الجنوبية للمغرب يبدأ من استقرار موريتانيا، وأن أمن الأخيرة لا ينفصل عن محيطها الشمالي.
اليوم، ومع انتظام عمل اللجان الثنائية، وتفعيل اتفاقيات التعاون في مجالات الصيد البحري، التكوين، والفلاحة، تتجه العلاقة المغربية الموريتانية نحو نموذج شراكة متقدم، يقوم على تقاطع المصالح لا مجرد حسن النيات.
وهو نموذج مرشح لأن يشكل نواة قطب إقليمي جديد في شمال غرب إفريقيا، حيث تلتقي الخبرة المؤسساتية المغربية مع الإمكانات الموريتانية، في أفق تنموي يعيد رسم خريطة النفوذ الاقتصادي والأمني في المنطقة.
المحصلة، التى يمكن الوصول إليها، أن العلاقة بين انواكشوط والرباط، ليست مجرد علاقة جوار مستقر، بل مشروعا سياسيا واقتصاديا مفتوحا على عمق القارة، يراهن على التكامل بدل التنافس، وعلى الشراكة بدل الارتهان، في زمن تتسابق فيه الدول لإعادة تعريف أدوارها الإقليمية. موقع موقع زوم



