29 عاما مرت على ليلة وصفها العرب بأنها "ليلة سوداء"، التي اجتاحت فيها القوات العراقية الكويت، مساء 2 أغسطس/آب 1990، في حدث وصف بأنه كان مفصليا في تاريخ منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، وربما العالم كله.
رغم أن التصعيد والحشد العسكري، كان معلوما للجميع قبل 3 أشهر تقريبا من الغزو العراقي للكويت، وفقا لما نشرته "إندبندنت" عربية، إلا أن أحدا لم يتوقف أن يقوم الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين بتنفيذ تهديده، واعتبرها البعض جزء من أوراق الضغط التي يستخدمها صدام حسين كالعادة.
لكن في تلك الليلة، كانت هناك تفاصيل عديدة يمكن أن تروى، بخلاف الجدال السياسي والنزال العسكري، قصص من داخل الشوارع التي كانت تعج بالرعب والخوف، وحكايات من داخل المنازل والمكاتب والمحال.
ونرصد في التقرير التالي، بعض من القصص والروايات لتلك الليلة، التي تحركت فيها القوات العراقية لاجتياح الكويت في جنح الظلام.
صدمة عسكرية
يروي قائد قاعدة "علي سالم الجوية" اللواء متقاعد، صابر سويدان، لموقع "إندبندنت عربية"، تفاصيل الهجوم العسكري الخاطف، الذي أسقط الحدود الكويتية.
وقال سويدان "لا غرابة في سقوط الحدود سريعا، ماذا يمكن أن تفعل إذا كان المهاجم قوامه 150 ألفا، وأنت في المقابل 17 ألفا فقط".
وتابع "كنا أمام 3 قوات عراقية تهاجم من الحرس الجمهوري ومن اللواء السادس واللواء 35".
ومضى سويدان "بالتزامن مع قصف قاعدتي أحمد الجابر وعلي الجابر الجويتين، بدأت المقاتلات العراقية تشن غارات جوية قوية على كل الألوية الكويتية، ثم بدأت القوات العراقية تدخل من جهة أم قصر والبدلي والسالمي".
واستطرد "ما نفذته القوات العراقية، كان بمثابة كماشة على القوات الكويتية، ولم تستغرق العملية سوى ساعات فقط".
مع اكتمال الغزو العراقي للكويت، كان ذلك تحدي قوي بالنسبة للصحافة الكويتية، صاحبة التاريخ القوي في صحافة الوطن العربي.
كان الغزو العراقي للكويت، بمثابة الكلمة الأولى لانطلاق 4 صحف كويتية، لا زالوا حتى الآن من أهم الصحف في الوطن العربي، وهم: "الأنباء" و"السياسة" و"القبس" و"صوت الكويت".
ويروي يوسف المرزوق، رئيس تحرير الأنباء الكويتية، تفاصيل مثيرة عن كواليس إصدار والده الصحيفة، وما واجهه في الكويت قبل رحيله إلى مصر.
وقال المرزوق:"أول أيام الغزو العراقي، أرسلنا والدي إلى القاهرة وسافر هو إلى الحكومة الكويتية المؤقتة في الطائف، وأصر على عدم ترك الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبد الله، ليكون هو العضو المدني الوحيد من أفراد الحكومة المؤقتة".
وأشار المرزوق إلى أن الأنباء كانت تصدر قبل الغزو، ولها مبان عديدة في الكويت، لذلك قرر والده أن يستمر إصدار الأنباء الكويتية من القاهرة.
وأوضح أن شقيقه وليد رئيس التحرير وأخته بيبي نائبة رئيس التحرير حينها، التقوا بالرئيس المصري محمد حسني مبارك، الذي أصدر قرارا بطباعة الصحيفة في مطابع الأهرام مجانا، وتوزيعها مجانا على كل تجمعات الكويتيين في العالم.
وأشار إلى أن مبارك خصص قسم في مبنى جريدة الأهرام لـ"الأنباء" من أجل إعداد الجريدة وتجهيزها قبل الطباعة.
وأشار المرزوق إلى أنه سمع عما قاله العراقيون عن جريدة الأنباء، خلال فترة الغزو، حيث أنه أصابهم الغضب العارم، من الهجوم الذي كانت تشنه الصحيفة على القوات العراقية.
وأوضح المزوق قائلا:"والدي خالد يوسف المرزوق، كان على علاقة طيبة جدا مع العراق قبل الغزو، وحتى في وقت الغزو عرضوا عليه العون، ولكن رفضه رفضا قاطعا مما جعله على رأس قائمة المطلوبين حيا أو ميتا".
وأردف
"شاهدت بعيني عند عودتي إلى الكويت صور والدي وهي موضوعة على جميع نقاط التفتيش العراقية في الكويت، كما أن مقر جريدة الأنباء وكافة ممتلكات الأسرة تم تدميرها بالكامل".
كويتي في حكومة العراق
بعد انتهاء عملية الغزو العراقي الخاطفة للكويت، عينت العراق ما أطلقت عليه حكومة مؤقتة، بعد 3 أيام فقط من الغزو، وجاء على رأسها الكويتي، علاء حسين.
واتهمت الكويت علاء حسين بـ"الخيانة العظمى" وحكم عليه بالإعدام، قبل أن يقرر أن يعود إلى الكويت ويتم تخفيف الحكم إلى المؤبد.
وتحدث علاء حسين، في حوار مع موقع "الراي" الكويتي عن كواليس توليه رئاسة الحكومة العراقية في الكويت، وما شهده من أحداث أدت إلى تسليم نفسه إلى الكويت مجددا عام 2000 عقب تحرير البلاد.
ورفض حسين في الحوار التطرق عن السبب الذي دفعه إلى اتخاذ هذا القرار بمساندة قوات اجتاحت بلاده.
واكتفى بالقول:"أعلم أني كنت خاطئا، فقد كنت أحاول إضعاف الروح المعنوية للقوات الكويتية، وسلمت العراقيين معلومات خطيرة وحساسة عن الكويت".
وتابع "كما أجريت عدد من المقابلات التلفزيونية وأدليت بعدد من التصريحات الصحفية التي تثبط من همم الكويتين".
لاجئون كويتيون في الأردن، 3 سبتمبر/أيلول 1990، غزو العراق للكويت
لاجئون كويتيون في الأردن، 3 سبتمبر/أيلول 1990، غزو العراق للكويت
وتحدث حسين عما حدث عقب تحرير الكويت، بقوله "شعرت بالخزي من نفسي، بعدما علمت أن الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمر بتسليم أبنائي الأربعة لذويهم، وعدم اتخاذ إجراءات ضدهم".
وأردف "كنت حينها في النرويج فارا هاربا، ولم يكن هناك أي تضييق كويتي علي، حتى أنه كان مسموحا بإجراء أي لقاءات تلفزيونية أو حتى الحديث للإعلام الكويتي، ولكني قررت أن أعود إلى الكويت من تلقاء نفسي ومن دون إيعاز من أحد".
وقال حسين:
"ما أشعرني بالخزي أكثر من نفسي، هو أنه حتى بعد إدانتي في المحاكمة الثانية، وتخفيف حكم الإعدام بالمؤبد، قررت الدولة الكويتية منح أسرتي منزلا جديدا، ورعايتهم طوال الفترة التي كنت بها في السجن".
كذبة الحضانات
كان واحدة من الوقائع التي حركت الرأي العام العالمي، ودفعت الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرارا بتكوين تحالف دولي من أجل تحرير الكويت، هو واقعة عرفت بـ"قصة الحضانات".
وتبدأ القصة، وفقا لرواية هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عندما استمتعت لجنة حقوق الإنسان في الكونغرس الأمريكي، يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 1990، إلى شهادة ناجية كويتية، لم يتم الكشف عن هويتها لحماية عائلتها في الكويت.
وقالت تلك الشاهدة في شهادتها إن الجنود العراقيين اقتحموا المستشفيات، وفصلوا خراطيم الأكسجين عن حضّانات الأطفال الرضع، وسرقوا الحضّانات وتركوا الرضع فريسة للموت على الأرض الباردة.
وبالفعل تمكنت تلك الشهادة من هز الرأي العام، خاصة بعدما أعاد سردها ممثل الكويت أمام مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وكانت إحدى الركائز الأساسية في التصويت بمجلس الأمن لصالح التدخل العسكري في الكويت ضد العراق.
واختلفت أرقام الضحايا الأطفال، بسبب تلك الواقعة، بين 40 طفلا قتيلا بحسب تصريحات ممثل الكويت في مجلس الأمن، أو 312 طفلا قتيلا بسحب تقرير لمنظمة العفو الدولية "آمنستي".
ولكن بعد انتهاء الحرب، وتحديدا عام 1992، قالت "بي بي سي" إن الناجية الكويتية التي أدلت بشهادتها، لم تكن في الكويت أصلا وقت الغزو العراقي.
وأشارت إلى أن الناجية كانت نيرة ناصر آل صباح، ابنة السفير الكويتي في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت شهادتها ضد حملة دعائية كويتية لحشد تأييد التدخل العسكري ضد الغزو العراقي.
كما أجرى الكونغرس الأمريكي تحقيقات حول ذلك الأمر، وتوصلت التحقيقات إلى أن نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان، عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا، توم لانتوس، كان على علم بهوية نيرة آل صباح الحقيقية، وأخفاها عن اللجنة.
وتحدث السفير الكويتي في الولايات المتحدة في ذلك الوقت لهيئة الإذاعة الكندية (سي بي سي) عام 1992، حول تلك الواقعة: "كانت فعلا ابنتي من أدلت بشهادتها، وتم إخفاء هويتها حفاظا على سلامتها".
وتابع
"لكن القصة التي روتها كانت سليمة مائة بالمائة، وكنا نهتم أن ننقلها إلى الرأي العام العالمي، بغض النظر عن الطريقة التي نقلت بها".
كما كشفت لجان حقوقية، التي أُرسلت إلى الكويت لإحصاء خسائر الحرب، أنه لا يوجد دليل على حدوث قصة الحضّانات، وأن الحضّانات بقيت في المستشفيات الكويتية ولم يمسها أحد، مقارنة بمعدات طبية أُخرى سُرقت مثل كراسي علاج الأسنان، وفقا لما نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
كما زعمت "بي بي سي" أن ابنة السفير الكويتي، تلقت تدريبا على مواجهة الجمهور وطريقة الإلقاء عن طريق إحدى شركات العلاقات العامة، وتبين أن رئيس هذه الشركة هو كبير العاملين في البيت الأبيض آنذاك، كريغ فولر