أنتابني إحساس ممزوج بكثير من المشاعر التى ما زالت عالقة في ذهني فى ذلك اليوم، ولن يمحيها الزمن من أعماق الذاكرة طوال الحياة، نظرت يومها إلى صغيرتى صاحبة الـ 3 أشهر نظرة سريعة أردت ألا أطيلها حتى لا يثقل الحمل على وأشعر بلحظات الخوف، ثم أخبرت زوجتى عما سأقوم به ورغم الدموع التى قابلتنى منها إلا أنها تقبلت الأمر فى النهاية، والمشاركة فى الحرب ضد فيروس كورونا.حتي هزيمته والأنتصار عليه بالإرادة والعزيمة..
يقول الدكتور شاركت الطبيب فى مهام العزل بعد تحويلها لاستقبال حالات مصابة بكورونا فى أولى الصفوف التى التحقت بالعمل فى المستشفى بشهر يونيو الماضى ليدون فى سجلات محاربى الفيروس ضمن جيشنا الأبيض بالمحافظة، عمل خلالها بالعديد من المهام وشاركت المرضى لحظاتهم الحزينة والسعيدة وعشت مواقفًا صعبة جدا يسردها فى حديث "لموقع الإعلامي".
وقال الدكتور ، إن بعد معرفتي باختياري المشاركة ضمن فريق العام للعزل حزم أمتعت امتعتي للذهاب، وعند الدخول إلى المستشفى أدركت أنهم فى حالة طوارئ، حيث خلت طرقات المستشفى من المرضى وظهر الترقب والخوف بأعين المعاونين والعمال والتمريض، فالجميع ينظر من خلف الكمامة محاولا إظهار القوة، والمستشفى التى اعتاد على رؤيتها مزدحمة للمرة الأولى يراها بهذا الشكل.
وتابع أنه ذهب إلى مكاتب الإدارة حيث يتواجد الأطباء وكانت لا توجد أخبار وقتها سوى تجهيز المستشفى بوقت قياسى وكذلك أخبار ممن أصيبوا من الزملاء أو أحدهم الذى توفى بهذا الوباء، وكان الجميع يحاول أن يجعل الأمر عاديا وطلبنا وقتها على سبيل الدعابة أن نلعب بلايستيشن والفائز مستمر ليرد أحدهم "تقصد العايش مستمر"، ووقتها كان يترقب الطبيب أن يرى مريضًا للكورونا أمامه وعند التجهيز وارتداء الملابس الواقية والدخول إلى غرفة العزل بدأ الإحساس بالخوف من المكان وما يشاهده للمرة الأولى أثناء تأدية عمله.
وأشار إلى أنه تعرض لموقفين إحداهما طريفًا والآخر مؤلما وذلك فى أول أيام الاستقبال، الموقف الأول أن بعد دخول 10 حالات كورونا فى وقت واحد لاستقبال المستشفى وتسكينهم، ورغم تعليمات المستشفى بمنع التجول داخلها والالتزام بالقسم، جاء أحد المرضى من كبار السن إلى الاستقبال معترضًا عن وجوده فى الغرفة ودخل فى مشادة كلامية عجز خلالها المتواجدين الرد عليه والتعامل معه، حيث أراد أن يتم تسكينه بغرفة ملحقة بحمام خاص بها، والموقف الثانى المؤلم هو معرفته بمحض الصدفة عن اكتشاف إصابة أحد أقاربه ومجيئه إلى المستشفى فى حالة خطرة وذلك خلال تواجده فى الاستقبال والاطلاع على اسمه.
ووصف الطبيب، أن من المواقف الصعبة أيضًا انهيار أحد العاملين بالمستشفى فى بدايات العزل بعد التعامل مع المرضى والضغط النفسى الذى تعرض له، مما دفع الطبيب إلى تهدئته خوفًا على وصول الإحساس إلى المرضى وتقبل بعدها الأمر، وتسلل بعد ذلك شعور للطبيب بالأرق وعدم المقدرة على النوم أو استخدام الهاتف أو القراءة فى وقت الفراغ، وكذلك الشعور بالخوف من المحيطين والشكوك فى الإصابات عند شكوى أحدهم أو ملاحظة عرض عليه، لأن العدوى لا تأتى من المريض الذى يتعامل الأطباء معه بملابس واقية ولكن الأغلب ممن لا يتبعون الإجراءات الاحترازية السليمة.
"غرفة الأشخاص السلبيين غرفة الأفراح" هكذا يبين الطبيب أن هناك غرفة للأشخاص الذين تتحول نتائجهم من إيجابية إلى سلبية فى انتظار الخروج والتى أغلبهم من النساء، حيث تتحول الغرفة إلى ضحكات وأغانى ووقت ملىء بالأفراح للنجاة من شبح كورونا.
وعن قرب نهاية الفيروس، لفت الطبيب أن أكثر مخاوفه من الموجة الثانية للفيروس بفصل الشتاء وعودته مرة ثانية، ولكن فى الوقت الحالى فيروس كورونا أصبح أليفا بالنسبة للأشخاص، ومتاح للتعامل معه.
وأضاف ، أن العزل المنزلى من وجهة نظره أمرًا غير فعال نظرًا لاختلاط عدد كبيرة من أفراد الأسرة مع بعضهم البعض ولاسيما فى المدن الداخلية ، كما ثمن دور المجتمع المدنى فى التعامل مع الأزمة والمبادرات التوعوية.