يقف الاتحاد الأوروبي وبشكل محتشم مع فرنسا في شق واحد في الأزمة التي تفجرت مؤخرا، أي في مواجهة الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، ولكن يتحفظ في مساندته لها بشكل علني في ملف الرسوم الكاريكاتورية حول النبي لتفادي أزمة. ويحدث هذا في ظل دهشة تسيطر على صناع القرار في باريس بعد قيام دول عربية معتدلة مثل موريتانيا والأردن والمغرب والسعودية وباكستان بالتنديد بسياسة باريس ثم انضمام العربية السعودية.
وحظيت فرنسا بتعاطف من العالم العربي بعدما تعرض أستاذ التعليم صامويل باتي لعملية إرهابية بشعة، حيث نددت عواصم عربية بهذا الاعتداء. ولكن أياما بعد ذلك، وبعد قيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالدفاع عن الرسوم المسيئة للإسلام، انتفضت في وجهه دول عربية وإسلامية.
وكانت باريس تنتظر انتقادات قوية من طرف تركيا لا سيما وأن العلاقات بين الطرفين تمر بأزمة عميقة تشمل ملفات مثل النفط في شرق المتوسط وليبيا ومؤخرا النزاع الأدربيجاني-الأرميني. كما كانت تنتظر الموقف المندد من طرف إيران علاوة على المواقف الكلاسيكية من طرف باكستان. لكنها لم تكن تنتظر انتقادات قوية من عواصم معتدلة مثل انواكشوط والرباط وعمان. وهذا ما جعل الفرنسيين وخاصة صناع القرار يتساءلون: ماذا يحدث؟ في أي شيء أخطأت فرنسا؟
وتصدرت تركيا الانتقادات القوية ضد فرنسا، واتهمت هذا البلد بشن حملة ضد المسلمين على شاكلة ما عاشه اليهود من ملاحقة في الحرب العالمية الثانية على يد النازية. واعتقدت الإدارة الفرنسية أن الأزمة الحالية هي ثنائية بين أنقرة وباريس، ولهذا طلبت الدعم السياسي والمعنوي من الاتحاد الأوروبي، وكانت مواقف مساندة في مواجهة تركيا أساسا.
لكن المفاجأة التي لم تكن تنتظرها باريس، ليس حملة المقاطعة التي أصبحت سلاحا في العلاقات الدولية، بل انخراط دول معتدلة للغاية في انتقاد سياسة باريس تجاه الإسلام والمسلمين بعدما شدد الرئيس ماكرون على الحق في نشر الرسوم المسيئة للإسلام. وفي حالة المغرب مثلا، وهو الحليف التقليدي لفرنسا، صدر التنديد عن وزارة الخارجية ليلة الأحد الماضي، ثم صدر عن المجلس العلمي الذي يترأسه الملك محمد السادس.
وجاء الانتقاد بل استدعاء مسؤولين دبلوماسيين في بلد آخر معتدل وهو الأردن. وتفاقمت الدهشة في باريس بعد انضمام العربية السعودية إلى التنديد. وكانت لوفيغارو قد نشرت أمس لكي تبرز غضب الدول المعتدلة أن ملك الأردن شارك في مسيرة التنديد بالعملية الإرهابية التي استهدفت شارلي إيبدو سنة 2015، والآن يوجد في الطرف الآخر. كما جاء في برامج تلفزيونية فرنسية أن “المغرب يقف دائما إلى جانب فرنسا في الإرهاب، والآن يقول لا لتصريحات ماكرون حول الرسوم الكاريكاتورية”.
ولم يقدم الاتحاد الأوروبي حتى الآن على دعم فرنسا في مواجهة الحملة الدبلوماسية التي تتعرض لها أو حملة مقاطعة بضائعها في الأسواق الدولية. ويؤكد مصدر قريب من المفوضية الأوروبية لجريدة “القدس العربي”: “نحن في غنى عن هذه المواجهة الحالية، الجهود الدولية مركزة على محاربة الوباء العالمي كورونا فيروس وليس إحياء مواجهات دينية، لكن الدول الإسلامية عليها التخفيف لأن استمرارها سيدفع الاتحاد الأوروبي في آخر المطاف إلى دعم فرنسا”.
ومنذ شهور، ودول أوروبية لا ترى بعين الارتياح المواجهة التي تخوضها باريس ضد أنقرة في ملفات متوسطية، والآن يقلقها التوتر الجديد بين فرنسا والعالم الإسلامي. ويعلق المصدر الأوروبي السابق: “من الصعب توجيه نفس الاتهامات الى المغرب والأردن مثل التي جرى توجيهها إلى الرئيس التركي طيب رجب أردوغان في قضية الكاريكاتير