صراع بين جنرالين ينتهي في المحاكم.. قصة فشل خطة تبادل الأدوار وسقوط ولد عبد العزيز!

جمعة, 12/03/2021 - 20:39

قرر القضاء الموريتاني، الخميس، متابعة الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، وعدد من المسؤولين السابقين بتهم ثقيلة مثل"الإثراء غير المشروع"، ما قد يقود الجنرال السابق ورفيق سلاح الرئيس الحالي، محمد الشيخ الغزواني، إلى السجن.

ورغم أن السلطات القضائية في موريتانيا تؤكد سلامة الإجراءات التي تتخذها ضد الرئيس السابق لموريتانيا (بين 2009 و2019)، إلا أن أنصار ولد عبد العزيز (64 عاما) يؤكدون أن الرجل "يتعرض لاستهداف سياسي" من أنصار الرئيس الحالي، منذ أن رفض - في صيف 2019 - تسليم مقاليد الحزب الذي أسسه إلى الحاكم الجديد للبلاد.

وقد اعترف ولد الغزواني نفسه، في مقابلة صحافية مع جريدة "لوموند" الفرنسية، بوجود خلاف بينه وبين الرئيس السابق، لكن الخلافات تصاعدت بحدة إلى درجة القطيعة، ما أدى في الأخير إلى تأسيس لجنة برلمانية للتحقيق في "عشرية ولد عبد العزيز".

هذه سبع محطات بارزة في ملف محاكمة الرئيس الموريتاني السابق:

مع قرب نهاية الولاية الثانية للرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، أثارت وسائل إعلام محلية ودولية إمكانية تعديل الدستور من أجل التمديد للرئيس ولد عبد العزيز والسماح له بالترشح لعهدة ثالثة، لكن المعارضة الموريتانية واجهت هذه الأنباء باستنكار و"رفض شرس".

وفي الأخير، أكد ولد عبد العزيز، في حوار نشرته مجلة "جون أفريك"، أنه لن يترشح لولاية ثانية، لكنه أيضا غير مستعد للتقاعد السياسي. خلال الحوار، لوّح بإمكانية مساندة أحد المرشحين في الانتخابات، وذكر بالاسم رفيقه في السلاح محمد ولد الغزواني.

قال آنذاك إن علاقته بالرئيس الحالي "ممتازة منذ ثلاثين سنة". وبالفعل، فقد قاد ولد عبد العزيز وولد الغزواني في السادس من أغسطس 2008 انقلابا على الرئيس المنتخب، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. وإثر ذلك، رُقّي الغزواني إلى رتبة فريق سنة 2012، ثم عُين وزيرا للدفاع في أكتوبر 2018.

في بداية 2019، عادت وسائل إعلام دولية للحديث عن خطة يجهزها الرئيس ولد الغزواني لوضع شخصية مقربة منه في السلطة بعد نهاية ولايته. وكانت مجلة "جون أفريك" هي أول من تحدث عن بحث ولد عبد العزيز عن "ميدفيديف"، مشيرة بذلك إلى أن الرئيس الموريتاني "يخطّط" لإعادة سيناريو تبادل الأدوار في روسيا على السلطة، بين الرئيس، فلاديمير بوتين، ورئيس وزرائه آنذاك، دميتري ميدفيديف.

فشل خطة تبادل الأدوار

في مارس 2019، أعلن وزير الدفاع الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، ترشحه للانتخابات الرئاسية في يونيو 2019. وقد عبرت المعارضة عن رفضها ترشيح جنرال آخر إلى الرئاسة، مشيرة إلى أن ترشح الغزواني سيحسم نتائج الانتخابات حتى قبل بداية الحملة الانتخابية.

بعد فوزه بالرئاسة، اندلعت احتجاجات تتهم السلطة بـ"تزوير" الانتخابات لفائدة الغزواني. وفي خطاب التنصيب، تعهد بأن "يكون رئيسا لكل الموريتانيين مهما اختلفت انتماءاتهم السياسية أو خياراتهم الانتخابية"، مشيرا إلى رغبته في "تعزيز قنوات التواصل مع كافة الفرقاء السياسيين، سواء عن طريق الأحزاب أو مؤسسة المعارضة الديمقراطية".

وبالفعل، فقد انتهج الغزواني لاحقا سياسية الانفتاح على المعارضة. وقد استقبل بيرام ولد اعبيدي، المعارض والمرشح الذي حل في المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية. وكان ولد اعبيدي من أشد المعارضين للرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، وأيضا لترشح ثم فوز الغزواني بالرئاسة.

وتحدثت وسائل إعلام محلية وسياسيون عن خلاف بين الغزواني وولد عبد العزيز بسبب سياسته الداخلية، وتعامله "الليّن" مع المعارضة، وهو ما لم تنفه الرئاسة أيضا.

اجتماع حاسم بين الرجلين

وفي ديسمبر 2019، تصاعد الخلاف بين الرجلين في لقاء جمعهما في منزل ولد عبد العزيز في العاصمة نواكشوط ، فقد "أكد ولد الغزواني لولد عبد العزيز، خلال مباحثاتهما، إرادته أن يصبح مرجعا لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية كرئيس دولة وأغلبية"، مشيرا إلى رغبته في "القطيعة مع صورته كميدفيدف، وردّ ولد عبد العزيز بأنه لا يقبل بلعب دور الخطة باء".

وفي هذه الأثناء، بدأ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم يعيش تجاذبا بين مؤيدي الرئيس السابق باعتباره مؤسس الحزب، وأنصار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذين يريدون أن يكون الأخير مرجعية للحزب.

اعتراف ولد الغزواني بوجود خلاف

في مقابلة صحافية مع جريدة "لوموند" الفرنسية، اعترف الغزواني، لأول مرة، بوجود خلافات بينه وبين سلفه محمد ولد عبد العزيز، قائلا إن "مصلحة البلاد تقتضي الانفتاح على المعارضة"، مضيفا أن "ولد عبد العزيز أخي وصديقي، قمنا معا بأشياء كثيرة خلال الـ 15 عاما الماضية".

وعلّق على غياب الرئيس السابق عن فعاليات رفع العلم ضمن احتفالات عيد الاستقلال الوطني، والذي تناقلته وسائل إعلام محلية على أنه بداية "الشرخ" في العلاقة بين الرجلين، قائلا إن "بعض الناس يعتقدون أن هناك خلافا عميقا بيني والرئيس السابق. لا أعطي الموضوع هذا الحجم. لا أخفي حقيقة أن هناك تباينا في رؤيتينا وتقييماتنا لحالة معينة، لكنني أعتقد أن المناخ السياسي هو الذي أعطى الموضوع حجما أكبر مما يستحق، وأبذل كل جهدي من أجل تهدئة الوضع".

دعوات للتحقيق في تركة ولد عبد العزيز

في الأشهر التي تلت هذه التطورات، شهد الحزب حربا كلامية انتقلت إلى الشبكات الاجتماعية بين أنصار الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذين يعتبرونه المرجعية الوحيدة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحاكم) في موريتانيا، ومؤيدي الرئيس الحالي ولد الغزواني.

في هذه الظروف، بدأ ائتلاف قوى التغيير المعارض في موريتانيا ينادي بـ"فتح تحقيق عاجل وجدي في وضعية المُؤسسات الوطنية التي طالها الفساد"، مشيرا إلى أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز "جعل من الثروة الوطنية ملكا خاصا".

ووصف حينها الائتلاف، الذي يضم اتحاد قوى التقدم، حركة "نستطيع"، تكتل القوى الديمقراطية، والاتحاد الوطني من أجل التناوب الديمقراطي، فترة حكم ولد عبد العزيز بـ"عشرية الجمر"، مشيرا إلى أن تلك المرحلة عرفت "كل صنوف الفساد المادي والمعنوي".

لجنة تحقيق برلمانية

في ديسمبر 2019،  بدأ مجموعة من النواب داخل البرلمان الموريتاني "التحرك من أجل تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في فترة حكم الرئيس السابق، وشبهات حول عمليات فساد جرت خلال السنوات العشر الماضية".

وفي أواخر يوليو، أصدرت اللجنة تقريرا بنتائج التحقيق  تضمن "اتهامات للرئيس السابق بالتورط في ملفات فساد"، وأحيل التقرير إلى وزير العدل الذي أحاله بدوره إلى القضاء، ليبدأ مسار جديد من التحقيق تولته شرطة الجرائم الاقتصادية.

انفجار العلاقة

كان استدعاء ولد عبد العزيز للمثول أمام لجنة تحقيق برلمانية للقطيعة بين الرجلين، إذ لمّح الرئيس الموريتاني في مؤتمر صحافي عقده بمنزله بالعاصمة نواكشوط، إلى عدم رضاه عن حكم الغزواني، مؤكدا "خوفه على مستقبل الديمقراطية" في البلد.

لاحقا، جمدت السلطات الموريتانية حسابات بنكية خاصة برئيس البلاد السابق وبمقربين منه وأشخاص من عائلته أيضا. وفي سبتمبر الماضي، استدعته شرطة الجرائم الاقتصادية شخصيا، لكنه رفض الحديث إلى المحققين، قائلا إن "الدستور يعطي الرؤساء السابقين حصانة من المتابعة القضائية".

ويوم الثلاثاء الماضي، توجه ولد عبد العزيز، مجددا، إلى مقر إدارة الأمن الوطني، ليدافع عن نفسه في ملفات فساد، يقول مراقبون إنها قد تقوده إلى السجن. ويوم الخميس، قرر قطب مكافحة الفساد بالنيابة العامة متابعته بتهم "الإثراء غير المشروع" و"استغلال النفوذ" و"غسل الأموال"، كما قررت السلطات تجميد أمواله.

وتُصرّ أطراف مؤيدة لولد عبد العزيز أن الرجل الذي أسس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في 2008 "يتعرض لعملية اغتيال سياسية"، في حين يرى خصومه أنه "ترك وراءه الكثير من الملفات التي يشوبها الفساد وأن عليه أن يُحاسب على تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد خلال سنوات حكمه".

    المصدر: أصوات مغاربية