في منتصف فبراير (شباط) 1986، وصل إلى دمشق وفد من القيادات الإسلامية اللبنانية، والتقى نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، وطلب تدخل القوات السورية لفرض الأمن في بيروت، بعد صدامات وفوضى حصلت في المدينة.
عرض خدام الأمر على الرئيس حافظ الأسد، الذي قرر إرسال وحدة عسكرية لفرض الأمن في جميع مناطق العاصمة اللبنانية، بما فيها «ثكنة فتح الله» التابعة لـ«حزب الله».
في هذه الحلقة من فصول مذكرات خدام التي تنشرها «الشرق الأوسط»، يروي نائب الرئيس السوري الراحل، الحوار الذي دار في مارس (آذار) 1987، بينه وبين السفير الإيراني في دمشق حسن أختري، الذي طلب اللقاء للتوسط لـ«حزب الله».
ويقول خدام إنه أبلغ أختري: «يجب على المسؤولين في إيران ألا يقارنوا بين (حزب الله) وسوريا، والمسؤولون في إيران يعرفون مواقف سوريا تجاه إيران، ونأمل أن يدرك أصدقاؤنا أهمية نجاح سوريا في إنهاء الأزمة اللبنانية. وأؤكد أنه ليس في نية سوريا ضرب (حزب الله)، ولكنها لا تستطيع أن تقبل برفضه الالتزام بالخطة الأمنية».
وهنا نص الحلقة الرابعة:
في العام 1986 ومطلع 1987، انهار الأمن في بيروت، ونشطت العصابات والميليشيات المسلحة في عمليات النهب والسلب والسرقة والقتل، إضافة إلى الصِّدَامات بين بعضها البعض: صِدام بين حركة «أمل» و«المرابطون»، وبين «أمل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«الحزب الشيوعي»، بالإضافة إلى حرب بين «أمل» والمخيمات، ثم بينها وبين «حزب الله».
وفي منتصف فبراير (شباط) 1986 وصل إلى دمشق وفد من القيادات الإسلامية في بيروت، يضم قادة من مختلف المذاهب. ولدى استقباله، عرض الأوضاع والحالة المزرية التي يعيشها سكان بيروت، وطلب تدخل سوريا عبر قوة أمنية لفرض الأمن.
عرضتُ الموضوع على الرئيس حافظ الأسد، وبعد مناقشة اتخذ قراراً بإرسال وحدة عسكرية إلى بيروت، استجابة لطلب القيادات الإسلامية، وأعطى توجيهاته لقيادة الجيش لتنفيذ المهمة. وتم وضع «خطة أمنية» لبيروت، ودخلت القوة السورية لتنفيذها، فأغلقت مقرات الميليشيات، وصادرت ما عثرت عليه من أسلحة في تلك المقرات.
وخلال تلك العملية، توجهت قوة إلى ثكنة لـ«حزب الله» في بيروت، تُعرف باسم «ثكنة فتح الله»، وطلبت من أعضاء الحزب إخلاء المقر وتسليم أسلحتهم. وجرى نقاش لبعض الوقت، وفوجئت القوة بإطلاق نار شديد، ما أدى إلى قتل بعض الجنود، فردت القوة بالمثل، ما أدى إلى قتل 22 شخصاً، واستولت القوة السورية على الثكنة.
وفي الثالث من مارس (آذار) 1987 استقبلتُ السفير الإيراني في دمشق حسن أختري، الذي قال إنه طلب المقابلة لمناقشة بعض الأمور.
وحسب محضر الاجتماع المسجل بيننا، فإن الموضوع الأول كان ما حصل في بيروت، وفي «ثكنة فتح الله» بالذات، والأحداث المتلاحقة التي تحصل حتى يومنا هذا تباعاً في بيروت الغربية.
وجاء في المحضر قوله: «بالنسبة للحادث الأول، حول قتل مجموعة من الرجال والنساء والأطفال، كان لهذا الحادث وقع شديد على المسؤولين في إيران. الانطباع في إيران لا يزال أن هذا العمل طائش ولم يكن عملاً مسؤولاً. لقد دُهش المسؤولون في إيران من الحادثة. والأحداث اللاحقة تضمنت ملاحقة الأشخاص الملتحين، وعمليات تفتيش للنساء من قِبل الرجال. ووصلت عمليات التفتيش حتى إلى تفتيش سيارة القائم بالأعمال الإيراني في بيروت، وأنزلوه هو وسائقه وفتشوهما جسدياً. هذه الأحداث حصلت رغم أننا لم نكن نتوقعها، لأن المسؤولين في إيران رحّبوا منذ البداية بالخطة الأمنية، ولم يكن هناك أحد يعارضها في بيروت الغربية. وحتى في حديثي مع السيد فاروق الشرع (وزير الخارجية السابق) تحدثت في أن يكون التعاون من (حزب الله)، وبعد أن أتوا وتحدثوا مع سيادتكم وعدوا بأن يكونوا ملتزمين، وهذه الأحداث تحصل رغم التزامهم ورغم أنهم لم يُخِلّوا بالالتزام».
أضاف «النقطة الثانية تخص الضاحية الجنوبية (من بيروت) ودخول الضاحية، وشمول الخطة أو عدم شمولها للضاحية. وهناك تصريحات ونفي للتصريحات. لقد صرح العميد غازي كنعان (مسؤول الاستخبارات السورية في لبنان) أن القوات السورية ستدخل إلى الضاحية الجنوبية، وبعدها نفى ذلك. والإخوة في طهران يريدون أن يعرفوا ما مدى أبعاد الخطة الأمنية، وهل ستشمل الضاحية الجنوبية؟».
وزاد: «هناك نقطة أخرى: موضوع مصادرة السلاح من منازل المسلمين في بيروت الغربية. أذكر لقائي مع الرئيس حافظ الأسد، أثناء تقديم أوراق اعتمادي. لقد تحدثت في هذا الموضوع، وقال: هذا الموضوع غير مطروح لدينا. ليس مطروحاً أن نأخذ سلاحهم، بل سنعطيهم السلاح ليكافحوا وليناضلوا».
وأضاف أختري «الآن، تأخذون الأسلحة من منازل الناس. لا أدري كيف يحصل ذلك. هل يكون في منازلهم سلاح أم يؤخذ هذا السلاح؟ نحن، أي المسؤولين في إيران، وإخواننا في «حزب الله»، وضعنا كل جهودنا لكي لا تكون هناك مبررات أو حجج تزيد الوضع تدهوراً، بل نريد ألا يكون هناك أي شيء يشوب الأجواء. طبعاً، سيادتكم أعلم بما أريد قوله. ومن الواضح جداً أن أعداءنا منزعجون كثيراً من العلاقات المتينة بين البلدين، ويسعون بكل الوسائل الممكنة ليُخِلّوا بهذه العلاقات المتينة، أو لإيجاد نوع من البرود من طريق تسخين الأحداث. هناك في الصحف مقالات وصور وكأن هناك معركة بيننا يريدون تكبيرها. نحن وأنتم ندرك ذلك، ونحن ندرك ونقدر تماماً عنايات وألطاف القيادة السورية والأخ حافظ الأسد».
ومضى، قائلا إنه «بالنسبة لـ(حزب الله)، نحن في الحقيقة نريد للحزب أن يكون عنصراً فعالاً وقويّاً في مواجهة إسرائيل. نريد له أن نكون ساعداً قويّاً بيد سوريا لمواجهة إسرائيل، لذلك نرى الآن حملة دعائية شعواء تريد أن تخل بالعلاقات بين سوريا و(حزب الله)، والأعداء يعملون على ذلك من طريق الدعاية للإيحاء بأن هناك تناقضات بيننا، وهذا مسعى الأعداء ونريد إفشاله. المسؤولون في إيران، وأخص بالذكر الرئيس (السابق علي) خامنئي و(هاشمي) رفسنجاني و(رئيس الوزراء) أمير حسين موسوي، في كل التصريحات بعد حادثة بيروت الغربية، وصفوها بأنها حادثة غير مسؤولة، وأن القيادة السورية هي السند لظهر (حزب الله)، لأن القيادة السورية تدرك أن (حزب الله) هو الذراع لمقاتلة إسرائيل».
وتابع: «هذه الدعاية التي تريد أن تفصل بين سوريا و(حزب الله) ليست إلا دعاية ومؤامرة لمصلحتهم الذاتية، وسوريا هي السند القوي الداعم لـ(حزب الله). طبعاً تعرفون أن المسؤولين في إيران يتعرضون لنوع من الضغط الشعبي، لأن الجماهير الشعبية في إيران، انطلاقاً من محبتها وميلها وشوقها للقيادة السورية، لا يمكن أن تصدق ذلك. لقد تفاجأَتْ بما حصل، وهذه الحالة أحدثت نوعاً من القلق لدى المسؤولين الإيرانيين. والمسؤولون في إيران، من أجل السيطرة على هذه المشاعر، يبررون ذلك بأن الحادث عمل شخصي، وهو من عمل أشخاص معينين. وبهذه الوسيلة يحاولون السيطرة على الشارع الذي تأثر بهذه الحادثة».
وأشار إلى أنه «في أول ليلة بعدما وصلني خبر الحادثة في فتح الله، اتصلت بالشرع ولم أجده، وبعد فترة اتصل بي وزير الخارجية (علي ولايتي). اتصلت ببيروت، وطلبت منهم ضبط النفس، وأن نمنع حدوث أي حادثة تضر بأشياء لا نريد أن نضر بها، وأن نسعى لعدم حدوث أي مشكلة. فأي مشكلة يمكن أن نحلها بالتفاهم ودون أن يكون الحل متناقضاً مع الخطة السورية، ونحن مستعدون للمساعدة، وأشرت إلى هذه الأمور بصورة عامة».
وزاد أختري: «هذه الأحداث تثير العواطف لدى الناس لدرجة يصبح من الصعب معها السيطرة عليها بالنسبة لنا ولكم ولـ(حزب الله). ونحن نتوقع ألّا تكون هناك إهانة لمعتقدات الناس. وبالنسبة للتفتيش الشخصي، مثلاً، يمكن معاملتهم بالحسنى والسلوك الأخوي. وحتى إذا أرادوا تفتيش منزل شخص، من الممكن أن تكون المعاملة أخوية. ونحن في إيران نفتش: الرجال يفتشون الرجال، والنساء يفتشن النساء. وبالنسبة للحادثة الأصلية، وهي مقتل الشباب، ففي رأيي كان ممكناً أن يصدر تصريح، أو إشارة تخفف من وقع ما حدث».
وبعد أن أنهى أختري كلامه، تناولت الحديث قائلاً: «لدينا معلومات أخرى مخالفة تماماً: أولاً، أشكر السفير لعرض هذه الوقائع. ولتوضيح ما يجب توضيحه، قبل كل شي أؤكد على نقطتين:
النقطة الأولى: حرصت سوريا على العلاقات المتينة والأخوية القائمة مع إيران، ودائماً كانت تعمل على تمتين هذه العلاقات. وأؤكد هذا الحرص، رغم بعض التصريحات غير المسؤولة التي صدرت في طهران والتي لا تعكس رغبتنا تماما في العلاقات.
لقد صدرت في إيران موجة من التصريحات، منها ما أشار إلى العلاقات الأخوية القائمة بين سوريا وإيران، ومنها ما تناسى فيها المسؤولون سوريا والعلاقات معها، ولم يعد يرى في الدنيا إلا حادثة جرت في لبنان. ونبدي أسفنا لصدور هذه التصريحات، ومنها تصريح الدكتور (علي) ولايتي والحوزة العلمية، وقسم من تصريح (مير حسين) موسوي الذي قال: «مَنْ يمد يده على (حزب الله) يخدم إسرائيل وأميركا»، بالإضافة إلى الطلاب وجهات أخرى. هذا يدعو للأسف. حجم العلاقات بين سوريا وإيران ونضالهما المشترك يجب أن نرى جميعاً أنه أكبر بكثير من حادثة تقع هنا أو هناك. ومن المؤسف أن تضع بعض الشخصيات في إيران سوريا في كفة و«حزب الله» في كفة أخرى. نحن نقدر أن هناك تعبئة معادية لسوريا، لكن نتوقع أن تلجمها القيادة في إيران كما نلجم أي تعبئة معادية لإيران في سوريا.
وأضفت «نحن، إذا تفوَّه مواطن بكلمة واحدة ضد إيران نضعه في السجن، وإذا قامت فئة من الناس تنتقد إيران نتعامل بها بشدة. هكذا نفهم الحرص على العلاقات بين البلدين. إن المسؤولية في الشؤون اللبنانية تقع على عاتق سوريا، لأن لبنان له علاقات خاصة مع سوريا. نحن شعب واحد، بالإضافة إلى أن ما يجري في لبنان ينعكس مباشرة على أمن سوريا وسياستها في المنطقة، وهذه السياسة من المفروض أن تُدعم من أصدقائنا في الجمهورية الإيرانية، لأنها في خطوطها الأساسية تنسجم مع سياساتها المعادية للإمبريالية والصهيونية».
وتابعت قائلاً: «مع ذلك، ورغم كل هذه التصريحات، ستظل سوريا مخلصة لعلاقاتها مع إيران، وإن كنا متألمين من ردود الفعل هذه، التي كان يجب أن يسبقها استيضاح من سوريا عما جرى. ولو استوضحتم ووضعنا أمامكم الوقائع التي بين أيدينا، وقام المسؤولون في إيران بالاطلاع عليها، لتجنبنا إعطاء الفرصة لأعدائنا للاستفادة من مثل هذه الحوادث التي أشرت إليها. ونحن لم نسأل يوماً ماذا تفعلون في أفغانستان. ولنا ملاحظات نبديها، ولن نفعل ذلك لأننا نقدر حساسية الأمر بالنسبة لبلدين متجاورين. نحن نؤكد مرة ثانية أن مثل هذه التصريحات لن تؤثر في تصميمنا على العلاقات الأخوية بين البلدين، وإن كنا نتمنى أَلا تشوب العلاقات غيوم، وألا تُعطى فرص لأعدائنا لاستغلالها».
وواصلت الحديث: «ثانياً، عندما تأسس (حزب الله)، اعتبرناه حزباً صديقاً وقدمنا له المساعدة والدعم، واستوعبنا كل العمليات السيئة التي قامت بها بعض عناصره ضد أصدقاء لسوريا في لبنان وضد جنود سوريين، ولم نتصرف بردود فعل. بالعكس، كنا نتصرف انطلاقاً من علاقات الصداقة مع هذا التنظيم، ومن الحرص على أن يكون دوره في مواجهة إسرائيل. وهذا الحزب ليس مصنفاً تصنيفاً سلبياً لدينا. بالعكس. نتعاون معه ونحرص عليه. ولكنك تذكر أننا نبهنا مرات عدة لاختراقات موجودة في هذا التنظيم من قِبل ثلاث جهات: من قِبل ياسر عرفات، ومن قبل جماعة العراق، ومن قِبل المكتب الثاني اللبناني. وكنا نحذر من أخطار هذه الاختراقات لأننا كنا نخشى أن تقوم هذه الزمرة التي اخترقت (حزب الله) بأعمال تسيء إلى دوره في لبنان، وتسيء إلى علاقاته مع سوريا. للأسف، هذه التنبيهات لم تعطَ الأهمية اللازمة من قيادة (حزب الله). مع ذلك، كنا نميز بين الحزب كبنية واتجاه، وبين زمرة مزروعة هنا وهناك تقوم بأعمال سلبية، ولا نزال حريصين عليه، ولا نريد أن يختفي، لأننا لا نريد أن يختفي أي لبناني يرفع شعار مقاتلة إسرائيل».
تابعت: «بعد توضيح النقطتين أعود إلى الوقائع: كانت بيروت الغربية تحترق، والاحتراق لم يكن فقط في الأيام الأخيرة والسابقة لدخولنا بيروت، بل منذ بضع سنوات. وكادت بيروت الغربية أن تتحول إلى ساحة صراع مذهبي بين المسلمين. وعندما يتمزق المسلمون ويتقاتلون كلنا نصبح خاسرين. انتُهِكَت كل الحرمات في بيروت الغربية، وأصبح كل شيء فيها مستباحاً: الكرامة والحياة والممتلكات، وتعطلت الجامعات عن الدراسة، وفرَّ الأطباء وكبار العلماء من بيروت، وتحولت هذه المدينة، التي يشكل المسلمون غالبيتها، إلى غابة ترعى فيها الذئاب والوحوش وتتحرك فيها الأفاعي، ثم انفجر القتال الأخير، وهو نتيجة طبيعية للوضع القائم في المدينة، وبدأ الناس يستغيثون، وكنا قد قررنا عدم التدخل العسكري، لأن الدخول يشكل عبئا كبيرا علينا».
وتابعت بالقول: «لكن، عندما جاءت الشخصيات الإسلامية والوطنية وهي تستغيث، كان لا بد من أن نضحي لوقف ما يجري من جرائم وقتال في بيروت. وتم وضع خطة أمنية أُعلنت، وقبل التنفيذ تم استدعاء قادة التنظيمات الأساسية. وأنا، شخصياً، اجتمعت مع ممثلين من (حزب الله) وناقشنا الوضع في بيروت الغربية، وكنا متفقين على هذه الخطوات، وقالوا إنهم مع الخطة الأمنية، وإنهم إيجابيون ويعتبرون أن قرار (حزب الله) بهذه المسألة في جيب سوريا. في الواقع، عندما أبلغت القيادة بنتيجة الاجتماع كانوا مسرورين. وفي اليوم المقرر لدخول حي البسطة، رفضت قيادة (حزب الله) التسليم، وقالوا: (سنحتفظ بالمركز لأعمالنا الأمنية). قيل لهم: (إذا بقيتم فسيبق الآخرون، وبالتالي تتحملون مسؤولية استمرار الوضع في المدينة)، فقالوا: (نحوله من ثكنة إلى مركز علمي). قيل لهم: (الآن كل الأحزاب أغلقت أبوابها في بيروت، وعندما يجري ترتيب الوضع تُدرس مسألة فتح المكاتب للأحزاب في ضوء الوضع الأمني). عادوا وقالوا: (نريد أن نحولها إلى حسينية). قيل لهم: (الآخرون سيحولون مكاتبهم أيضاً إلى مراكز اجتماعية).
وجرى اتصال من الشرع بولايتي، وتم توجيه إنذار لهم لإخلاء المكان. بعد ذلك قالوا: (سنسلم وسنستجيب لتنفيذ الخطة). أحرقوا الثكنة وقالوا: (تفضلوا). دخل الجنود السوريون، وبعد دخولهم مباشرة أطفِئَت الأنوار وبدأ إطلاق النار من الأبنية المجاورة ضد الجنود. وبطبيعة الحال، لا يتوقعنَّ أحد أن تطلق نيران غزيرة على الجنود ولا يكون رد منهم على إطلاق النار وأن يدافعوا عن أنفسهم، لأن مهمتهم هي فرض الأمن في بيروت وقمع المخالفات. وخلال الصّدام وقع قتلى بين الجانبين. ولأن القتيل والقاتل من الجانبين هم جزء منا، نحن متأثرون بسقوط الضحايا، أكانوا من الجنود السوريين أو من (حزب الله). ولكن، لو استسلم الجنود السوريون لمسلحي (حزب الله) ولم يردوا على الاعتداءات عليهم، فيجب أن نتصور ماذا ستكون الحالة في بيروت. لدينا، كما هو الحال في كل جيوش العالم، قاعدة تقول إن الجندي الذي يلقي سلاحه يُحاكم، ويعرف جنودنا أن مهمتهم مساعدة اللبنانيين وفرض الأمن ووقف القتال».
وتابعت: «بعد ذلك، فوجئنا بالحملة الإعلامية المضادة. كان عليهم أن يدركوا أنهم يعبئون الجنود السوريين ضدهم، وهذا ما لا نريده نحن، وكنا نتمنى أن يتصرف بعض المسؤولين في بيروت من (حزب الله) بتعقل أكبر لأننا لا نريدهم أن يزرعوا شعوراً لدى الجندي السوري بأنهم أعداء له ولسوريا، بعد أن كنا نثقف جنودنا بأن هذا الحزب صديق لهم ولسوريا. طبعاً، نأمل أن تتصرف بعض القيادات بتعقل وأن تراجع نفسها، وأن تدرك أن مثل هذه التصرفات لا يستفيد منها إلا الأعداء. نحن لم نَقُل، ولن نقول، للجندي السوري إن (حزب الله) عدوك. سنبقى نقول له إن كل من يقاتل إسرائيل هو صديقك وحليفك. ولكن على قيادة (حزب الله) أن تدرك أن سكان بيروت أصبحوا بحاجة إلى الأمن والاستقرار والاطمئنان».
وواصلت الحديث قائلاً: «بالنسبة لموضوع الأسلحة، في الواقع هناك قرار في الخطة الأمنية بتحريم وجود السلاح في بيروت الغربية، وأعطينا فرصة لكل التنظيمات لإخراج أسلحتها من بيروت الغربية، وما قاله الرئيس الأسد لك صحيح: عندما يحتاجون للسلاح لقتال العدو سنعطيهم من سلاح جيشنا، لكن أن يستخدموا السلاح لمقاتلة بعضهم البعض، فهذا أمر محرَّم شرعاً. أما ما أشرت إليه حول بعض التصرفات على الحواجز، فلا أريد أن أنفي، بل أؤكد أنه ليست هناك توجيهات بهذا المعنى، وإذا وقعت بعض التصرفات فإنها تكون تصرفات فردية ويمكن التنبيه إليها. في الوقت نفسه، يجب ألا نستبعد المبالغة وتضخيم الأمور. ومع ذلك، يجري التأكيد على القوات الأمنية في أن تتعامل مع الناس وفق التوجيهات المعطاة لها برفق وإحسان. وتستطيع أن تبلغ طهران بأن سوريا حريصة على (حزب الله) حرصها على أي تنظيم في لبنان، ودليل هذا الحرص أن يستدعي نائب رئيس الجمهورية في سوريا وفداً من (حزب الله)، كان ممكناً أن يستقبلهم رجل من الأمن، وحرصتُ على استقبالهم».
وتابعت قائلاً: «فيما يتعلق بموضوع الخطة الأمنية، فهي تتعلق ببيروت الغربية فقط، وليس في نيتنا الآن بحث أي موضوع آخر غير بيروت الغربية والخط الساحلي والجبل. وفي المستقبل، إذا كان الوضع في لبنان يقتضي توسيع الخطة لتشمل مواقع أخرى، فسيناقش هذا الموضوع في حينه. وقرارنا كان بعدم إرسال قوات إلى بيروت لأن ذلك يُحمِّلنا أعباء مادية وسياسية. كنا نحاول أن نترك اللبنانيين يحلون مشاكلهم مع بعضهم البعض، وعندما لم تتمكن قوى الأمن اللبناني من فرض الأمن، فإن قواتنا جاءت إلى بيروت».
وختمت قائلاً: «هذه هي الصورة، ويجب على الإخوة في طهران ألا يأخذوا الأمور بالعاطفة. ومن أجل حادثة (حزب الله)، هل من المعقول أن يكون وزن (حزب الله) لدى إيران أكبر من وزن سوريا؟ إذا كان الأمر كذلك، فالحقيقة أن الوضع مؤلم، ونحن نؤمن بأن العلاقة مع إيران أهم من مائة تنظيم. نحن نعتبر العلاقة مع إيران مبنية على تصور مشترك لمهامنا المشتركة ضد الإمبريالية والصهيونية. هذه هي الصورة، ونتمنى، قبل خروج أي شيء للإعلام أن تتصلوا بنا وتستوضحوا (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). كل الأقنية مفتوحة بيننا وبينكم في أي وقت.
أما فيما يتعلق بموضوع المداهمات، فإذا بقي السلاح فإنه سيستخدم لتفجير آخر. وإذا كانوا خائفين من الجيش اللبناني، فإذا تحرك ضد بيروت الغربية، فنحن قادرون على وقفه. هم يريدون قتال إسرائيل، ونحن جاهزون للمساعدة».
عاد السفير للحديث عن حادثة «ثكنة فتح الله»، فقال: «بالنسبة للحادثة وكيف حصلت في فتح الله، فإنه كان هناك عناصر من (حزب الله) موجودون مع الجنود السوريين، وكانوا جاهزين للتسليم، وحصل إطلاق النار. لو أنهم تريثوا لاتضح لهم ما حدث. وهناك صور نشرت، يظهر فيها بعض الأشخاص الذين قُتلوا من (حزب الله) مُوثَقين من قبل الذين قتلوهم».
أجبته: «إذا كان هناك شيء من هذا فقد حصل بعد أخذ الجثث. هذا الجندي إذا أطلقت عليه النار ومعه سلاح سيرد على النار، وإذا لم يرد يعتبر متخاذلاً ويُحاكم». عقَّب السفير: «أعتقد أنه كان ممكناً معالجة الوضع بشكل أوسع». فقلت: «هل تعتقد أنه بعد إطلاق النار، لو لم يدافع الجنود عن أنفسهم ماذا كان وضعهم؟ هناك أمر يتعلق بأمن القوات. هذا جيش نظامي وليس ميليشيات. يتعرض لإطلاق النار ويقول لمطلقي النار استسلمنا؟ هذا أمر لا نقبله لجنودنا». فرد السفير: «أنا لا أقصد استسلاماً. كان هناك ضباط سوريون ومسؤولون من (حزب الله)، كان يمكن...»، فقاطعته: «عندما يبدأ إطلاق النار، من يستطيع أن يوقفه؟ من المفيد تجاوز هذه الحادثة».
أجابني السفير: «بالنسبة لأصل الموضوع، وهو دخول القوات العسكرية والخطة الأمنية، كان من الواجب أن تنتهي الأزمة. نحن متفقون على أن ينتهي الوضع المأساوي الذي كان سائداً في بيروت الغربية، و(حزب الله) أثبت أكثر من مرة أنه لا يريد الانخراط في المسائل الداخلية. هو يريد مقاتلة إسرائيل». أجبته: «عملياً، انخرط وخطف بعض المسيحيين في لبنان، وآخرهم جان عبيد، وإيران ساهمت في موضوعه». عقَّب السفير: «في اليوم نفسه، يوم أخبرنا وزير الخارجية عن موضوع جان عبيد، توجهت إلى بيروت، و(حزب الله) لا علاقة له بهذا الموضوع، وبذلنا دوراً كبيراً في الاتصالات».
سألته: «هل عماد مغنية في حزب الله أم لا؟». أجابني السفير: «أنا لم أجتمع به ولا أعرفه، وحسب معلوماتي فهو ليس من التشكيلات، وليس من (حزب الله)». قلت له: «أقبل كلامك».
وتابع السفير محاولا توضيح موضوع اختراق «حزب الله» فقال: «بالنسبة لما تفضلتم به من أن هناك اختراقاً في (حزب الله)، لا أنفي ذلك. عرفات يمكن أن يخترق بعض العناصر. لكن، إذا نظرنا إلى هذا الحزب وأهدافه المعلنة، فلا يمكن أن يتفق مع عرفات». أجبته: «أنا ميَّزْتُ بين (حزب الله) كقيادة وبعض العناصر».
عاد السفير للحديث عن الضاحية، وقال: «بالنسبة للضاحية الجنوبية، هناك فكرة لدى المسؤولين في إيران بأن الدخول إلى الضاحية، من دون أن يعني هذا الكلام اعتراضا على التدخل السوري، سيكون إذا حصل نكبة كبيرة للشيعة، لأنه سيعني أن الضاحية هي المقصودة وأنها تُحاصر، بينما تبقى بيروت الشرقية للمسيحيين والجبل للدروز. لذلك يرى المسؤولون في إيران أن موضوع الضاحية هو جزء لا يتجزأ من بقية المناطق الأخرى. المسؤولون في إيران عندما يفكرون بهذا الاتجاه يأخذون بالاعتبار المواقع وكرامة سوريا في المنطقة ولبنان، وألا يقال إن المسلمين أو الشيعة أصبحوا غير محببين لسوريا. هذه الأمور تهم المسؤولين في إيران».
علقت على كلامه: «أولاً، العملية أمنية لبيروت الغربية. ثانياً، بالنسبة للمسلمين الشيعة في لبنان، هم جزء من الجسم الإسلامي العام فيه، وجزء من جسم الوطن اللبناني الذي نحن حريصون عليه وعلى رفع الظلم عنه. وبطبيعة الحال، سوريا لا يمكن أن تتخذ إجراءً من شأنه الإخلال بالتوازن الداخلي. ما نتخذه من إجراءات هو لصالح المظلومين والمتضررين في لبنان. موضوع الضاحية غير مطروح للبحث، بالإضافة إلى ذلك فنحن نعرف جيداً مصالح المسلمين، سواء أكانوا من الشيعة أو الدروز أو السنة. لكن، عندما تضع الدولة اللبنانية خطة اتُّفق عليها بين الأطراف اللبنانية، فلن تبقَ منطقة خارج هذه الخطة. بالنسبة للمقارنة التي تفضلتم بها، يجب على المسؤولين في إيران ألا يقارنوا بين (حزب الله) وسوريا. والمسؤولون في إيران يعرفون مواقف سوريا تجاه الجمهورية الإسلامية، ونأمل أن يدرك أصدقاؤنا أهمية نجاح سوريا في إنهاء الأزمة اللبنانية. وأؤكد أنه ليس في نية سوريا ضرب (حزب الله)، ولكنها لا تستطيع أن تقبل برفضه الالتزام بالخطة الأمنية».
شكرني السفير على استقباله، وودّع وانصر