قالت "صحيفة تايمز” إن الدعم العلني من الرئيس جوزيف بايدن لإسرائيل يخفي وراءه لهجة حادة بدأت منه لرئيس الوزراء الإسرائيلي في أحاديثهم الخاصة وتهديد بممارسة ضغط دولي.
وقالت إن بايدن تحدث مرة عن إرساله صورة إلى نتنياهو مع توقيع عليها “بيبي لا أوافق على أي شيء تعمله ولكنني أحبك”.
وفي تقرير أعده مايكل كرولي وآني كارني قالا إن الموقف الداعم في العلن والناقد في السر هو ما علم علاقة بايدن مع الزعيم الإسرائيلي وسط آمال بقرب نهاية العمليات الإسرائيلية ضد غزة. ففي مكالمة هاتفية حذر بايدن نتنياهو من أنه يستطيع الدفاع عن الغارات الإسرائيلية عن غزة لمدة معينة، وذلك حسب شخصين على معرفة بالمكالمة. وكان الحديث الهاتفي أقوى من الإيجاز الذي أصدره البيت الأبيض الذي أكد على حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها ولكنه لم يتطرق لمطالب النواب الديمقراطيين المتكررة بوقف فوري لإطلاق النار.
وقالت الصحيفة إن المكالمة والمحادثات الأخرى تعكس العلاقة المعقدة بين الرئيس ونتنياهو والتي تعود إلى 40 عاما وبدأت عندما كان نتنياهو نائب رئيس البعثة الإسرائيلية في واشنطن وكان بايدن سناتورا شابا برغبة قوية للانخراط في السياسة الخارجية. ومنذ ذلك لم يتفقا على شيء ولكنهما أقاما علاقة عمل معقدة خلال سبع إدارات أمريكية. وكان نتنياهو رئيس وزراء في أربع منها ومعارضا للحوار مع إيران ومدافعا عن توسيع المستوطنات.
الموقف الداعم في العلن والناقد في السر هو ما علم علاقة بايدن مع الزعيم الإسرائيلي وسط آمال بقرب نهاية العمليات الإسرائيلية ضد غزة
وأصبحت العلاقة اليوم أكثر تعقيدا، فعلاقة أي رئيس الأمريكي مع إسرائيل ظلت فعلا معقدا ولكنها اليوم أعقد في وقت لم يعد فيه الديمقراطيون يدعمون إسرائيل بقوة.
ويرى الخبراء والمسؤولون الأمريكيون السابقون أن حسابات بايدن تعود إلى زمن قديم عندما كان أمن إسرائيل يتفوق على المظالم الفلسطينية وأن موقفه لا يتعلق مباشرة بالوضع العسكري على الأرض ولكن بالسياسة المحلية وبأهداف السياسة الخارجية وبالتحديد المحادثات النووية مع إيران. فمن جهة يقاتل نتنياهو من أجل البقاء في السلطة في وقت يحاول الحفاظ على الدعم الأمريكي. ويحاول بايدن اليوم وهو في المكتب البيضاوي أن يحافظ على الثقة المتبادلة مع رئيس الوزراء ومواجهة قوى تعمل على تحطيم العلاقة.
وقال مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، إن بايدن منح نفسه مساحة خاصة لإقناع نتنياهو بتخفيف الغارات على غزة والتي شنت انتقاما للهجمات الصاروخية التي أطلقتها حماس على المدن الإسرائيلية. وقال إنديك إن بايدن يحاول إقناع الزعيم الإسرائيلي بوقف إطلاق النار من “خلال التوضيح أنه في الزاوية الإسرائيلية وأن إسرائيل لها الحق بالدفاع عن نفسها والحصول على دعم نتنياهو”. وقال إنديك “هذا مهم في الوقت الحالي وإنه طرح الآن ذلك أن الوقت سيأتي ليقول لنتنياهو: حان الوقت للملمة الأمر”. وقالت الصحيفة إن بايدن ونتنياهو واجها معا دورات من العلاقات الجيدة والمتوترة.
وبعد هزيمة نتنياهو في عام 1999 أرسل بايدن له رسالة أثنى فيها على شجاعته خلال المحادثات مع الفلسطينيين التي نظمتها الولايات المتحدة في ميريلاند، وكتب نتنياهو ممتنا لبايدن وأنه المسؤول السياسي الأمريكي الوحيد الذي كتب له بعد هزيمته.
ولكن بايدن فوجئ في زيارة له لإسرائيل عام 2010 كنائب للرئيس بالأخبار المزعجة التي تحدثت عن موافقة الحكومة الإسرائيلية على وحدات استيطانية جديدة في القدس الشرقية، والتي كانت نكسة لجهود باراك أوباما التوسط في المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعبر المسؤولون في البيت الأبيض عن غضبهم وحثوا بايدن على إلغاء العشاء مع نتنياهو ومغادرة إسرائيل حالا، إلا أنه خالفهم وقرر مواجهة رئيس الوزراء في حديثه الخاص معه، معتقدا أن هذا هو النهج الأقوى، وذلك حسب أشخاص على معرفة بما جرى.
وقال بايدن متحدثا إلى جنب نتنياهو “التقدم في السلام بالشرق الأوسط عندما يعرف الجميع ألا خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل” و”لا خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل”. لكن لهجته كانت أثناء العشاء حادة نوعا ما. وبناء على رؤيته للسياسة الخارجية التي تقوم على العلاقات الشخصية فقد ظل بايدن وعلى مدى السنوات يعبر عن إحباطه من سياسات نتنياهو المتطرفة بدون أن يقطع علاقته معه. وبعد التوتر بين نتنياهو وأوباما بشأن الملف النووي الإيراني، أكد بايدن في خطاب لليهود الأمريكيين أنه والقادة الإسرائيليين “لا يزالون أصدقاء”.
بايدن ونتنياهو واجها معا دورات من العلاقات الجيدة والمتوترة
وترى الصحيفة أن علاقة بايدن وتفكيره عن إسرائيل لم تتشكل من خلال علاقته مع نتنياهو بل ويتذكر كيف زار إسرائيل عام 1973 وكان في حينها سناتورا شابا واجتمع مع غولدا مائير وتذكر أنه “أهم لقاء في حياتي”. وفي السنوات اللاحقة أكد بايدن تكريسه لإسرائيل بالقول “أنا صهيوني” وأضاف لتلفزيون إسرائيلي عام 2007 “لست بحاجة لأن تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا”.
وقال مايكل أورين الذي عمل سفيرا لإسرائيل ما بين 2009 – 2013 إن الكثيرين في إدارة باراك أوباما لم يثقوا بحكومة نتنياهو الليكودية ولكن بايدن كان المستمع الرئيسي له. وقال “لقد كشف كما اعتقدت عن رؤية عميقة لشخصية بنيامين نتنياهو”. وأضاف أن بايدن احتفل دائما في مقر إقامته كنائب للرئيس بالسنة اليهودية الجديدة. ويأمل بايدن أن يساعده نتنياهو اليوم على تجنب التورط في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بدون منظور للحل، بشكل يحرفه عن أولويات السياسة الخارجية مثل التغير المناخي والصين والعودة للاتفاقية النووية.
وتقول سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في تشاتام هاوس بلندن “أعتقد أن إدارة بايدن فوجئت” و”احتاجوا لأيام كي يعبئوا أنفسهم ويجدوا صوتهم”. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض على متن الطائرة الأولى إن الرئيس بايدن “يمارس هذا منذ مدة طويلة ليعرف أن الطريقة الوحيدة لحل النزاعات الدولية هي عدم مناقشتها علنا”. وقالت “أحيانا الدبلوماسية يجب أن تحدث خلف الأضواء ويجب أن تكون هادئة ولسنا بحاجة للكشف عن كل ما يجري”.
وأثر النزاع على رحلة وزير الخارجية أنتوني بلينكين إلى منطقة القطب الشمالي للتركيز على أولوية بايدن: التغيرات المناخية. وقضى معظم رحلته إلى الدنمارك يوم الأحد وهو يتصل مع القادة الأجانب بشأن الأزمة وسيواصل الجهود أثناء رحلته لإيسلندا. ولكن الوزارة لم ترسل إلى المنطقة إلا موظفا من الصف الثاني وهو هادي عمر، نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية.
ويتذكر بعض مسؤولي إدارة أوباما السابقين فشل وزير الخارجية جون كيري لتأمين وقف إطلاق النار في غزة عام 2014. وعلى المدى القريب تأمل الإدارة أن يؤدي وقف مبدئي لإطلاق النار لوصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين خسروا بيوتهم أو شردوا منها. وبعد ذلك العمل على وقف شامل للنار. ولكن بايدن عبر بعد أول مكالمة له عن “أمله وتوقعاته” بقرب نهاية الأعمال القتالية التي قتل فيها أكثر من 100 بريء فلسطيني.
وعندما سئل مسؤول بارز في الإدارة عن السبب الذي يمنع بايدن الدعوة لوقف فوري للنار كما يطالب عدد من الديمقراطيين في الكونغرس، أوضح أن دعوة كهذه قد تترك ردة فعل سلبية وتحد من نتنياهو وجماعات اليمين المتطرف في إسرائيل. ويرى أورين أن الدعم العلني من بايدن لإسرائيل نابع من المحادثات غير المباشرة مع إيران هذا الشهر والتي جرت في فيينا. و”لن أكون مندهشا لو قالت إدارة بايدن للحكومة الإسرائيلية بعد هذه الحرب: رأيتم كيف دعمنا حقكم بالدفاع عن أنفسكم ضد حماس. وثقوا بنا لتأمين دفاعكم ونحن نجدد الاتفاقية النووية مع إيران