أحاول في هذا الْبحثِ الْمتواضع أن أسلط الضوءَ على قبيلةٍ من اهم الْقبائلِ الْعربيَّة الْقحطانيَّةِ الأصل الإفريقيَّة الانتماءِ والْموطن ألا وهي قبيلة ُالأنصار والتي أثرت تأثيراً ثقافياً واجتماعياً لا غبارَ عليه عند الْقاصي والدَّاني في الْقارة الإفريقيَّة وخاصةً شمالها وجنوب صحرائها الْكبرى.
وكما هو معروفٌ ومعلومٌ عند كلِّ من له أدنى إلمامٌ بالتاريخ الإسلامي والسيرة النبويِّة الشريفة على أن اسم الأنصار أطلقه سبحانه وتعالى على لسان نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم على سكان الْمدينة الْمنورة (يثرب) أفراد قبيلتي الأوس والْخزرج (1) أبناء: قـَيْـلـَةَ بـنـت الأرقـم بن عـمـرو بن جـفـنـة بن عـمـرو مـزيـقـيـاء. مـن حـارثـة بن ثـعـلـبـة الْـعـنـقـاء بن عـمـرو مـزيـقـيـاء بن عـامـر مـاء الـسـمـاء بن الْحارثة الْغطريف بن امرئ الْبطريق بن ثعلبة الْبهلول بن مازن بن الأزد بن الْغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان- وهو من ذريَّة سام بن نوح عليه السَّلام- والله أعلم (2).
وقد منَّ الله عليهم أن وحَّدهُم وألف بين قلوبهم بعد أن آمنوا برسثولِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وبايعوه وآؤوه مع أصحابه الْمهاجرين، وتعهدوا بحمايتهِ والسير على طريقته، في سبيل إعلاء كلمة الله، فكان موقفهُم هذا يشكل انعطافاً مهماً في طريقة الدعوة الإسلاميَّة حيث أوجدواْ الأرضيَّة الصَّلبة التي اعتمد عليها الْمسلمون في مكافحة الشرك والقضاء عليه، فتمكن الْمسلمون من الرجوع إلى مكة الْمكرمة فاتحين ورافعين رؤوسهم، فاتجهوا بعد ذلك إلى دعوة الْعالم إلى الْعدل والْمساواة محررين شعوب الأرض من الشرك وعبادة الأوثان، وقد زكَّاهم الْقرآن الْكريم في قوله تعالى: {وَالّسَابـِقـُونَ الأوَّلـُونَ مِنَ الْمُهَاجـِرِينَ والأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتـَّبَعُوهُمْ بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأعَدَّ لـَهُمْ جَنَّاتٍ تـَجْرِي تـَحْتـَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3) وقوله تعالى : { لـَقـَدْ تَابَ اللهُ عَلـَى النَّبـِيِّ وَالْمُهَاجـِرِينَ والأنْصَارِ الَّذِينّ اتـَّبَعُوهُ فِــــي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}) .
رُوِيَ عن غيلان بن جرير الْعتكي قال : قلت لأنس بن مالك، يا أبا حمزة، أرأيت اسم الأنصار اسماً سمَّاكم الله به، أم كنتم تسمّوُن به ؟ قال : بل اسم سمَّانا الله به. انظر الأستبصار في نسب الصحابة من الأنصار، لإبن قدامة الْمقدسي، تحقيق الأستاذ علي نويهض- .
وقوله تعالى :{ والَّذِينَ تـَبَوَّءُوُ الَّدارَ والإيمَانَ مِنْ قـَبْلِهـِمْ يُحِبّـُونَ مَنْ هَاجَرَ إلـَيْهـِمْ وَلاَ يَجـِدُونَ فِي صُدُورهـِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتـُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلـَى أنْفـُسِهـــِمْ وَلـَوْ كـَانَ بـِهـِـــــمْ خـَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوق شُحَّ نَفـْسِهِ فـَاُوْلـَئِكَ هُمُ الصَّادِقـُونَ} (1) . إعترافاً لدورهم في الدعوة الاسلاميَّة وتخليداً له.وما يهمنا في هذا البحث قبائل الانصار في
شمال أفريقيا وجنوب صحرائها الْكبري وخاصة موريتانيا ومالي
عاش الأنصار في شمال أفريقيا وجنوب صحرائها الْكبرى تاركين الْوصيَّة لأبنائهم بالاستمرار في الدعوة والْعبادة والابتعاد عن الْفتن أينما ظهرت بين القبائل الْقاطنة بها ناشرين الدعوة الآسلامية بالْحكمة والْموعظة الْحسنة بين تلك الْقبائل، فانتشر الإسلام سِلْماً في أصقاع كثيرة بفضل الله ثمَّ بفضل أُولئك الّـُـدعـــــــاة الْمتبتلين من الأنصار، وغيرهم.
وقد زادت أعدادهم بعد سقوط دولة بني الأحمر في غرناطة سنة 1493م وهـي الـدولة التي أسَّسها محمد بن الأحمر الأنصاري الْخزرجي (2) سنة 1249م واستطاع أن يـمـد فــــي وُجود الإسلام بالأندلس لأكثر من مائتي سنة.
يقول الشاعر أحمد بن عبد الله الأنصاري في قصيدة له عنوان {كلُ فرْع يعُود إلى أصلهِ} :
وحيث أنَّهُم نذروا أنفسهم للدعوة حتى صارت ديدنهم، فإنَّهُم لم يعيروا كبير إهــتمام بالاحتفاظ بالألقاب، فقبلوا أن ينادوا باسم الْقبائل التي أندمجوا فيها، وتصاهروا منها، بل وأكثر من هذا رَطنُوا بلهجات تلك الْقبائل تحبيباً لهم في الإسلام، الأمر الذي جعل من النَّادر وُجود قبيلة للأنصار في إفريقيا خاصَّة برغم كثرتهم.
توزيعات الأنصار في أفريقيا:
ينتشر الأنصار وخاصة الْخزرج منهـم في بلاد الْمغـرب الْعـربيِّ الْـكـبيـر وجـنــوب الصَّحراء الْكبرى مندمجين مع مختلف قبائلها،
وفي موريتانيا قبائل وعشائر كثيرة ترجع في أُصولها إلى الانصار. من أهمها قبيلة ((إدَيْبُسَاتْ))، ويُعرفون ((بالْبُصَادِييِّنَ)) . وبرز من هذه الْقبيلةالانصاريَّة الأصل والنسب، علماء، وقضاة، وفقهاء، وقادة ساسة، ومفكِّرين. منهم على سبيل الْمثال: الشيخ محمد محمود الْملقب بالْخلف الْبُصّادي.
- الشيخ الطالب أعمر بن نوح الْبُصادي، شيخ الطريقة الأغْظَفِيَّة.
- الشيخ الطالب بن خليل الْبُصادي.
- الشيخ الْغزواني الْبُصادي.
- الشيخ محمد بن عبد الْقادر الْبُصادي.
- الْعلاَّمة الشيخ محمد عبد الله بن زيدان بن غالي الْبُصادي، الْمتوفي سنة 1934م. من كبار علماء عصره في اللغة والأُصول.
- الْعالم اللغوي الشهير الشيخ غالي بن الْمختار فال بن أحمد تلمود بن أحمد نـَايَ الْبُصَادي، الْمتوفي سنة 1824م.
- الشيخ الْمجاهد محمد الْمُجْتبىَ الْبصادي، الْمتوفي سنة 1959م.
- الشيخ الْجليل محمد عبد الله بن آدَّه الْبصادي الْمتوفي سنة 1984م (2).
وذكر صاحب كتاب ((بلاد شنقيط الْمنارة والرباط)) ص38: بأنَّ قبيلة ((إدُوالْحاج)) تنتسب إلى رجال من قبائل شتى جمع بينهم الْحج، وجاءوا فأسَّسُوا مدينة (وَدَانْ)، وهم الْحاج عثمان الانصاري، (تلميذ الْقاضي عياض السَّبتي وزميل الشريف عبد الْمؤمن) والْحاج يعقوب الْقرشي، والْحاج علي الصَّنهاجي، وألتحق بهم بعد فترة عبد الرحمن الصَّائم، فأصبحت ذريتهم قبيلة واحدة تدعى (إدُوالْحاج) أيْ أبناء الْحجاج .
***ومن قبائل الانصار بموريتانيا***
قبيلة التُّجَّار وجدهم هو تاجر الْولاتي الانصاري، وينتهي نسبه إلى الصحابي عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول. وقد جاء إلى ولاتة في الْقرن السادس عشر، ومارس فيها التجارة، وتزوج بها، ورزق بولد يدعى عمر الذي استقر لدى مشظوف وتزوج منهم ورزق بثلاثة أبناء، وهم : ديَّه الْبهلول، والْفاغي، والرويض.
الذين هم الأجداد الأعلون لثلاثة من أفخاذ التجار، وهي :
- أولاد ديَّات.
- أولاد الْفاغي.
- الرَّويصات.
(1)- انظر : ص (3- 4) إيليغ قديماً وحديثاً، لمحمد الْمختار السوسي، تعليق محمد بن عبد الله الروداني، الطبعة الرابعة1426 هـ- 2005م الْمطبعة الْملكيَّة بالرباط- الْمملكة الْمغربيَّة.
(2)- انظر : ص (246- 248) مـوريـتـانـيـا فــي الــذاكــرة الْــعــربــيـَّـة، للــدكــتـور حــمــاه الله ولـد الــسَّــالــــم، منشورات مركز دراسات الْوحدة الْعربيَّة، الطبعة الأولى 2005م، بيروت- لبنان .
وقد لحق بهم في ما بعد أخ أو ابن عم اسمه أحمد الداك جد الْفخذ الرابع الدكوكات الْمحرَّف إلى إيدكَوطات.
ومنهم قبيلة أولاد ((تـَادْرَارِينْ)) الْقاطنة بين موريتانيا وجنوب الصَّحراء الْمغربيَّة.
ومنهم قبيلة ((يادَّاس)) وكان جدّهم أوَّل الأمر يقطن فيتِيشِيتْ، ثم أنتقل إلى أولاد محمد حيث تزوج منهم، ونمت فيهم أُرومته. وقد ذهب بعض من نسله إلى الْبرابيش وانضموا إليهم، والْبعض الأخر أنضم إلى كُنْتَة أزواد. ويقع ضريح يادَّاس وأولاده الثلاثة الأوائل في وَلاَتة (1) .
***الانصار في صحراء تينبتكو***
يُعرف الانصار
وحلفاؤهم بصحراء تينبتكو بـ{كَلْ إنْصَرْ، أو كَلْ إنْتَصَرْ، أو ألْ إنْصَارْ}، فالأول نسبة إلى نصر جدّ بني الأحمر حكام غرناطة والثاني إلى الْمنتصر وهو لقب أغلبهم، وهم أحفاد الْولي الصَّالح الْعلاَّمة الشيخ محمد المختار الملقب إنفا بن المصطفى (الملقب المزمل) بن محمد أحمد الملقب (المظفر وأق آيِيرْ) بن إسحاق الملقب ( السباخ ولمتون والمكنى أبو مناف) بن الصالح(الملقب الصُّليْحْ) بن أبي بكر بن يوسف (المكنى أبا يعقوب) (2) بن محمد ( أبي عبد الله الصغير ) بن علي (أبي الحسن) بن سعد بن محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف (أبو الحجاج) بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر بن محمد بن نصير بن علي بن يحي بن سعيد بن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه الصحابي الجليل الانصاري الساعدي الخزرجي القحطاني(2) .
وتعني كلمة {كَلْ إنْصَرْ أو كَلْ إنْتَصَرْ} بلغة الطوارق{تَمَاشَقْ}: آلْ الانصارأو أهل الانصار. وقد شاءت إرادة الله أن يخرج سلفهم من الْجزيرة الْعربيَّة مجاهدين في سبيل الله وناشرين لدينه، وإعلاء لكلمته منذ الْفتح الإسلامي لإفريقيا والأندلس، واستقروا في بلاد الأندلس حتى أن ابن سعيد شيخ مؤرخي الأندلس والْمغرب الْمتوفي سنة 673 هجري، قال: (( والْعجب أنَّك تعدم هذا النَّسب بالْمدينة الْمنورة موطن الانصارالأصلي وتجد منه بالأندلس في أكثر بلدانها ما يشذ عن الْعدد وكثرة، ولقد أخبرني من سأل عن هذا النَّسب بالْمدينة فلم يجد منه إلاَّ شيخاً من الْخزرج وعجوزاً من الأوس )) .
(1)- انظر : ص (79- 123) الْــقـبـائــل الْـبـيـضـانــيَّـة فـي الْـحوض والـسـاحل الْـمـوريـتـاني، لـبـول مـارتـي- ت- محمـد محمود ودادي، منشورات جمعية الدعوة الإسلامية الْعالميَّة 2005م الْجماهيرية الْعظمى .
(2)- انظر : ص (43) نـثـار الأخـبـار عـن بـقـايـا الأنـصـار بصـحـراء تـمـبـكـتـو، الأسـتـاذ أبـو عـامـر مـرتـضـى الأنـصـاري، دار الانصار، الطبعة الآولى 1998م الرياض السعودية .
وقال الْمؤرخ الْحجازي الشيخ عاتق الْبلادي : (( وبعد وفاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وتسلط بني أميَّة فيالْمدينة، رأى الانصارأنَّ النَّاس قد قلبوا لهم ظهر الْمجن حتَّى هجاهم كفَّار الْعرب ومعاوية يسمع فتفرقوا في الأمصار وهاجر منهم كثيرون إلى أفريقيا ومنهم الآن أحياء عظيمة بالسودان الْغربي )).
وكانوا كذلك إلى أن وقعت فتنة الْمسلمين هناك، فخرج جدهم من مقره فيغرناطة بعد سقوطها في أيدي الإفرنجة فيالْقرن الْعاشر الْهجري (1) ونزل مدينة فاس ومنها خرج أحد أحفاده مع أسرته (2) إلى الصَّحراء، ويبدوا أنه قد قام بعدة زيارات إلى للصحراء التمبكتيَّة ضمن الْقوافل التي كانت تتردد ما بين الْمغرب وتمبكتو في ذلك الْوقت قبل أن ينتقل بأسرته من فاس إلى الصَّحراء فاستوطن تلك الصحراء فأمن فيهاعلى دينه وعرضه واتخذها موطناً لأسرته.
وأوَّل عمل قام به جدُّهم محمَّد نافع الانصاري هو حفر بئر (إنْـتْـلـَكْ) الذي أنهى بناؤه سنة 1120 هجريَّة. واستوطن الانصار في تلك الْمنطقة وساد الأمن والرخاء ونشروا الْعلم النافع حتى كان من بينهم من تمَّ اختياره من قبل سكان الصحراء شيخاً عليهم كلهم على اختلاف أجناسهم (3).
يقول الشيخ أحمد بن عبد الله بن محمد الانصاري في تقديمه لكتاب ( بول مارتي) ص 3 : (( وهذه الأسرة الانصاريَّة تنحدر من سلالة بني نصر الذين كانت دولتهم في غرناطة آخر الدول الإسلاميَّة في الأندلس، حيث خرج من بقي من بني الأحمر مع من خرج من الْمسلمين إلى الْعدوة الْمغربيَّة، وإلى فاس تحديداً ومنها انتقلوا إلى الصحراء
التمبكتيَّة، في ظروف وأحوال يطول شرحها، واستوطنوا الْمنطقة الْواقعة بين (بَرْجُومَاسْـنـَا) إلى (أغَيَّـاسَـنْ) (4) وأسسوا في ها إمارة خاصَّة أصبحت بعد فترة وجيزة من عمر الزَّمان مرهوبة الْجانب، قويَّة التأثير على ما حولها، كما يدلّ عليه هذا الْكتاب الذي بين أيدينا والحق بما شهد به الأعداء )).
وقد انضمت إليهم وحالفتهم قبائل متعددة تستظل بدوحة حمايتهم، فتسمَّت بإسمهم، ووسمت أنعامها بوسمهم، وشاركتهم في السلم والْحرب، وخالطتهم بالْمصاهرة، حتى ذابت فيهم ولم تعد تعرف إلاَّ بإسمهم، وهذا أمر مألوفٌ في الْمجتمعات الْقبليَّة.
(1)- انظر : ص (322- ج 3) سلوة الأنفس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من الْعلماء والصلحاء بفاس، لأبي عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الْكتاني الشريف، منشورات مؤسسة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، مطبعة النجاح الجديدة 2004م الدار الْبيضاء- الْمغرب .
(2)- قـيـل : الذي خرج من الأندلس إلى تـوات هـو جـد محمد نافع أبوبكر بن يحى الانصاري، أمـَّا محمـد الْمختـار الـْملقـب بـ(إنـفـا) الأنـصـاري فقـد خرج من توات إلى أروان .
(3)- انظر : ص (44- 45) نـثـار الأخـبـار عـن بـقـايـا الأنـصـار بصـحـراء تـمـبـكـتـو، الأسـتـاذ أبـو عـامـر مـرتـضـى الأنـصـاري، دار الانصار، الطبعة الآولى 1998م الرياض السعودية .
تقع منطقة برجوماسنا غرب مدينة تينبتكو قرب الْحدود مع موريتانيا، فما تقع منطقة أقْ إنغياسنْ شمال شرق مدينة تينبتكو، وبين الْمنطقتين حوالي 800 كيلومتر.
يقول الشيخ محمَّد محمود الأرواني في كتابه تاريخ الصحراءالسَّودان وبلد تنبكت وشنقيط وأروان في جميع الْبلدان ص (303- 304) : (… وأما الانصارهنا فهم في الْقديم كَلْ إنْتَصَرْ فنسبهم مشهور ثابت بالنسخ،… فهم ولد الْمختار الْملقب إنْفَ… (1) فالْمختارهذا لما أتى لأروان (2) قبل مجيء الشيخ سيدي أحمد بن أدَّى (3) تأهل بفاطمة الْفردوس الْمقشريَّة (4) وولدت منه محمد أقْ إنْفَ وهو جد كَلْنتَصَرْ الْباقين الْيوم،… وهم أهل علم وصلاح وديانة وولاية من قديم الزمان إلى الْيوم والْحمد لله ولكن حمل أكثرهم السلاح وصاروا من أهل السلاح يردون على أنفسهم ومن أولى بالسلاح من الانصار الذين نصروا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- بأنفسهم وأموالهم وحملوا السلاح وقاتلوا دونه رضي الله عنهم أمين… وكانوا قبيلة واحدة أميرهم واحدٌ وتحتهم كثير من الْعجم في ولايتهم أصحابهم يأخذون منهم الْغفر إلى دخول الْفرنسيين… وملكوا الأرض أعني التي تليهم، وأزواد كذلك فصاروا أهل سيطرة وملك…) (5) .
وتقول الدراسة الْمعدة بإيعاز من رئاسة جمهوريَّة مالي بعثة الشئون الْمركزيَّة والإصلاحات الْمؤسسيَّة بالتعاون مع منظمة الْعون الأمريكيَّة بعنوان : مشاكل الدمج بين السلطات والْمؤسسات التقليديَّة في إطار الديمقراطيَّة الْجديدةفي جمهوريَّة مالي . وكان فريق عمل الدِّراسة مكوَّن من : الْمحاميان سانونغو، وإسمائيلا توري، وقد وردت قبيلة الانصار {كَلْ إنـْصَرْ}. ضمن هذه الدِّراسة بإعتبارهم ضمن الْمؤسسات التقليديَّة في الْمنطقة ومما جاء فيها: (وكانت الأحاديث الْمرويَّة قد نسبت أصل قبيلة (( كَلْ إنـْصَرْ )) إلى الْيمن، ومنذ فترة الْجهاد لتحرير مكة الْمكرمة كان أسلاف هذه الْقبيلة قد انضموا للقتال إلى جانب الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ورافقوه حتى هجرته من مكة إلى الْمدينة الْمنورة ومن هنا جاءت تسميَّتهم بالانصار. ( أيْ أنصار النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)… و فيأعقاب الْحروب الصَّليبيَّة كان أحد أسلاف الانصارقد ارتحل من الْجزيرة الْعربيَّة في إتجاه الْمغرب، ثم إلى الأندلس بأسبانيا ومن الْغرب عاد… وتواصل خط السير في إتجاه الْجزائر ليصلوا بالتحديد إلى قرية عين صالح… وتزوج جدّهم بامرأة من الطوارق، ومنذ ذلك التاريخ الذي يعود إلى الْقرن السَّادس عشر بدأ تحول الانصار إلى الْبربريَّة حيث كانوا من أصل عربيِّ ولا يتحدَّثون سوى اللغة الْعربيَّة) .
إنْفَ : كلمة بالْعُروبية الطارقية بمعنى نافع، ولهذا يسمى محمد نافع .
أروان : تقع هذه الْواحة شمال مدينة تينبكتو في طريق توات وغدامس وتبعد عنها حوالي 250 كلم، واحتضنت هذه الْواحة عدداً لا بأس به من الأولياء الأجلاء أمثال سيدي أحمد بن أدَّى الشريف الْحسني إثر خراب مدينة السوق ((تدمكّتْ))، وأول من أسسها هو قبيلة "إمقشرنْ" الصنهاجية النسب الْحميرية الأصل. وبها زاوية زاوية سيدي عال بن النجيب الشريف الْحسني .
(3)- هو الْقطب الرباني سيدي أحمد بن أدَّى بن محمد بن أبي بكر بن غوث بن بلال بن النور بن مالك بن عبد الرحمن بن عبد الْجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن الْحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه . انظر : ص (57) تاريخ الصحراء والسودان وبلد تنبكت وشنقيط وأروان في جميع الْبلدان، للشيخ محمد محمود الأرواني، دراسة وتحقيق وتقديم الأستاذ الدكتور الْهادي الْمبروك الدالي، الطبعة الأولى 2008م، دار الْكتب الوطنية بننغازي- الْجماهيرية الْعظمى . وص (27) خبر السوق، لمجهول، تقديم وتعليق الدكتور عبد الْحميد الْهرامة، الطبعة الأولى 2003م، من منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية طرابلس .
(4)- بقايا هذه الْقبيلة الآن داخل تجمعات الانصار بصحراء تينبكتو
(5)- انظر : (303- 404) تاريخ الصحراء والسودان وبلد تنبكت وشنقيط وأروان في جميع الْبلدان، للشيخ محمد محمود الأرواني، دراسة وتحقيق وتقديم الأستاذ الدكتور الْهادي الْمبروك الدالي، الطبعة الأولى 2008م، دار الْكتب الوطنية بننغازي- ليبيا .
ويقول الأستاذ أبو عامر مرتضى الانصاري في كتابه{نثار الأخبار عن بقايا الانصار بصحراء تمبكتو} ص 44 : (( يعد الانصار ثاني أكبر الْعشائر الْعربيَّة بعد كنتة والْبرابيش (بنو حسَّان). وبعد سقوط مملكة بني الأحمر في غرناطة وهجرة الْقبائل الْعربيَّة إلى الْمغرب الأقصى والأدنى وحلول الانصاربمدينة فاس الْمغربيَّة، وتونس والْجزائر وليبيا وموريتانيا وما تلا ذلك من إنتقال بعضهم إلى صحراء تمبكتو والانشغال بالدعوة وحفر الآبار ونشر الْعلم وسائر ظروف الْحياة الصحراويَّة الْقاسيَّة…، كل ذلك كان تدوين التاريخ على هامش الأولويات وكانت ولا تزال قبيلة الانصار تحتفظ بتاريخها وتتوارثه عن الآباء والأجداد عن طريق التواتر والسَّماع، ورغم فترة الركود هذه توجد مخطوطات لتاريخ قبيلة الانصاروكثير منها أخذها الْفرنسيُّون خلال الاستعمار ونقلوها إلى متاحفهم ومكتباتهم بالاضافة إلى مخطوطات أخرى لا زالت في مركز الإمام أحمد بابا للكتب والْبحوث في تمبكتو وبعضها مازال محفوظاً لدى الْقبيلة حتَّى الأن )) .
ويقول الْمستشرق الْفرنسي بول مارني في كتابه {كـُنتة الشرقيُّون} ترجمة الدكتور محمد محمود ودادي، ص 237 : كـَـلْ إنْـتـَصَـرْ : (( ثالث إتحادية قبلية عربيَّة مع كنتة والْبرابيش، وقسَمها إلى أُصول أنصاريَّة وحلفاء للقبيلة، من الأشراف، والْمرابطين، والطوارق، وغيرهم. )) .
وصدق الْقائل حين قال :
رجالٌ بَنوُا الإسلامَ مُنذُ بُذوُغِهِ بإفريقيَا مَا بَيْنَ دَاعٍ وَفاتِحِ
قريْشٌ وَأنصَارٌ وَأبنَاءُ حِمْيَرٍ مِنَ الْعَرب الْعَرْبَاءِ أهْلُ الْقرَائِحِ
)وأخِرُ دَعْوَانَا أنِ الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالمينَ(
10- بلاد شنقيط الْمنارة والرباط، خليل النحوي،منشورات الْمنظمة الْعربيَّة للتربيَّة والثقافة والْعلوم الطبعة الأولى تونس 1987م.
11- تـاريـخ أفـريـقـيـا فـيـمـا وراء الصـحـراء، دراسـة وثـائـقـيـة، جـمـع وتـقـديـم وتـحـقـيـق، الـدكـتـور الْـمـبـروك الْـهـادي الـدّالـي مطباع الـوحـدة الْـعـربـيـّة الزاويـّة الْـجـمـاهـيـريـّة الْـعـظـمـى 2002م.
12- تـأثـيـر الشـمـال الأفـريـقـي عـلـى الْـحـيـاة الْـفـكـريـّة فـي الـسـودان الْغربي، الأسـتـاذ مـسـعـود عـمـر محمّـد عـلـي طبعة جـمـعـيـّة الـدعـوة الإسـلامـيـّة،2003م طـرابـلـس- الْـجـمـاهـيـريّـة الْـعـظـمـى .
13- تاريخ الصحراء والسودان وبلد تنبكت وشنقيط وأروان في جميع الْبلدان، للشيخ محمد محمود الأرواني، دراسة وتحقيق وتقديم الأستاذ الدكتور الْهادي الْمبروك الدالي، الطبعة الأولى 2008م، دار الْكتب الوطنية بننغازي- الْجماهيرية الْعظمى.
27- الْـقـبـائـل الْـبـيـضـانـيـّة فـي الْـحـوض والـسّـاحـل الْـمـوريـتـانـي وقـصّـة الإحـتـلال الْـفـرنـسـي للـمـنـطـقـة، بـول مـارتـي تـعـريـب الـدّكـتـور محمّـد محمّـود ودادي، الطبعة الأولى جـمـعـيّـة الـدّعـوة الإسـلامـيّـة الْـعـالـمـيّـة2001م .
إعداد:
محمَّد محمَّد الشَّيخ الأنصَاري.
الندوة الأولى حول الْعلاقات الْعربيَّة الإفريقيَّة