نشرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية، أمس، مقابلة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تحدث فيها عن الأزمة مع فرنسا، والوضع في الجزائر وملف الصحراء الغربية وقطع العلاقات مع المغرب (المقابلة أجريت قبل حادثة مقتل 3 سائقي شاحنات جزائريين في قصف بالصحراء الغربية، اتهمت الجزائر القوات المغربية بالوقوف وراءه).
وجاءت المقابلة، التي أجرتها الصحافيتان بريتا ساندبيرغ ومونيكا بوليغر في مقر الرئاسة الجزائرية بعنوان “عندما يتصل ماكرون، فإن تبون لم يعد يجيب على المكالمة… ما السبب؟”. وجاء في مقدمة المقابلة أن “عبد المجيد تبون يحارب الفساد والفقر في بلاده، لكنه كان ينتمي إلى الرجال الذين كانوا في محيط الحاكم الأتوقراطي (المستبد)، الذي أطيح به”. يتحدث هنا عن خلافه مع فرنسا وإعجابه بألمانيا.
وتكتب الصحافيتان في تقديمهما أن “الطريق إلى القصر الرئاسي في الجزائر العاصمة يؤدي إلى طريق متعرج، يقف في نهايته حراس عسكريون مدججون بالسلاح عند حاجز. خلفه تمتد أراض واسعة من القصر مع المباني البيضاء والساحات الخضراء التي فيها نوافير متدفقة”.
وتضيفان “منذ ديسمبر 2019، يقيم عبد المجيد تبون في مقر إقامته الرسمي هنا. كرئيس للبلاد، يخلف عبد العزيز بوتفليقة، المستبد المريض المسن الذي حكم البلاد من فيلا على البحر قرب نهاية فترة ولايته، بدعم من الجيش القوي. في ربيع عام 2019، قال الجزائريون كفى لجهاز السلطة الفاسد وغير الكفؤ وخرج مئات آلاف الجزائريين إلى الشوارع. وذلك بعد إعلان بوتفليقة أنه يريد الترشح للمرة الخامسة”.
واستطردتا “حركة الاحتجاج (الحراك)، التي ظهرت نتيجة لذلك، أجبرته على الاستقالة في نفس العام. وفي الانتخابات الرئاسية التالية في ديسمبر/كانون الأول، حصل تبون على أكبر عدد من الأصوات. بيد أنه وفقا للأرقام الرسمية، بلغت نسبة مشاركة الناخبين 40 في المائة فقط، وهو رقم منخفض تاريخيا. قاطع العديد من مؤيدي حركة الاحتجاج الانتخابات، ودعوا إلى فترة انتقالية أطول بدلا من إجراء انتخابات جديدة فورية، والمزيد من الوقت لتنظيم أنفسهم سياسيا. لكن الجيش دفع بالانتخابات التي لم يسمح بها سوى 5 مرشحين من أصل 23 مرشحا، جميعهم جاءوا من بيئة جهاز السلطة القديم”.
وجاء في المقدمة تأكيد على “أن الجزائر دولة حاسمة بالنسبة لأوروبا استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا، حيث تمر طرق المهاجرين غير القانونيين عبر البلاد، وينتهي هؤلاء في أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، فالجزائر تمول إسبانيا ودولاً أوروبية أخرى بالغاز عبر خطوط الأنابيب. الجزائر هي الدولة الأكبر من حيث المساحة في القارة الأفريقية بحدودها المباشرة في حدود العصابات والجماعات الإسلامية في مالي المضطربة، حيث تتعرض القوات الفرنسية والألمانية للهجوم مرارا وتكرارا”.
وتقول الكاتبتان إن “تبون يحاول حاليا إعادة وضع بلاده في السياسة الخارجية: فهو يحاول الاقتراب من شركاء جدد مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا، أيضا من أجل الانفصال عن فرنسا القوة الاستعمارية السابقة. وفي تشرين الأول/أكتوبر، استدعت الجزائر سفيرها في باريس”. وتكتبان أنه “يزعم أنه لم يعد يتصل منذ ذلك الحين بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان يجري مكالمات هاتفية منتظمة معه. وهو ما يمثل برأيه جزءا من سيادة الجزائر الجديدة”.
وسألت المجلة تبون عن تساؤل إيمانويل ماكرون عما إذا كانت الجزائر أمة قبل الاستعمار الفرنسي. وقرار الجزائر استدعاء سفيرها في باريس احتجاجا، وهل هذا الفعل مبرر من أجل جملة واحدة تلفظ بها ماكرون؟
فرد الرئيس الجزائري “أنت لا تجرح فقط تاريخ شعب ولا تهين الجزائريين. ما خرج إلى النور هو الكراهية القديمة للسادة الاستعماريين، لكنني أعرف أن ماكرون أبعد ما يكون عن التفكير بهذه الطريقة. لماذا قال ذلك؟ أعتقد أن ذلك حدث لأسباب استراتيجية انتخابية. إنه نفس الخطاب الذي يردده الصحفي اليميني المتطرف إيريك زمور منذ فترة طويلة: إن الجزائر لم تكن أمة، وحدها فرنسا جعلت البلاد أمة. وبهذا التصريح، انحاز ماكرون إلى أولئك الذين يبررون الاستعمار”.
وسألت دير شبيغل تبون أن “العلاقة كانت جيدة في السابق وكان هناك تفاهم ومشاريع مشتركة في السابق مع فرنسا، وكانت هناك محاولات لإعادة تقييم العلاقات التاريخية بين البلدين، هل أنت نادم على الأزمة الحالية؟”.
فرد الرئيس الجزائري “لست نادما. لقد أعاد ماكرون إطلاق نزاع قديم دون داع. عندما يقول زمور شيئا من هذا القبيل، ماذا يفعل، لا أحد ينتبه إليه. ولكن عندما يعلن رئيس دولة أن الجزائر لم تكن دولة مستقلة، فإن الأمر خطير للغاية. لن أكون أنا من يخطو الخطوة الأولى وإلا سأخسر كل الجزائريين، الأمر لا يتعلق بي، بل بمشكلة وطنية. لا يوجد جزائري يقبل أن أتصل بأولئك الذين أساءوا إلينا”.
وعادت دير شبيغل لتسأل “في العام الماضي، كلف الرئيس الفرنسي تقريرا من مؤرخ مع توصيات حول كيفية تعامل باريس مع تاريخها الاستعماري. ماذا كنت تتوقع منه، من فرنسا – اعتذارا؟
ليجيب تبون أن “بلدنا لا يحتاج إلى اعتذارات من ماكرون لشيء حدث في 1830 أو 1840، لكننا نريد اعترافا كاملا وغير مشروط بالجرائم التي ارتكبها الفرنسيون. وقد فعل ماكرون ذلك بالفعل. أعلن علنا في عام 2017 أن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية. كما تعلمون، دمر الألمان قرية بأكملها في “أورادور سور غلان” في عام 1944. وحتى يومنا هذا، يتم إحياء ذكرى هذه المذبحة، ويتم الاحتفال بها عن حق. لكن في الجزائر كان هناك العشرات من “أورادور سور غلان”. أخذ الفرنسيون سكان العديد من القرى إلى الكهوف، وأضافوا الخشب وأضرموا النار فيها. ومات الناس مختنقون بصورة بائسة”.
وعن احتمال لحل الأزمة مع فرنسا في المستقبل القريب، أكد تبون: “لا، إذا أراد الفرنسيون الذهاب إلى مالي أو النيجر الآن، عليهم أن يطيروا تسع ساعات الآن بدلا من أربع ساعات. ومع ذلك، سنقوم بعمل استثناء لهذا القرار في حال إنقاذ المصابين. ولكن فيما يتعلق بكل شيء آخر، لم يعد علينا التعاون مع بعضنا البعض، ربما انتهى هذا الآن. لقد انتهك ماكرون كرامة الجزائريين”.
وسألت دير شبيغل أن العلاقات مع بلد أوروبي آخر مثل ألمانيا، تتطور فما الذي يربط الجزائر بالجمهورية الاتحادية؟
فقال الرئيس الجزائري: لطالما عاملنا الألمان باحترام، ولم يعاملونا أبدا بغطرسة، ولم تكن هناك أي خلافات في السياسة الخارجية. كما أنني معجب بمثابرة أنغيلا ميركل وتواضعها. يؤسفني كثيرا أنها ستغادر لن أنسى أبدا كيف اعتنت بي شخصيا عندما كنت في العلاج الطبي في ألمانيا. إن ألمانيا قدوة لنا من نواح كثيرة.
وعن توقعات توسيع التعاون مع ألمانيا اقتصاديا بعد تغيير الحكومة في برلين؟
قال تبون: “بصراحة، كل ما هو ممكن. على سبيل المثال، أود أن نبني مستشفى كبيرا في الجزائر العاصمة معا. بيت يغطي كل تخصصات الطب، للمغرب العربي بأكمله. ويمكن للرئيس الأفريقي أن يسعى أخيرا إلى الحصول على العلاج هنا، في قارته، بدلا من سويسرا. ونحن على استعداد لتمويل جزء كبير من هذا المشروع. وهناك أيضا الكثير من الإمكانات للطاقات المتجددة. بمساعدة ألمانية، يمكننا تزويد أوروبا بالطاقة الشمسية”.
وسألت المجلة تبون قبل عامين تقريبا، وعدت بإنهاء الممارسات القديمة وبدء حقبة جديدة في الجزائر، فماذا تحقق؟
فرد: ألغيت الضرائب على جميع الرواتب التي تقل عن 30 ألف دينار، أي أقل بقليل من 190 يورو، لقد رفعت الحد الأدنى للأجور. وتحظى المناطق الريفية المنسية سابقا الآن بدعم خاص. ومع ذلك، فإن إحدى أهم المهام هي إدخال أخلاقيات جديدة في الإدارة والأعمال. منذ عامين ونحن نكافح الفساد.
وقبل العودة لطرح الأسئلة عليه كتبت المجلة أن “تبون كان جزءا من جهاز السلطة في الجزائر العاصمة لفترة كافية ليعرف مدى فساد حكومة بوتفليقة. وفي عهد الرئيس القديم تم إخراج من البلاد على مر السنين مليارات الدولارات الأمريكية”. وأضافت “لا يزال الحكام الجدد يبحثون عن الأموال المسروقة من خلال شركات استشارية تعمل في مختلف أنحاء العالم في سويسرا، وفي الولايات المتحدة، وفي أوروبا. وفي الجزائر أيضا، يُزعم أن الحكومة الجديدة حصلت على مبالغ كبيرة من المال، على الأقل هذا ما يمكن سماعه في حاشية الرئيس”.
وتساءلت المجلة أنه “بالنسبة للاقتصاد، أعلن تبون عن العديد من الإصلاحات. ولكن كم من ذلك سيكون في الواقع قادرا على تنفيذه؟”.
وسألت دير شبيغل تبون: حتى قبل توليك السلطة، كان الجيش قد وضع أعضاء رفيعي المستوى في جهاز السلطة القديم خلف القضبان بمن فيهم سعيد شقيق بوتفليقة، الذي أدين بالتآمر ضد الدولة. هل كان هناك المزيد من الاعتقالات لرجال السلطة الكبار؟
فرد: بالطبع. في الوقت الحالي، أنا أحارب الفساد بشكل رئيسي ومن جذوره. ما حدث على المستوى الحكومي كان مضيعة ومشكلة لا تغتفر لثروات هذا البلد. ما يحدث من فساد، فإن المواطنين هم الذين يدفعون ثمنه. لقد انتهى هذا الأمر الآن لا ينبغي لأحد أن يقدم رشوة مرة أخرى للحصول على جواز سفر جديد.
فاستوقفته المجلة: ولكن هل يمكنك فقط تغيير نظام وعادات راسخة منذ عقود؟
فأجاب: نبدأ بالأشياء الأساسية. كان علينا أن نعيد بناء الدولة بالكامل، جلبت الكثير من الناس من القطاع الخاص إلى الحكومة، وكان المتحدث باسم الرئاسة في السابق مذيعا تلفزيونيا. والذي يرأس الآن وزارة الشركات الناشئة، كان جزءا من حركة الاحتجاج عام 2019. ونقوم حاليا بإعادة تنظيم محكمة ومراجعة الحسابات. نحن نتخذ إجراءات ضد تهريب الأموال. وصوتنا على دستور جديد يمنح المواطنين المزيد من الحقوق.
لكن شبيغل سألته: ومع ذلك يخشى مواطنوكم القمع أكثر من أي وقت مضى ولا يجرؤون على التعبير عن آرائهم علنا. والصحفيون يعتقلون في بلدك. ألست مجرد واجهة مدنية لنظام عسكري لا يزال قائما؟
فأجاب تبون: الشعب الجزائري يعرف أن هذا غير صحيح. أنا من رشح قائد الجيش وبالإضافة إلى الرئاسة، فإنني أتولي منصب وزير الدفاع. والمخابرات وُضعت تحت سيطرتي، ولم تعد تحت سيطرة الجيش. هذا هو الواقع الجديد في الجزائر، الذي يضمنه الدستور – لم تعد هناك تبعيات، بل عمل سيادي.
لكن المجلة عادت لتسأله: ما هو ميزان القوى الحالي بين الجيش والرئيس؟
فأجاب تبون: أستطيع أن أقول لك ذلك. يتلقى قائد الجيش الذي أقوده تعليمات مني لتحديث الجيش. علاوة على ذلك، لديه ما يكفي من الاهتمام بالوضع الحساس على حدودنا. السياسة، هذا أنا. لا أحد سيفعل ذلك في مكاني أنا من أمر بإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية. وأنا من أمر بتنفيذ نفس الإجراء بالنسبة للطائرات المغربية.
واستفسرت دير شبيغل من تبون: لقد أدخلت فقرة في الدستور الجديد تنص على أن الجزائر يمكنها إرسال قوات إلى الخارج. هل سترسل جنودك إلى مالي؟
فرد الرئيس الجزائري: يمكن للعالم الآن أن يطلب منا المساعدة. والأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي يمكن له الآن مخاطبتنا بهذا الأمر. إذا حصلت مواجهات في مالي، فسنتدخل بناءً على طلبهم. لكن جنودنا جزائريون لهم عائلات. لن أرسلهم إلى موتهم من أجل مصالح الآخرين. لقد مات ما يكفي من الجزائريين في الماضي. السؤال الكبير في مالي هو كيفية إعادة توحيد البلاد. على أية حال، فإن الجزائر لن تقبل أبداً بتقسيم مالي.
وعن سؤالها حول قرار الرئيس الجزائري بحظر تحليق الطائرات المغربية في الأجواء الجزائرية؟
رد: المغاربة يريدون تقسيم الجزائر. ممثلهم في الأمم المتحدة عبر عن نفسه بوضوح عندما أشار إلى استقلال منطقة القبائل. لم يصحح أقواله المسؤولون المغاربة ولا حتى الملك المغربي الأمر. في النهاية قطعنا العلاقات.
فسألته دير شبيغل: لكنكم ما زلتم تدعمون البوليساريو، حركة الاستقلال في الصحراء الغربية، حتى يومنا هذا، المغرب يدعي هذه المنطقة لنفسه؟
فرد الرئيس الجزائري: نحن مع الشعب الصحراوي الذي يقرر مصيره بنفسه. فقط المغرب لا يلتزم بهذا الأمر كما تعلم، هناك شيء يزعجني في التصور العام لكلا البلدين. في المغرب، الملك غني، لكن نسبة الأمية لا تزال 45 في المائة، وفي بلادنا تبلغ 9 في المائة فقط. تتخيل أوروبا عن طريق الخطأ أن المغرب بطاقة بريدية جميلة، وتصورنا كنظام مشابه لنظام كوريا الشمالية. نحن دولة منفتحة للغاية