على القول بضرورة توقف القاضي عن الحكم، وهو على حال قد يؤثر في حكمه، من سغب أو نصب أو غضب، أو صلة رحمية أو فكرية بأحد الأطراف، أو عداوة من أي نوع، فلماذا لا تمنع الفتوى هي أيضا على المفتين، وهم على أحوال مماثلة قد تؤثر في فتاويهم؟؟...
قد يجد البعض في الفرق النظري بين حكم القاضي وفتوى المفتي سببا للتفريق بينهما في هذه الاشتراطات، من أن الأول على وجه الالزام، والثانية عكسه..
لكن هذا الفرق نظري جدا، فقد لعبت الفتوى عبر التاريخ أدوارا حاسمة في تشكيل المواقف، وأثرت تأثيرا بالغا في أوضاع الأمة السياسية والاقتصادية بخلاف أحكام القضاة..
فتاريخ الأمة لا يخبرنا عن دور محوري لأحكام القضاة في أوضاع الأمة السياسية والاقتصادية، بخلاف الفتوى، فلم يكن للقضاة حضور إلا فيما يقع بين اثنين، بينما كان للمفتين دور مركزي فيما يجري بين الفرق السياسية..
لقد ضاق مجال تأثير أحكام القضاة لأنها لم تخاطب بالالزام إلا أطرافا عادية محددة ومحصورة، بينما توسع مجال تأثير الفتوى لأنها تخاطب عاطفيا مشاعر الناس كافة..
ولا شك أن كثيرا من الفتاوي المؤثرة صدرت عن غضب ونصب وسغب، وموالاة ومعاداة