خطير هو الدور الذي يقوم به الإعلام في حياتنا.. فرغم أنه وسيلة لتوعية الإنسان, وشرح مختلف جوانب القضايا والمسايل له, ونقل ما يجري من حوله في العالم لإطلاعه عليه, وكذلك نقل وجهات نظره وإيصالها للعالم, وتوحيد توجهاته حول مختلف الشؤون, وغيرها كثير من الجوانب الإيجابية المهمة.. لكن له جوانب سلبية خطيرة وكبيرة..
صناعة الرأي العام قصية ليست بسيطة وبالغة التعقيد, وصارت علما ومهارة وفنا إحترافيا, بل وصار سلاحا خطيرا جدا.. يستخدمه من يجيده بل وصار هناك سعي لإجادته, فأستخدمته الدول ضد بعظها البعض, في سبيل تحقيق مصالح معينة, أو ضغطا ومحاولة لتغيير مواقف أو ما شابه..
عدد غير قليل من المواقف والأحداث التي إستطاع الإعلام فيها, أن يصنع حدثا أو يغير إتجاهاته الجماهير فيه.. من خلال إستغلاله للقنوات الفضائية, ومواقع التواصل الاجتماعي التي هي الأخرى, صارت أداة خطيرة رغم فقدانها لبريقها الأخاذ السابق, لكنها لازالت مؤثرة ولنا فيما يجري في بعض البلدان العربية دليل واضح..
المؤسف في القضية أن الإعلام في مجمله الظاهر, ورغم ما يدعيه من حرية وحيادية هو أبعد ما يكون عن ذلك.. فرغم أن القناعة بفكر أو أيديولوجية معينة, ليس عيبا أو منقصة وهو حق أصيل لكل إنسان ومنهم الإعلاميون.. لكن العار في أن تكون معايير هذا الإعلامي مزدوجة ومتغيرة, تبعا للقرب والبعد من القناة والوسيلة التي يعمل فيها الإعلامي, أو الحزب والجهة التي تمول القناة وتدعمها,أوتبعا لما يدفع للإعلامي نفسه أحيانا!
الواقع يثبت يوما بعد أخر أن قضية وجود " إعلام حر" ماهي إلا أكذوبة أو وهم لا حقيقة واقعية له.. فربما هناك حرية للإعلام, وبالقدر الذي يسمح به النظام الموجود ويريده, لا بمقدار ما يجب أن يكون, أما وجود إعلام حر فلا يوجد مثل هكذا وصف ينطبق على أي حالة إلا ما ندر..
ما يؤيد ما سبق مراجعة بسيطة لمواقف بعض القنوات والإعلامين, منها على سبيل المثال موقف الصحف البريطانية والأمريكية, خلال الحرب الروسية الأوكرانية, أو موقف قناة (BBC) وبعض الصحف الألمانية من قطر, خلال بطولة كأس العالم الجارية, رغم ما تسوقه من عدم ميلها وحياديتها "المدعاة" لكن الواقع أثبت أنها لا تخرج عن سياسات وتوجيهات حكوماتها..
يشابه ذلك موقف كثير من الإعلاميين العرب, والناشطين والمدونين المحليين, من أحداث العراق وغيره من الدول العربية, عند حصول إحتجاجات في البلدين.. وغيرها كثير من المواقف التي تفضح إزدواجية قبيحة, بل أن وصف أمثال هؤلاء "الإزدواجيين" بالمرتزقة والمأجورين لا يبعد كثيرا عن حقيقتهم..
الإعلام وصناعة الرأي العام مهمة حساسة, وسلطة واسعة وخطيرة.. لا يصح أن تكون أداة لإكتساب المال بطريقة "غير نزيهة" أو معاملتها كأي مهنة للتكسب من خلالها, فهي تفرض على صاحبها مسؤوليات أخلاقية قبل أن تكون مهنية..