شرعت المصالح القضائية في الجزائر في مصادرة أموال المسؤولين السابقين ورجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد خلال فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في وقت لا تزال الأحكام تصدر لغاية الآن بحق آخر من تبقى من المتابعين في هذه القضايا.
لعل من أبرز القضايا التي عالجها مؤخرا القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بمحكمة سيدي امحمد، ملف الوزير الأسبق للصحة عبد المالك بوضياف. وقد أصدرت المحكمة أمس عقوبة 7 سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 4 ملايين دينار ضد هذا الوزير و4 سنوات حبسا نافذا مع غرامة مالية تقدر بـ 3 ملايين دينار ضد ابنه، و18 شهرا حبسا غير نافذ على ابنته، مع مصادرة جميع الأملاك المنقولة والحسابات البنكية التي تم حجزها من طرف قاضي التحقيق للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي.
وتتعلق القضايا التي توبع فيها الوزير وعائلته، وفق ما نقله موقع الشروق، بإنشاء شركات أدوية باسم أحد أبناء الوزير مع مقاول كان يمنح له امتيازات للاستفادة من موقع والده، إذ ضبطت تحويلات مالية ضخمة بمئات الآلاف من الدولارات، حسب ما أظهرته تحقيقات النيابة. كما عثر في ملفات الوزير وعائلته على صفقات مشبوهة تتعلق بتجهيز المؤسسات الاستشفائية بكواشف السرطان، بالإضافة إلى قيام العائلة عبر عدة مؤسسات بعمليات تبييض عائدات الفساد.
عائلة أخرى لشخصية شديدة النفوذ في فترة بوتفليقة طالتها يد العدالة، فقد أعلن عن مصادرة جميع أملاك الوزير السابق للتضامن والأسرة والجالية الوطنية بالخارج، جمال ولد عباس، بعد أن رفضت المحكمة العليا، قبل أيام الطعن بالنقض الذي تقدم به المتهم في ملف الفساد المتابع فيه والمتعلق باختلاس وتبديد أموال ضحايا الإرهاب، علما أنه قد سبق لها رفض الطعن بالنقض في القضية الأولى المتابع فيها ولد عباس في وقائع التلاعب بالقوائم الانتخابية لتشريعات 2017، باعتباره أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني في ذلك الوقت.
ويعني رفض المحكمة العليا للطعن الأول والثاني أن الحكمين الصادرين عن مجلس قضاء الجزائر بإدانة ولد عباس بـ6 و4 سنوات سجنا نافذا، قد أصبحا نهائيين ونافذين، ما يعني الشروع فورا في مصادرة ممتلكاته العقارية والمنقولة والأرصدة البنكية التي لم يصرح بها.
وتبين من خلال التحقيقات والإنابات القضائية أن ولد عباس رفض التصريح بملكية فيلا وعيادة صحية من 16 غرفة وشاليه على مرمى حجر من البحر، إضافة إلى العثور على مبالغ مالية تخصه، تقترب قيمتها من مبلغ 100 ألف دولار في خزائن بنك عمومي، وفق قائمة تحصر الممتلكات أوردها موقع الشروق. واعترف جمال ولد عباس أمام القاضي بهذه الأملاك بعد أن واجهه بحقيقة عدم التصريح.
وقبل ذلك، بدأت عمليات مصادرة ممتلكات وزير الطاقة السابق شكيب خليل الهارب في أمريكا وزوجته الفلسطينية وأولاده، والتي يمثل ما هو موجود منها فقط في الجزائر ثروة طائلة.
ووفق ما نقلته صحيفة لوسوار دالجيري الناطقة بالفرنسية، فقد استعادت المصالح القضائية في الجزائر العاصمة بشكل نهائي 6 شقق فاخرة كان يملكها في أبراج إقامة شعباني الشهيرة في وادي حيدرة، مع حجز 8 مستودعات تحت الأرض كان يستخدمها لركن سياراته ذات العلامات الفاخرة.
وفي مدينة هران غرب الجزائر، تم استرداد عشرات المباني للاستخدام السكني بمساحة 205.65 مترًا مربعًا، قطعتين أرضيتين بمساحة 800 متر مربع و840 مترا مربعا، فيلتين من طابقين، وحصة كبيرة في مشاريع البناء العقاري. كما طال التجميد 34 حسابًا مصرفيًا يمتلكه هو وعائلته والمقربون منه، فيما أحصي حوالي 200 حساب بأسماء الشركات التي كان يديرها وزير الطاقة السابق ونجله.
لكن الغلة الكبرى لشكيب خليل وأبنائه وزوجته والوسطاء الذين كان يتعامل معهم تبقى في أرصد بالخارج في الولايات المتحدة، ودول أمريكا اللاتينية وجزر المحيط الهادئ، ولكن أيضًا في أوروبا وبعض دول الشرق الأوسط.
وقد أرسلت الجزائر وفق نفس المصدر، في شباط/ فبراير 2021 طلبًا رسميا إلى السلطات الأمريكية لتجميد جميع الأصول والحسابات المصرفية لوزير الطاقة الأسبق وزوجته ونجله سنان. كما تم إرسال طلب مماثل إلى السلطات السويسرية والإيطالية. واكتشفت خلال التحقيقات عشرات الرشاوى والعمولات التي دفعت في حسابات آل خليل من قبل شركات نفطية كانت تبحث صفقات في الجزائر.
وفي ملفات رجال الأعمال، أصدر مجلس قضاء الجزائر، الإثنين، قرارا يقضي بحبس رجل الأعمال وصاحب مجمع “غلوبال” للسيارات، حسان العرباوي، بـ 8 سنوات سجنا، في حين أدين شقيقه بـ 6 سنوات حبسا نافذا و5 سنوات حبسا نافذا في حق الشقيق الثالث يوسف. كما تقرر مصادرة جميع العقارات والممتلكات والحسابات البنكية والعائدات غير المشروعة المحجوزة من طرف قاضي التحقيق ولو انتقلت الى أصول الفروع المحكوم عليهم، وفق ما جاء في نص الحكم.
ويمثل العرباوي واحدا من كبار رجال الأعمال المستفيدين من فترة بوتفليقة، حيث كان من الزمرة المقربة من شقيقه، مستفيدا من صفقات وتسهيلات للحصول على القروض والمشاريع والامتيازات في مجال الاستيراد الذي حقق المتحكمون فيه ثروات طائلة خلال تلك الفترة.
يمثل ملف استعادة الأموال المنهوبة تحديا كبيرا للسلطات على اعتبار أن وعود استرجاعها كانت من أبرز تعهدات الرئيس عبد المجيد تبون الذي يقترب من عامه الأخير في العهدة الأولى لفترته الرئاسية
ويمثل ملف استعادة الأموال المنهوبة تحديا كبيرا للسلطات على اعتبار أن وعود استرجاعها كانت من أبرز تعهدات الرئيس عبد المجيد تبون الذي يقترب من عامه الأخير في العهدة الأولى لفترته الرئاسية. وكان الرئيس الجزائري في تصريحات أخيرة له قد قدّر ما تم استرجاعه لحد الآن بأنه يعادل 20 مليار دولار، وهو المبلغ الكبير الذي أثار جدلا. وذكر وزير العدل رشيد طبي في البرلمان أن هذا المبلغ يعادل فقط ما تم استرجاعه من أموال داخل الوطن، وذلك بعد 3 سنوات من عمل القضاء والبنوك والمؤسسات المالية ومصالح الضرائب ومديريات أملاك الدولة، في مجال استرجاع الممتلكات.
وكشف الوزير تحديدا عن استرجاع 4213 من الأملاك العقارية و401 من العقارات الصناعية و229 من العقارات الفلاحية الضخمة. أما الأملاك المنقولة، فاسترجع منها 23774 ملكية منها 7000 سيارة. كما ذكر أنه تم استرجاع مبلغ 54 مليار دينار هي عبارة عن قروض أخذها متعامل واحد، وهي ما يعادل نحو 300 مليون دولار لوحدها بين 2019 و2021، وهو ما يدل حسبه على أن المبالغ المسترجعة ضخمة ولا يمكن أبدا التشكيك فيها، في إشارة لمن اعتبروا مبلغ 20 مليار دولار مبالغا فيه