قال البروفيسور اليهوديّ-الأمريكيّ جيفري ساكس إنّ إسرائيل تقوم بعملية إبادةٍ جماعيّةٍ وتطهيرٍ عرقيٍّ في قطاع غزّة، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ ما يجري في القطاع هو مذبحة بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ لعشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين، على حدّ تعبيره.
البروفيسور ساكس، (69 عامًا)، وهو من أشهر الاقتصاديين في العالم وأكثرهم تأثيرًا، أضاف في لقاءٍ أجرته معه صحيفة (هآرتس) العبريّة، أنّ دولة الاحتلال ترفض حلّ الدولتيْن لشعبيْن، وتؤمن بأنّها قادرة أنْ تُسيطر وتحكم المنطقة من البحر للنهر، وهي تتمتّع بدعمٍ أمريكيٍّ، ولكنّها في الوقت عينه لا تُشاهد الصورة بكاملها وهي أنّ جميع دول العالم تقريبًا تُعارِض وبشدّةٍ سياساتها، وهي عمليًا اليوم تتواجد في عزلةٍ دوليّةٍ، إلّا من الدعم الأمريكيّ ودولٍ صغيرةٍ مثل ميكرونيزيا، مُوضحًا أنّ الأمور في طريقها للتغيّر، وحتى الجمهور الأمريكيّ بدأ وبكثافةٍ يُدير ظهره لها، أيْ لإسرائيل، طبقًا لأقواله.
وبحسب رؤية البروفيسور الأمريكيّ فإنّه عاجلاً أم آجلاً ستقوم الولايات المُتحدّة بوقف المساعدات العسكريّة لدولة الاحتلال لأسبابٍ عدّةٍ: المعارضة الجماهيرية في أمريكا لهذه المعونات وتمويل الحرب في كلٍّ من غزّة وأوكرانيا، تنامي الشعور المُعادي للدولة العبريّة في صفوف الفئة الشبابيّة من المجتمع الأمريكيّ، بالإضافة إلى العزلة الدوليّة التي تُعاني منها إسرائيل حاليًا، وبالإضافة إلى ذلك ارتفاع الديون التي تُعاني منها الخزانة الأمريكيّة، والتي ستُجبِر الولايات المُتحدّة على التنحي عن قيادة العالم بشكلٍ لا لبس فيه لصالح قوى صاعدة، وفي مقدّمتها الصين، على حدّ تعبيره.
ورأى البروفيسور اليهوديّ-الأمريكيّ أنّ الإسرائيليين لا يفهمون بأنّهم قريبًا سيبقون وحيدين، ولا يفقهون بأنّ الوحشيّة التي يستخدمها الجيش الإسرائيليّ تؤدّي لتعريض الدولة العبريّة لخطرٍ وجوديٍّ، كما قال للصحيفة العبريّة.
ورأت الصحيفة العبريّة أنّه من الصعب على الإسرائيليين الاستماع لأقوال البروفيسور الأمريكيّ، ولكنّها شدّدّت على أنّه يُمثّل بشكلٍ صريحٍ ما يؤمنون به قطاعات واسعة من الأكاديمية الأمريكيّة، وفي أروقة صُنّاع القرار في أوروبا، بالإضافة إلى القسم اليساريّ في الحزب الديمقراطيّ الأمريكيّ، والذي يعمل من أجل تغيير سياسة واشنطن التي اعتاد كيان الاحتلال على الاستماع لها.
وأشارت الصحيفة العبريّة إلى أنّ كبير المحللين السياسيين في صحيفة نيويورك تايمز، توماس فريدمان، اليهوديّ الأمريكيّ، كان قد قال إنّ الرئيس جو بايدن سيكون آخر رئيس ٍ في واشنطن الذي يؤيِّد إسرائيل، فيما يرى البروفيسور ساكس أنّ التحوّل في السياسة الأمريكيّة تجاه الكيان قد بدأ، لافتًا إلى أنّ الإسرائيليين يتقدّمون بسرعةٍ إلى هذا الحائط وهم في حالةٍ من العمى، على حدّ وصفه.
وفي معرض ردّه على سؤالٍ للصحيفة العبريّة قال ساكس: “إنّ إسرائيل تفقد ما تبقّى لها من دعمٍ دوليٍّ، وأنا أشاهد ذلك خلال عملي في الجامعة وفي الأمم المتحدّة، أنا أتوسّل وأقول لكم، لا تخطئوا وتعتقدوا بأنّ الولايات المتحدّة ستُواصِل دعمكم، يتحتّم عليكم أنْ تستيقظوا من سُباتكم العميق، لأنّ غير ذلك ستبقى إسرائيل مدعومةً من دولة ميكرونيزيا فقط”.
وكشف ساكس النقاب عن أنّ إسرائيل ليست قادرةً على مواصلة حربها على غزّة حتى لعدّة أيّامٍ دون السلاح الأمريكيّ، “ولذا فإنّ أمريكا شريكة في الجريمة، وأرى أنّه في الدولة عندكم في المنظومة السياسيّة، حتى في اليسار، هناك من يؤمن بأنّ القساوة هي السبيل الوحيد لترتيب الأمور، وهذه الرؤية أدّت لفسادٍ وتلفٍ أخلاقيين في إسرائيل، وهناك الكثير في الكيان الذين لا يُفرّقون بين الخطوات من أجل الأمن وبين ارتكاب المجازر الجماعيّة ضدّ الفلسطينيين”.
أمّا عن التطبيع مع السعوديّة فقال ساكس: “أنا لا أؤمن بأيّ تقريرٍ يصدر عن الإدارة الأمريكيّة، ولا أصدّق رئيس الوزراء نتنياهو حتى بكلمةٍ واحدةٍ، وللتدليل فإنّ السعوديّة أوضحت بأنّ التطبيع مع إسرائيل لن يتِّم من وراء ظهر الفلسطينيين”، وتساءل: هل حقًا يوجد مَنْ يؤمن بقدرته على إخفاء القضية الفلسطينيّة؟ لا المستشارين الأمريكيين ولا الأموال الأمريكيّة بقدرتهما تغييب القضية الفلسطينيّة، قال البروفيسور.
ورأى البروفيسور الأمريكيّ أنّ ما حدث في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي لم يأتِ من فراغ، بل كان تعبيرًا عن حالةٍ كارثيّةٍ يعيشها الشعب الفلسطينيّ، وإسرائيل غيرُ مخولّةٍ بالسيطرة الفعلية على ملايين الناس المساكين، مُشيرًا إلى أنّ حلّ الدولتيْن هو الحلّ الوحيد، لأنّ الدولة الواحدة لن تقوم والحلّ الآخر قو ترسيخ نظام العزل العنصريّ الإسرائيليّ، طبقًا لأقواله. كما أنّه رفض نعت عناصر حماس بالإرهابيين أوْ القتلة، بل قال عنهم “مقاتلو حماس”.
وفي معرض ردّه على سؤال الصحيفة العبريّة قال إنّ “المبدأ الذي يُوجّه السياسة الخارجيّة الأمريكيّة هو المصالح الاقتصاديّة والعسكريّة وأخرى، واشنطن قامت بتعيين ديكتاتوريين وقتلة في الحكم، منذ العام 1947 كانت واشنطن متورطةً في 80 محاولة انقلاب وتغيير الأنظمة الحاكمة في العالم، وقامت بذلك حتى ضدّ رؤساءٍ انتُخبوا بشكلٍ ديمقراطيٍّ، لا توجد لديهم قيم، بل مصالح”.
وفيما يتعلّق بإعادة إعمار غزّة قال البروفيسور ساكس إنّ المشروع سيستمّر عدّة سنوات بتكلفة تصل إلى مليارات الدولارات، وعلى إسرائيل المساهمة في العملية، بالإضافة إلى الولايات المتحدّة والدول العربيّة، لافتًا إلى أنّ إدانة إسرائيل في محكمة الجنيات الدوليّة بتهمة ارتكب الإبادة الجماعيّة سيُجبرها على تحمّل قسمٍ من نفقات إعادة إعمار قطاع غزّة، على حدّ قوله.
وعن الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة قال ساكس: “أنا أتابع عن كثب ما يجري بهذه الحرب، أوكرانيا باتت دولةً فاشلةً ومقسّمة لعدّة أقسامٍ، فيما حصل الجيش الروسيّ على الكثير من القوّة والحنكة، وكلّ التقديرات الأمريكيّة تبينّ أنّها كانت خاطئةً، إذْ أنّ واشنطن اعتقدت بأنّ أوكرانيا ستنضّم لحلف الناتو، وأنّه ستتّم الإطاحة بالرئيس بوتن بسبب الأزمة الاقتصاديّة، والحقيقة ما حدث كان على العكس تمامًا، روسيا وأوكرانيا توصلتا لتفاهماتٍ في العام 2022 بيد أنّ الولايات المتحدّة أفشلتها لاعتقادها بأنّ الحرب ستُضعِف بوتن، وهذه كانت إحدى السياسات التقليديّة لأمريكا، ومن المؤسف أنّ هذه السياسة أوقعت أوكرانيا في كارثة، لذا أقول لكم، أنتم الإسرائيليين، تعلّموا ممّا جرى لأوكرانيا”، طبقًا لأقواله