.رأى مُحلِّل الشؤون العسكريّة عاموس هارئيل في صحيفة (هآرتس) العبريّة، والذي اعتمد على مصادر وازنةٍ بالمؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، أنّ ضربة قاعدة (غولاني)، كانت الهجوم الأقسى والأعنف الذي قام به (حزب الله) منذ بداية الحرب الحالية في أكتوبر السنة الماضية، لافتًا إلى أنّ العملية كشفت وهن الدفاعات الجويّة الإسرائيليّة في اعتراض المُسيّرات وإسقاطها، ومُضيفًا بأنّ حكومة بنيامين نتنياهو أهملت تطوير هذا المجال على الرغم من خطورته، على حدّ قول المصادر التي اعتمد عليها.
وفي السياق، وقبل أنْ تصحو إسرائيل مساء الأحد من صدمة الضربة التي استهدفت قاعدة لواء (غولاني) جنوب حيفا، وأدّت إلى مقتل وجرح العشرات من جنوده، أدخل (حزب الله) أمس أكثر من مليونيْ إسرائيليْ في نحو 200 مدينة وبلدة ومستوطنة إلى الملاجئ بعدما دوّت صفارات الإنذار في كل مدن الشمال وصولاً إلى تل أبيب بعد إطلاق صواريخ باليستية من لبنان.
وأفادت وسائل إعلام عبريّة عن وقف حركة الملاحة في مطار بن غوريون، لافتةً إلى أنّ “مشهد يوم الاثنين يشير إلى أنّ حزب الله تعافى من الصدمات واستعاد زمام المبادرة إلى حدٍّ كبيرٍ، وبات يفرض وقائع. وبذلك، تكون عملية المباغتة الإسرائيليّة، وتوجيه الضربات المتتالية، لإفقاد حزب الله توازنه قد تبخّرت”.
وكتب معلّقون: “إنّنا أمام وقائع جديدة ستبدأ بفرض نفسها ميدانيًا، وبالتالي سياسيًا. فمَنْ سيأتي ليفاوض لبنان، ملزم بالانطلاق من قوة حزب الله وتماسكه، لا من انهياره كما تمّ التعاطي مع ذلك قبل 5 أيام”.
ورغم إطلاق بنيامين نتنياهو أمس تهديدات باستهداف حزب الله “من دون رحمةٍ في كلّ لبنان بما في ذلك في بيروت”، إلّا أنّه بدا أنّ هناك أصواتًا بدأت ترتفع بعد الاستفاقة من نشوة انتصار وهميّة ومستعجَلة، فبدأت الدعوات لـ”التواضع” أمام حزب الله، إذ إنّه “بعد عامٍ من الحرب في الجنوب والشمال، لا يزال افتقار الجيش الإسرائيليّ للاستعداد لمواجهة تهديد الطائرات بدون طيار من دون إجابة، بحسب موقع (WALLA)، فيما يسود “القلق في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أنّ حزب الله سيرسل المزيد من المُسيّرات على ارتفاعاتٍ منخفضةٍ وأثناء إطلاق الصواريخ على إسرائيل”، بحسب القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ.
وفي هذا السياق، كتب نير كيبينيس في موقع (WALLA) العبريّ: “قيل لنا إنّ حزب الله مهزوم ومكسور، لكنه أثبت ليلة الأحد أنّه قادر على أنْ يكون فتّاكًا”.
وأضاف: “صحيح أنّ تسلسل قيادة حزب الله تضرر بشدة، وصحيح أنّه فقد بعض وسائله الحربية، لكنه ها هو يتعافى ويقاوم”. وتحدّث عن “حقيقة غير سارّة وهي أنّه منذ هجوم أجهزة النداء وسلسلة الأحداث التي تبعته، فإنّ الشيء الرئيسيّ الذي تغيّر على الأرض هو أنّ دائرة النار التي شملت المستوطنات الشمالية، توسّعت إلى منطقة حيفا الكبرى وحتى جنوبها”. ومع تحويل حزب الله حيفا إلى كريات شمونة ثانية، علّقت وسائل إعلام عبرية بالقول إنّ “الشوارع مهجورة في حيفا والسكان يشعرون بالخوف جراء إطلاق الصواريخ من قبل حزب الله”.
إلى ذلك، تحدثت صحيفة (معاريف) العبريّة عن مسيّرة (حزب الله) التي أصابت مساء الأحد غرفة الطعام في قاعدة (غولاني)، وذكرت أنّ اللواء احتياط إسرائيل زيف، رئيس شعبة العمليات السابق، تطرق صباح اليوم إلى الحادثة الصعبة وإلى مواصلة القتال في حديث مع إذاعة 103 إف إم. وفي مستهل كلامه قال “أعتقد أنّنا في مكان بدأ حزب الله فيه بالتعافي. نحن في مرحلة حيث يعمل وفق التنظيم اللامركزي الذي أُسّس عليه، أوْ أنّه نجح في التعافي رغم الضربات التي تلقاها. وهذا يطرح السؤال الرئيسي: إلى أين نتّجه من هنا؟”.
وأشار زيف إلى أنّه “حتّى بما تبقّى له، يمكنه (أيْ حزب الله) أنْ يجرنا إلى حرب استنزافٍ داميةٍ ومؤلمةٍ لفترةٍ طويلةٍ. هذا إنجاز كبير، وأنا لا أستخّف به. إذا كان الهدف هو إعادة السكان إلى منازلهم، حينئذ أعتقد أنّه يجب هنا تقديم بيان أكثر دقة من ذلك. هذا أعطى شعورًا وكأنّهم بعد أسبوع، شهر، سيعودون. أنا لا أعتقد أنّ المخطّط الحالي هو التوجّه للعودة قريبًا. بالمقابل، نحن في حربٍ مفتوحةٍ في غزّة، وهذا مرتبط بتركيز القوّة. عندما تُركِّز قوتك في عددٍ كبيرٍ من الساحات، فإنّه من الصعب عليك الحسم”، طبقًا لأقواله.
ووفقًا لزيف، فإنّ “المشكلة هي دائمًا أنْ ننظر خطوتيْن إلى الأمام، وفي هذا نحن أضعف قليلاً. وعلى إسرائيل أنْ تتّخذ قرارًا كاملاً بشأن ما تطمح إليه، وما تسعى إليه. إذا أرادت التطهير بنفسها حتّى الليطاني، لا يمكنها الانشغال بنفس الحجم في كلا الجبهتين، هذه هي الفيزياء، هناك مشكلة هنا، وهي ليست مسألة بسيطة”.
وأردف قائلاً إنّ “الأمر الثاني هو الاستفادة على وجه التحديد في هذه اللحظة، عندما لا يزال لديك اليد العليا بشكلٍ كبيرٍ، والتنظيم على الرغم من أنّه يطلق النار علينا، إلّا أنّه في الوضع الأصعب، ويحاول الذهاب نحو خطوةٍ سياسيّةٍ وليس من المؤكد أنّه سينجح، لكن ينبغي منح فرصة لانتشار الجيش اللبنانيّ في الجنوب، وهذا الأمر أيضًا لن يستغرق يومًا أوْ يوميْن”، على حدّ تعبيره.
على صلةٍ بما سلف، قال الجنرال ران كوخاف، قائد الدفاعات الجويّة السابق في حديثٍ للقناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ إنّ (حزب الله) تمكّن أمس من حبس أكثر من مليونيْ إسرائيليّ في الملاجئ والغرف المُحصنّة في أكثر من 190 بلدة ومستوطنة ومدينة، الأمر الذي يؤكِّد أنّ الحديث عن تدمير ترسانته العسكريّة ليس دقيقًا بالمرّة، وأنّه ما زال يملك كمًا كبيرًا من الصواريخ والطائرات دون طيّارٍ، على حدّ تعبيره.
وفي الختام قال الجنرال المتقاعد إنّه للقضاء على القوّة العسكريّة المستقبليّة لحزب الله، المستفيدة من دروس الحرب الحالية، سيتعيَّن على الجيش الإسرائيليّ أنْ يصل، ليس فقط بإصرارٍ أكبرٍ، بل بتكيُّف أفضل، إلى تلك الحرب. وينبع الحذر الإسرائيليّ الحاليّ، على الأقل جزئيًا، من إدراك أنّ قواتنا العسكرية عرضة بدرجة غيرُ صحيّةٍ لقدرات (حزب الله) الناريّة، وليست فعالة بما يكفي لـ “تطهير” الجنوب من دون الانغماس في حرب عصاباتٍ أبديّةٍ.”.