
حصل حميده ولد احمد طالب على شهادة الباكلوريا بصعوبة شديدة، فابتعثه شقيقه الأكبر بناهي ولد احمد طالب الذي كان أمينا عاما لوزارة التعليم ثم مديرا لديوان معاوية ولد الطايع، بمنحة دراسية إلى جامعة سترسبورغ في فرنسا، وبعد عدة أشهر من السياحة والتقاط الصور ولقاء الوفود الموريتانية في الفنادق، والسهر ليلا والنوم نهارا، عاد إلى نواكشوط وقد استحوذت عليه قناعة تامة بأنه غير قادر مطلقا على معرفة اللغة الفرنسية، فتم تسجيله خارج الآجال القانونية في كلية القانون بجامعة نواكشوط.
وفي الكلية رسب أكثر من مرة، ولم يتخرج إلا بصعوبة شديدة، لكنه مع ذلك كان أول الحاصلين على منحة للدراسات العليا في مصر، حيث قامت السفارة الموريتانية في القاهرة بمباشرة إجراءات تسجليه في معهد الجامعة العربية. ورغم أن الحصول على الماجستير في المعهد لا يتطلب أكثر من ثلاث سنوات، فقد أمضى حميده أكثر من سبع سنوات في وضعية السائح الذي يعيش في ترف كامل.
كان يتلقى منحة دراسية من وزارة التعليم الموريتانية قدرها 300 دولار، وكان يحصل على راتب متعاقد محلي من السفارة الموريتانية في القاهرة ب 700 دولار، بالإضافة إلى راتب آخر من السفارة الموريتانية في دمشق ب 700 دولار ايضا.
وكما يذكر صاحب "مذكرات سائق" فإن السفير محمد فاضل ولد الداه (الصهر المستقبلي لحميده) منعه شخصيا من راتبه، ومعه عمال آخرون، معطياً الأولوية لشاب موريتاني يدعى حميده ولد أحمد طالب قادم من القاهرة لاستلام رواتبه على مدى سنة كاملة مقدَّما ودفعة واحدة.
عاش حميده حياته طولا وعرضا في القاهرة، محيياً ليالي كابريهاتها ومسلماً جسده للنوم في نهاراتها.
وبالطبع فإن رسالته للدبلوم، وبعدها رسالته للماجستير، لم يكتب منهما حرفا واحدا بل الطلبة الموريتانيون هم من كتبوها، وأولهم المغفور له الدكتور أطول عمرو ولد يوسف الذي أصبح بعد ذلك رئيسا للمحكمة العليا.
عاد حميده إلى الوطن وتقدم لللاكتتاب في جامعة نواكشوط، لكن تم استبعاد ملفه، فرفع قضية يطالب فيها بشطب اسم أحد الناجحين (صديقه وزميل دراسته في القاهرة إطول عمرو ولد يوسف)، بحجة أنه كان معلما.
تم استبعاد إطول عمرو وأصبح حميده أستاذاً في الجامعة، لكنه لم يقدم فيها درسا واحدا، فمباشرة بعد انتهاء إجراءات اكتتابه حصل على إعارة إلى وزارة الخارجية ليتم ابتعاثه ملحقاً ثقافياً في طرابلس، ومن طرابلس انتقل إلى القاهرة، حيث أصبح زوجاً ل"ليت" بنت محمد فاضل ولد الداه.
وهو في القاهرة تم تعيينه وزيراً للتعليم العالي ضمن حصة ولد الغزواني من حكومة ولد الوقف التي لم تعمر طويلا. بعد انقلاب أغسطس 2008 تم تعيين حميده سفيرا في أبوظبي كجزء من كوتة ولد الغزواني في المناصب.
وفي ابوظبي كان حميد يتصرف في السفارة، ومعه السيدة ليت، كأنها دكان أو مزرعة عائلية يملكانها ملكية خاصة. لدرجة أن ليت كانت تطلب من المحاسب أن يسلمها صندوقه كل مساء أي ما تحصّل عليه من الرسوم والمداخيل خلال اليوم.
لذلك ما أن جاء أول تفتيش حتى اتضح حجم الاختلاسات الهائلة التي ارتكبها حميده وزوجته، وبالطبع فقد كان ذلك بتعاون من المحاسب.
كان ولد عبد العزيز يعتبر ان من اختلس المال العام كأنما سرقه هو شخصيا، ولذلك فقد اغضبته جدا اختلاسات حميده وقرر ايداعه السجن على الفور بدون محاكمة. وبعد محاولات قام بها ولد الغزواني لتهدئة غضب ولد عبد العزيز ، جرى الاتفاق على مخطط للدفع والامتناع عن إيداع السفير حميده السجن. وبالفعل فقد ظل يدفع أقساط المبالغ التي وجهت اليه تهمة اختلاسها الى غاية الأشهر الأخيرة من فترة حكم ولد عبد العزيز، وكان يقضي معظم وقته في المغرب خشية أن يعود ولد عبد العزيز عن تعهده ويقرر فجأة إيداعه السجن.
أما المحاسب فليس جنرال يحميه، بل هو حرطاني بلا سند ولا ظهر، ولذا قد ألقي به في سجن بير ام اكرين، ولم يغادره إلا بعد ان أكمل محكوميته و كان بين الحياة والموت.
بعد الانتخابات الرئاسية كان حميده متلهفا على يوم التنصيب، مثله مثل عديله الآخر محمد ولد المجتبى (عين سفيرا في سوريا) الذي كان يعد دائنه السعودي بانتهاء التنصيب كي يبعث له مستحقاته عليه. كذلك كان حميد ينتظر تنصيب عديله على احر من الجمر، وبالفعل فبعد التنصيب باسابيع قليلة أصدر ولد الغزواني قرارا بتعيينه رئيساً لمحكمة الحسابات، متخطيا به رقاب كل القضاة القدماء والأكفاء في المحكمة من ذوي الاختصاص وممن لا شبهة فساد في تاريخهم، بمن فيهم أستاذ القانون الدكتور ادريس ولد حرمة الذي كان أستاذا للطالب المتعثر دراسيا حميده ولد احمد طالب.
والسؤال الآن هو: هل يمكن لمحكمة هذا رئيسها أن تحاسب المفسدين وتتصدى للفساد؟ وهل يمكن لرئيس جمهورية يختار أكثر المفسدين واللصوص ، من أصهاره وأنسابه وأقربائه وحلفائه وتلاميده، للتعيين في أعلى المناصب واكثرها حساسية، أن يكون جادا في محاربة للفساد؟ أو يكون صادقا في قوله "لا مكان للمفسدين بيننا"؟!
محمد ولد الدحان