
في يومين متتاليين، خرج علينا سيدي علي بلعمش وعبد الله ولد بونا ، بنصين يبدوان في ظاهرهما تحليلا سياسيا، وفي جوهرهما تنفيس عن عجزٍ فكري لا يرى في المغرب إلا ما يرضي عقدة الهزيمة.
كتبا وكأن المملكة التي صمدت قرونا أمام العواصف يمكن أن تترنح أمام مقال متشنج أو تحليل منفوخ بالوهم.
مقالان، يشيان بفقر في الفهم، وارتباك في الرؤية، وانقطاع كاملٍ عن منطق الواقع.
عشرات التقارير الدولية تطابقت على تأكيد أن المغرب اليوم نموذج استثنائي في الاستقرار
والإصلاح والتحديث، يفرض احترامه على القارة كلها، و اقتصاده يصنف ضمن الاقتصادات الأكثر جذبا للاستثمار.
بل إن مدنا مغربية مثل طنجة والدار البيضاء لم تعُد تقاس بنظيراتها في الجوار الإقليمي، بل بموانئ المتوسط ومراكز الصناعة في الجنوب الأوروبي.
يتقمص ولد بونا، لقب “الخبير الاستراتيجي” ممارسا أسلوب التهويل، متحدثًا عن “انفجارٍ اجتماعيّ مركبٍ” لا وجود له إلا في مخيلته، متجاهلًا أن المغرب، برغم التحديات، هو الدولة الوحيدة في المنطقة التي تنتج التوازن بدل الاضطراب، وتحوّل الاحتجاج إلى حوارٍ.
المفارقة المؤلمة ليست في المقالين، فهما لا يعدوان أن يكونا تمرينا فاشلا في التحليل، بل في صمت وزارة الاتصال الموريتانية وسلطة الهابا اللتين سارعتا إلى إغلاق موقع أنباء انفو بتهمة “تأويلٍ محتملٍ” ضد الجزائر، بينما غضتا الطرف عن مقالاتٍ علنيةٍ تنضح تحريضا على دولةٍ شقيقةٍ هي المملكة المغربية.
أيّ تأويلٍ هذا الذي يُعاقَب حين يكون ظنا، ويكافأ حين يكون عدوانا صريحا؟.
إنّ المغرب، الذي أراد الكاتبان تصويره كجسد عليل، أصبح اليوم جسدًا اقتصاديا وسياسيا صلبا متينا يُحسب له الحساب في مراكز القرار الأوروبية، وشريكا استراتيجيا في ملفاتٍ حساسة تمتد من الطاقة إلى الأمن والهجرة.
تلك حقيقة تزعج خصومه، وتربك الحاقدين عليه، لكنها واقعٌ تشهد به الأرقام قبل العواطف، والمشاريع قبل المقالات.
وإذا كانت الأقلام المفلسة تظن أن الإساءة تضعف الجبل، فإنها في الحقيقة تعيد التذكير بمكانتها.
المغرب لا يُقاس بنبرة الحقد، بل بما أنجزه على الأرض:
من ميناء طنجة المتوسط إلى محطات الطاقة الشمسية في ورزازات، ومن نهضة البنى التحتية إلى دبلوماسيته الهادئة التي جعلته صوتًا عاقلاً في الإقليم.
لقد كتب بلعمش وولد بونا خارج الزمن المغربي حيث تكتب فصول جديدة من تاريخ المملكة تنافس الأمم القوية لبناء مستقبل مشرق
وما بين من يصرخ في العدم، ومن يَصنع الفعل في الميدان، يتضح الفرق بين الحبر الذي يذوب، والدولة الأمة التي تكتب التاريخ.
* عن صفحة cheikh ahmed emine