
سيدي الرئيس، كنتَ، بالفعل، بحاجة إلى إعادة رسم خارطة السلطة بعد أن تقَطّعَتْ، إربًا إربًا، أمام ناظريْك، بين وزير "وريث"، ووزير طامح، ووزير طامع. كنتَ محقا في التأكيد، خلال مداخلتك بتنبدغه، على أنك ما تزال حيا، وأنك ما تزال "تُرزق"، بل تأخرتَ كثيرا في رفع العصا بعد أن رفعتَ الجزرة كل هاتيك السنين.. لكن، لا بأس، فمنذ "أزمة المرجعية"، مع سلفك، حصلتَ على تجربة جيدة في مقارعة الطامعين في نصيبك من "الكعكة".
لقد هدّأتَ من روعنا، لكنك، في الآن نفسه، أخَفْتَنا عندما تحدثتَ عن "مراجعة نظامنا الديمقراطي ومؤسساتنا الدستورية". امتلأتْ عقولنا الصغيرة بالهواجس المتمردة، واقترفنا، للمرة الألف، ذنب إعادة طرح الأسئلة القديمة: ماذا يعني الرئيس بذلك؟ وماذا ينوي؟ وما مستقبل المواد الدستورية المحصّنة؟ وهل ثمة مراوغة سياسية يراد من الحوار إنجازها لحاجة في نفس يعاقبة العسكر؟..
سامِحْنا، على كل حال، فنجن، سيادةَ الرئيس، لا نملك غير مداد أسود نصوغ به أسئلة كثيرا ما تكون خارجة على نظام القطيع، أو سخيفة لدرجة لا تفهمها غير الحكومات المتعاقبة على تاريخنا المنكوب.
إن من حقك أن تتساءل، معنا، عن أهمية ونجاعة ومبرر وجود المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الفتوى والمظالم، والمجالس الجهوية، ولربما كان عليك أن تضيف إليها المجلس الأعلى للزكاة، والمجلس الأعلى للقضاء، وسلطة تنظيم النقل، والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، والمدرسة الجمهورية، وهَلُمّ جَرَّا... أنت حر في تقييم الهياكل العظمية لمؤسساتنا، لكن أسئلة بركانية انفجرت في داخلنا فجأة (فلا تؤاخذنا عليها): ماذا ينوي سيادته؟ وماذا يخمّن؟ ولأي شيء يخطط؟ أم أن هواجسنا ظلمتك لأنك، ربما، لا تريد غير التحقق والتحقيق وأنت الرئيسُ، وأنت البوليسُ، حسب أهلنا في انْبَيْكتْ لحواش!!.
لا عليك، سيدي. لكن تأكد فقط أن الأغلبية الصامتة تعتبر أن أي حوار وطني يسعى إليه جنابك، لابد أن يكون جامعا، وعاما، وصريحا، وأن يتجاوز إشكالية الديمقراطية والآليات الانتخابية والابتسامات المؤقتة، إلى كيفية معالجة الاختلالات التنموية البنيوية، وكيفية محاسبة الضالعين في اختلاس أموال الشعب، وكيفية مراقبة العقود، المبرمة، منذ أمد بعيد، على أساس الزبونية والمحاباة، وكيفية مراقبة تهريب الذهب، وكيفية مراقبة تدفق الأموال عبر الحسابات المشبوهة والصرّافات المتمالئة، وكيفية بناء عدالة منصفة، وكيفية معالجة التفاوتات المخجلة في توزيع الثروة، وفي التوظيف، وفي التمدرس...
سيدي الرئيس، لا يساورني أدنى شك في أنك صبور، وفي أن صدرك يظل رحبا لمثل هذه الأحرف النحيلة الخائفة، حقا، من قانون الرموز.
غير أنه مهما استبد بي جنونُ الأنامل، سأظل أقدّم، مسبقا، كل اعتذاري لجنابك الموقر..
ومهما جفل مدادي اليَؤوس، سأظل أحترم مقامك السامي..
ومهما قسَوْتُ عليكَ فإني/ أُحَيِّي الرئيسَ وكلَّ البُليسْ.
بدال ولد سيد ميله



