الوعد يتحقق: معادلة غزة القاطعة لإجلاء اليهود وسقوط خطط البيت الأبيض

خميس, 04/12/2025 - 18:43

من هذا المكان، ومنذ ستة أشهر مضت، أشرنا في مقالنا "غزة العزة: حصن الصمود الذي لا يُقهر..." إلى حقيقة مؤكدة: أن غزة كانت ولا تزال مستنقعًا آسنًا للغزاة، وأن الحل الجذري لا يكمن إلا بيد الغاصب. ولقد كان كذلك. اليوم، وبعد كل هذا الثبات، نتوقف عند الثغور الجهادية التي لم تكتفِ بتأكيد هذه الرؤية فحسب، بل أثبتت أنها قلاع العزة التي تدك كيان العدو من نقطة الصفر، معلنةً للعالم أن هذه المقاومة هي خط الدفاع الأخير الذي، إن غاب، لفرضته الحتمية العربية والإسلامية صونًا لقلب الوطن النابض. من هنا أرض الرباط للمرابطين.

اليوم وبعد ذلك التنبؤ الذي حصل بالفعل، فإننا نجدد ونقول بأن غزة، وفلسطين عامة، لو لم تكن موجودة لأَوْجَدْناها نحن. إنها تمثل الثغر الذي أوصى به القائد المجاهد النبي محمد (ﷺ) بالرباط الدائم عليه، والخط الأحمر الذي يحول دون انهيار المنطقة بأكملها في وجه الغاصب ومشاريعه التوسعية. هذه الثغور هي التي تشتري الوقت والكرامة للمنطقة بأسرها.

وفي خضم هذا الصمود الملحمي، بدأت تتجلى وتظهر بشائر الوعد الإلهي الذي طال انتظاره. فلم يعد الأمر مجرد مقاومة عسكرية فحسب، بل هو تحقيق مباشر لسنن التاريخ التي تدفع بالباطل إلى الزوال. إن هذا التفكك الداخلي في كيان العدو ليس مصادفة، بل هو ثمرة مباشرة لثبات الثغور. وتجلت هذه الهزيمة في شخص رئيس وزرائهم، بنيامين نتنياهو، الذي تحوّل بيته إلى وكر للفشل المدوي؛ فقد وصلت به الحال إلى طلب العفو لأنه فشل ذريعًا في لملمة كيانه الممزق، وتمزقت خططه على مرأى ومسمع العالم. وشاهدنا بأعيننا حالة السحل والمطالبة بالقتل في شوارعهم، في دليل واضح على أن الهزيمة العسكرية أدت إلى انهيار اجتماعي وسياسي لا يمكن إصلاحه.

إن صمود الثغور الخارجية ما كان ليتحقق لولا يقظة أمن المقاومة وقوته في الداخل. لقد أثبتت المعركة أن القتال على الجبهة الداخلية ضد الخونة والعملاء لا يقل شراسة عن قتال الغاصب، حيث تؤدي قوة "رادع" دورًا مركزيًا في تطهير هذه الساحة، عبر الكشف عن المتخابرين وإقصائهم بأحكام ميدانية رادعة، لتؤكد المقاومة أن الخيانة هي ثمن يُسدد فورًا دون تسويف، وأن سلامة الصف الداخلي هي مقدمة النصر على العدو الخارجي.

وفي هذا السياق، أكدت الكتائب المقاومة أن نموذج غزة ليس كمثل حزب الله الذي رضي باتفاقيات تسمح للعدو بالتبجح في أجوائه واختراق سيادته وضرب متى أراد. وإن هذه المقاومة تدرك أن تسليم السلاح يعني التنازل عن الأرض والكرامة معًا، وهي ترفض التضحية بسلاحها الذي هو ضمانتها الوحيدة، لأن هذه الكتائب هي حامية الثغور التي لا يمكن أن ترفع يديها أو تتخلى عن رسالة الدفاع المقدس. فالمقاومة، سواء حملت اسم حماس أو غيره بلُبوس أشد، لا يمكن لها أن تذود عن أرضها إلا بالسلاح؛ لأن السلاح يواجه السلاح. غزة لن تكون سهلة كهذه، ولن ترضى بهدنة هشة. لذا، فإن أي صفقة تُطرح على الطاولة يجب أن تكون صفقة شاملة لا تقبل التجزئة، تبدأ ولا تنتهي إلا بإجلاء اليهود بالكامل من قلب المنطقة العربية.

وفي خضم هذا الصمود، بالانتقال إلى ما يُسمى بالخطة المعلنة (Plan)، فإن التسمية بحد ذاتها تفضح الغرض؛ فكونها مجرد "خطة" يوحي بأنها مكشوفة وذات أهداف وإجراءات محددة مسبقًا، وليست مبدأً راسخًا أو اتفاقية مُلزمة ذات أبعاد سيادية. ومعروف بأن الوعود الإسرائيلية في النكث متأصلة، ومن هنا جاءت خطة البيت الأبيض لتعلن عن خيوطها. وهذه الخطة، مهما كان شكلها، هي محاولة لترتيب نتائج الهزيمة، ولا تصمد أمام الثبات الميداني الذي فرضته الثغور.

وفي الختام، يظل اليقين بأن فلسطين ستبقى من نهرها إلى بحرها؛ وهذا يعني جغرافيًا أن حدودها التاريخية تمتد من نهر الأردن شرقًا إلى البحر الأبيض المتوسط غربًا، بما في ذلك فلسطين 48. أرضنا يجب أن تظل بين ظهرانينا. هذه الحدود هي التي تشهد عليها اليوم الثغور الجهادية بدمائها، مؤكدة أن هذا التراب لا يقبل القسمة ولا الخطة. وقد وضعت المقاومة معادلتها القاطعة والنهائية: "إذا عدتم عدنا"، وأن الإرث النبوي بالرباط عليه سيبقى وصية قبل أن يكون عقيدة لا تتغير، تمامًا كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بإجلاء اليهود من جزيرة العرب. القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية، ولن تخضع للمحتل.

يحياوي محمد الأمين ولد يحيى رقم الهاتف: 36781212 البريد الإلكتروني: [email protected].