الصحافة المستقلة في موريتانيا جنود المواطن وأعداء الدولة!

جمعة, 05/12/2025 - 13:12

"هابا": قُبلة الموت للصحافة المستقلة

في بحثنا المستمر حول موضوع مثير للجدل أو مادة للنشر، لم نجد سوى موضوع بات يشغل ثقافة الرأي العام هذه الأيام، وهو نتاج الحقل الإعلامي والتضييق على هامش حرية التعبير على صحفنا المستقلة في موريتانيا التي قد لا تجد من يتحدث عنها سوانا.

ولأنها جزء من عملنا المهني أو الذاتي فإن الحديث عنها قد يعتبر حديثاً عن النفس لا أكثر، فقررنا أن نتطرق في عجالة إلى جزء بسيط من مشاكلها مع السلطة. وفضلت أن أترك الأمر للمواطن في حاجته "لمتنفس" من خلال التعبير عن رأيه والبحث عن مساحة بعيدة عن الرقيب، فمن يا ترى يعطيه هذه المساحة الحرة لرأي ورأيك، سوى الصحافة.

البحث عن مساحة للكتابة تعتبر الصحافة هي الميثاق الشرفي الذي تتقدم به شعوب العالم سواء على المستوى المعرفي أو على المستوى الأخلاقي، ذلك أنها الوسيلة أو النموذج الوحيد لإنارة الشعوب فكانت بنت عصرها مع ولادة الانعتاق الذي عرفه العالم بوجود الديمقراطية التعددية الذي استنشقت منه هذه الشعوب نسائم الحرية من زفير الصحافة، ومع تطور هذه الديمقراطية تطورت أيضاً الصحافة بوسائل اختلافها مع ولوج عصر العولمة والتدفق الهائل للمعلومات، وخاصة الصحافة المستقلة.

وجرياً على مقولة أحمد شوقي (أعطوني صحافة وخذوا شعباً) فقد دخلت الصحافة في ميثاق اللوائح والدساتير المنظمة لأي دولة داخل ترتيبها السلطوي على أنها "السلطة الرابعة" على هذه اللوائح القانونية. إلا أن الصحافة المستقلة في بلادنا أصبحت تفتقد لكثير من دبلوماسية هذه الحصانة التي يمنحها لها المشرع على تقويمه لها.

فهل تعتبر الصحافة ناقلة للسلطة فقط أم أنها مرآة عاكسة لأي مجتمع منفتح على الرأي الآخر؟. أم هي مجرد ولد مشاكس داخل "الجمهورية الديمقراطية" قد تطالها يد الجلاد في أي وقت يشاء.. عندما تحيد برأيها عن منابر المؤسسة الرسمية؟.

التضييق على صحافة الحبر للأسف أصبحت الصحافة المستقلة في بلادنا مجرد وسيلة انتقائية ومنبر خاص للتعتيم –على المجريات- ومجرد واجهة للإعلان والتصفح الذاتي فقط أو المذهبي المنحاز لفئة معينة، حتى فقدت قدسيتها، وغدت وسيلة للكبت بل ومجنداً مزدوجاً (انكشاري) وذلك مما قد يترتب عليه خلق فرضية الصحافي الملثم.

دالإقصاء المنظم ودور "الهابا" ولئن كانت السلطة الرابعة تشكل الميثاق الشرفي للأمم، فإننا نجد أنفسنا أمام مفارقة مؤسفة في بلادنا، حيث لم يعد التضييق متمثلاً في "تكميم" الرأي المباشر، بقدر ما أصبح "إقصاءً" منظماً يهدف إلى تجفيف موارد هذا الصحفي المستقل.

فالدولة تحجب الدعم الأساسي والقروض والادخارات عن الصحافة، مما يترك الصحفي فريسة لتردي الأوضاع المادية ويحرمه من استقلالية الدخل الذي يقبضه نقدًا (كاش) من وكيله، أو يعتمد على موقعه الخاص الذي أنشأه بنفسه.

وهنا يبرز دور هيئة "هابا" لتكميم هذه الشريحة بدلاً من دعمها، عبر فرض شروط تعجيزية متغيرة. فبعد تجاهلها لخبراتهم وطلب ما هو أكبر من شهاداتهم - مع العلم أن كثيرين منهم متمرسون يفوقون عمر "هابا" وجوداً - تعتمد الهيئة على دعم بعض مدراء النشر بشكل خاص، بينما تُهمّش الصحفيين التابعين لهم، مما يضمن إسكات المدير ويُبقي الضغط على بقية الطاقم الإعلامي. ومن متطلباتها إلزامهم بحيازة حساب بنكي مُدار منذ ثلاثة أشهر، أو إثبات أموال لسداد الضرائب، وهو ما يفتقده هؤلاء الصحفيون المتمكنون، مما ينزع عنهم صفة الصحفي.

حرمان الصحافة المستقلة من هذا الدعم اللوجستي هو قضاء على مبدأ حيادها وتهديد لبقائها كـ "جنود للمواطن"، ويدفع العاملين بها إلى التقهقر والاستسلام لضغوط "أعداء الدولة".

لذلك، فإن هيئة 'هابا' - التي أُنشئت حديثاً بموجب مرسوم رئاسي وتعمل كعسس للمخزن - لا تكتفي بدور راعي الدعم، بل تتعمد إبعاد الصحفيين المحترفين، مستغلة نفوذها كسلطة قاضية غير رسمية للسيطرة على الحقل الإعلامي لتحقيق مصالحها الخاصة. هذا الإقصاء الممنهج، الذي أفسد الصحافة الورقية وزوالها، يستهدف اليوم تدمير المواقع الإلكترونية المستقلة، متجاهلاً دور المؤسسين الأوائل للإعلام الحر منذ عام 1991 وحتى الآن مع بداية وجود الصحافة والأحزاب في موريتانيا. لذا، فإن المسؤولية تقع على عاتق وزير الإعلام لإعادة النظر في دور 'هابا' بشكل جذري، إما بحلها فوراً أو بوضع ملف الصحافة والإعلام تحت إشراف هيئة قضائية محايدة كوكيل الجمهورية، صوناً لحرية الكلمة ومكافحةً للفساد.

تقرير: يحياوي محمد الأمين ولد يحيى رقم الهاتف: 36781212 البريد الإلكتروني: [email protected].

تنويه: نُشر هذا المقال سنة 2010 على موقع "دنيا الرأي" (رابط المقال وقد تم إعادة نشره لأن المأساة لا تزال تتجدد، وخصوصاً مع هيئة "الهاَبا