​نقابات "المقاولة".. كيف قتلت الهياكل الوهمية الصحافة المستقلة؟/ ​بقلم: يحياوي محمد الأمين ولد يحيى

أربعاء, 24/12/2025 - 09:28

نفتح في هذا التقرير ملفاً شائكاً يتجاوز رصد الهياكل إلى فك شفرات فلسفة الإفساد التي نخرت جسد الصحافة الموريتانية، حيث تحول الحقل من منبر للتنوير إلى ساحة للمناحرات البينية وتصفية الحسابات الضيقة. إن ما نشهده اليوم من انتحال للمسميات وشجار محموم على الشرعية المفقودة ليس إلا نتاجاً لسنوات من المضايقات الممنهجة؛ وهي ذات الانقسامات التي منحت الذريعة للدولة لتمارس سياسة الإقصاء الممنهج، مبررة ذلك بكثرة الهياكل التي تعيق التنظيم، كما تجلى بوضوح في حرمان العديد من الطواقم من التغطية خلال زيارة الرئيس الأخيرة لمدائن التراث بـ وادان، حيث ضاعت الحقوق بين مطرقة الفوضى وسندان التغييب الرسمي.

​جذور التبعية وأدلجة الأنظمة

لقد لاحظتُ منذ زمن بعيد أن فوضى استنساخ النقابات والروابط في ظل جمهورية اليافطات الزائفة سبقت حتى ظاهرة تطابق أسماء المواقع، وكلاهما ينبع من جذر واحد: غياب الجدية والمهنية. وإليكم هذا النموذج الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه اجترار أو تكرار مقصود، صُمم لإيهام الرأي العام بوجود ثقل بشري في هذه الهياكل؛ حيث تتعدد المسميات لنفس الكيان بين (تجمع، نقابة، رابطة، اتحاد، منتدى). والهدف هو التضليل لا أكثر.

​إن الغريب والمضحك المبكي في آن واحد، هو أن هذه اللافتات أصبحت أكثر تعداداً من عدد الأحزاب السياسية في البلاد! فكيف لبلد كموريتانيا أن يحتمل كل هذا التشرذم إلا إذا كانت الغاية هي تفتيت الجهود وإغراق المهنة في وحل التبعية؟

​اللائحة الكاملة لـ 22 هيكلاً في مهب الريح

إن بسط هذه الأسماء أمام القارئ ليس مجرد سرد، بل هو توثيق لهذه الحالة من التشرذم الممنهج، وإليكم هذه اللائحة:

​نقابة الصحفيين الموريتانيين.

​اتحاد إعلاميات موريتانيا.

​تجمع الصحافة الموريتانية.

 

​رابطة الصحفيين الموريتانيين.

 

​اتحاد المواقع الإخبارية الموريتانية.

 

​شبكة الصحفيات الموريتانيات.

 

​اتحاد الصحفيين الموريتانيين.

 

​منتدى الصحافة المستقلة.

 

​رابطة الصحافة الموريتانية.

 

​اتحاد الناشرين الموريتانيين.

 

​الجمعية الموريتانية للصحافة الإلكترونية.

 

​نادي الصحافة الموريتاني.

 

​المركز الموريتاني للصحافة الدولية.

 

​تجمع إعلاميي موريتانيا.

 

​المنظمة الموريتانية للإعلاميين.

 

​الرابطة الوطنية للصحافة الموريتانية.

 

​اتحاد الصحافة الرياضية الموريتانية.

 

​تجمع ناشري الصحافة الموريتانية.

 

​منتدى الإعلام الموريتاني.

 

​الرابطة الموريتانية للصحافة العلمية.

 

​اتحاد الإعلاميين المستقلين.

 

​الهيئة الموريتانية للصحافة الاستقصائية.

 

​فهذه اليافطات التي راهنّا على كتابة أسمائها كاملة وبسطها أمام القارئ لنؤكد أنها ليست كذباً بل واقعاً مريرًا، هي ذاتها التي تلتهم نصيب الأسد من ميزانية الصندوق البالغة 340 مليون أوقية. وتحت بنود وهمية كإيجار المقرات، يُترك الصحفي الحر يواجه "رصاصة الكلمة القاتلة" دون سند أو حماية.

​صالونات السمسرة: مطابخ التملق والأختام المزورة

 

في هذه الصالونات الضيقة، تغيب الأجندات التحريرية وتحضر قوائم "المنع" و"المنح"؛ حيث تتحول النقابة إلى مكتب سمسرة يساوم على المواقف مقابل فتات التمويلات. هنا، تُطبخ البيانات في مطابخ التملق، وتُوزع الأدوار بين "رؤساء" لا يملكون من الصحافة إلا أختاماً مزورة، مهمتهم الأساسية هي إغراق المشهد بالضجيج كلما ارتفع صوت يطالب بالإصلاح الحقيقي.

​ الهابا: هندسة التمييع وحارس "هيكل الفساد"

لم تكن الهابا يوماً جهة تنظيمية تسعى لترقية الحقل، بل أُسست من جينات تلك الحقبة لتكون العسس وخفراء أنظمة الفساد السابقة، والمظلة الرسمية التي زُرعت في ذلك الوقت لرعاية هذه اليافطات الكرتونية. وهنا يبرز تواطؤها الصريح مع تلك النقابات والروابط الوهمية، حيث وفرت لها الغطاء القانوني والشرعية الزائفة لتمرير 'حقائب النفع' والمتاجرة بهموم المهنة.

لقد وظفت السلطة آنذاك هذه الهيئة لتكون أداة تفتيت بامتياز، مهمتها تأبيد الفوضى عبر التحالف مع 'دكاكين السمسرة' لضمان بقاء المشهد الإعلامي تحت السيطرة والهبوط، وهو الإرث الثقيل الذي لا يزال جاثماً على صدر المهنة. إن سياسة 'تفتيت المفتت' التي نراها اليوم هي نتاج هذا التواطؤ التاريخي، حيث تحولت الهيئة إلى مهندس لإفساد الحقل وشراء الولاءات وتغييب الصحافة الجادة.

 

لذا، وجب على الدولة الحالية، التي راهنت على محاربة الفساد كخيار استراتيجي، أن لا تترك جزءاً من أشلاء ذلك الإرث البائد ينخر في جسد المهنة، بل عليها المبادرة فوراً بإصلاح 'الهابا' وتطهيرها. إن التفتيش يجب أن يطال هذه المؤسسة لمساءلتها عن هذا التواطؤ التاريخي في تبديد أموال الحقل أمام السلطات المختصة بمكافحة تبييض الأموال؛ لكشف مصادر تلك التدفقات وكيفية ضخها في الأذرع المشبوهة، وذلك لتفكيك هياكل الفساد التي نخرت جسد المهنة وطحنها من الداخل..

 

​نظافة البلاط وترتيب البيت من الداخل

 

إن هذه المسرحية الهزلية يجب أن ينتهي عرضها فوراً؛ فالحل ليس في ترميم دكاكين السمسرة، بل في كنسها من المشهد تماماً، والاكتفاء بهيكل أو اثنين يمثلان الهم المهني بصدق، بعيداً عن 'الانحرافية' التي قتلت روح الاحتراف الصحفي. ولن يستعيد الحقل الإعلامي عافيته إلا حين تسقط هذه العروش الورقية وتعود للمهنة هيبتها الضائعة، وتتحول من 'حقائب نفعية' إلى حصون حقيقية تحمي كرامة الصحفي وحريته، وذلك لتمهيد نظافة البلاط ووضع السجادة الحمراء أمام الوافدين الجدد من الصحافة الأكفاء.

 

​وختاماً، فقد أكدت المنظمات العالمية والحقوقية الدولية المختصة بالصحافة كمراسلون بلا حدود وغيرها، على أن السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (الهابا) في موريتانيا، ومعها تلك الهياكل الموازية، كانت متواطئة وهي التي تسببت في هذا التردي، مشددة على ضرورة حماية الحقل من سطوة الرشوة والمال السياسي

 

 

 

 نقابات "المقاولة" في موريتانيا

 

​نص الرسالة:

 

​نقابات "المقاولة".. كيف قتلت الهياكل الوهمية الصحافة المستقلة؟

 

​بقلم: يحياوي محمد الأمين ولد يحيى

 

​نفتح في هذا التقرير ملفاً شائكاً يتجاوز رصد الهياكل إلى فك شفرات فلسفة الإفساد التي نخرت جسد الصحافة الموريتانية، حيث تحول الحقل من منبر للتنوير إلى ساحة للمناحرات البينية وتصفية الحسابات الضيقة. إن ما نشهده اليوم من انتحال للمسميات وشجار محموم على الشرعية المفقودة ليس إلا نتاجاً لسنوات من المضايقات الممنهجة؛ وهي ذات الانقسامات التي منحت الذريعة للدولة لتمارس سياسة الإقصاء الممنهج، مبررة ذلك بكثرة الهياكل التي تعيق التنظيم، كما تجلى بوضوح في حرمان العديد من الطواقم من التغطية خلال زيارة الرئيس الأخيرة لمدائن التراث بـ وادان، حيث ضاعت الحقوق بين مطرقة الفوضى وسندان التغييب الرسمي.

 

​جذور التبعية وأدلجة الأنظمة

 

لقد لاحظتُ منذ زمن بعيد أن فوضى استنساخ النقابات والروابط في ظل جمهورية اليافطات الزائفة سبقت حتى ظاهرة تطابق أسماء المواقع، وكلاهما ينبع من جذر واحد: غياب الجدية والمهنية. وإليكم هذا النموذج الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه اجترار أو تكرار مقصود، صُمم لإيهام الرأي العام بوجود ثقل بشري في هذه الهياكل؛ حيث تتعدد المسميات لنفس الكيان بين (تجمع، نقابة، رابطة، اتحاد، منتدى). والهدف هو التضليل لا أكثر.

 

​إن الغريب والمضحك المبكي في آن واحد، هو أن هذه اللافتات أصبحت أكثر تعداداً من عدد الأحزاب السياسية في البلاد! فكيف لبلد كموريتانيا أن يحتمل كل هذا التشرذم إلا إذا كانت الغاية هي تفتيت الجهود وإغراق المهنة في وحل التبعية؟

 

​اللائحة الكاملة لـ 22 هيكلاً في مهب الريح

 

إن بسط هذه الأسماء أمام القارئ ليس مجرد سرد، بل هو توثيق لهذه الحالة من التشرذم الممنهج، وإليكم هذه اللائحة:

 

​نقابة الصحفيين الموريتانيين.

 

​اتحاد إعلاميات موريتانيا.

 

​تجمع الصحافة الموريتانية.

 

​رابطة الصحفيين الموريتانيين.

 

​اتحاد المواقع الإخبارية الموريتانية.

 

​شبكة الصحفيات الموريتانيات.

 

​اتحاد الصحفيين الموريتانيين.

 

​منتدى الصحافة المستقلة.

 

​رابطة الصحافة الموريتانية.

 

​اتحاد الناشرين الموريتانيين.

 

​الجمعية الموريتانية للصحافة الإلكترونية.

 

​نادي الصحافة الموريتاني.

 

​المركز الموريتاني للصحافة الدولية.

 

​تجمع إعلاميي موريتانيا.

 

​المنظمة الموريتانية للإعلاميين.

 

​الرابطة الوطنية للصحافة الموريتانية.

 

​اتحاد الصحافة الرياضية الموريتانية.

 

​تجمع ناشري الصحافة الموريتانية.

 

​منتدى الإعلام الموريتاني.

 

​الرابطة الموريتانية للصحافة العلمية.

 

​اتحاد الإعلاميين المستقلين.

 

​الهيئة الموريتانية للصحافة الاستقصائية.

 

​فهذه اليافطات التي راهنّا على كتابة أسمائها كاملة وبسطها أمام القارئ لنؤكد أنها ليست كذباً بل واقعاً مريرًا، هي ذاتها التي تلتهم نصيب الأسد من ميزانية الصندوق البالغة 340 مليون أوقية. وتحت بنود وهمية كإيجار المقرات، يُترك الصحفي الحر يواجه "رصاصة الكلمة القاتلة" دون سند أو حماية.

 

​صالونات السمسرة: مطابخ التملق والأختام المزورة

 

في هذه الصالونات الضيقة، تغيب الأجندات التحريرية وتحضر قوائم "المنع" و"المنح"؛ حيث تتحول النقابة إلى مكتب سمسرة يساوم على المواقف مقابل فتات التمويلات. هنا، تُطبخ البيانات في مطابخ التملق، وتُوزع الأدوار بين "رؤساء" لا يملكون من الصحافة إلا أختاماً مزورة، مهمتهم الأساسية هي إغراق المشهد بالضجيج كلما ارتفع صوت يطالب بالإصلاح الحقيقي.

 

​الهابا: هندسة التمييع وحارس "هيكل الفساد"

 

لم تكن الهابا يوماً جهة تنظيمية تسعى لترقية الحقل، بل أُسست من جينات تلك الحقبة لتكون العسس وخفراء أنظمة الفساد السابقة، والمظلة الرسمية التي زُرعت في ذلك الوقت لرعاية هذه اليافطات الكرتونية. وهنا يبرز تواطؤها الصريح مع تلك النقابات والروابط الوهمية، حيث وفرت لها الغطاء القانوني والشرعية الزائفة لتمرير 'حقائب النفع' والمتاجرة بهموم المهنة. إن سياسة 'تفتيت المفتت' التي نراها اليوم هي نتاج هذا التواطؤ التاريخي، حيث تحولت الهيئة إلى مهندس لإفساد الحقل وشراء الولاءات وتغييب الصحافة الجادة.

 

​نظافة البلاط وترتيب البيت من الداخل

 

إن هذه المسرحية الهزلية يجب أن ينتهي عرضها فوراً؛ فالحل ليس في ترميم دكاكين السمسرة، بل في كنسها من المشهد تماماً، والاكتفاء بهيكل أو اثنين يمثلان الهم المهني بصدق، بعيداً عن 'الانحرافية' التي قتلت روح الاحتراف الصحفي. ولن يستعيد الحقل الإعلامي عافيته إلا حين تسقط هذه العروش الورقية وتعود للمهنة هيبتها الضائعة، وتتحول من 'حقائب نفعية' إلى حصون حقيقية تحمي كرامة الصحفي وحريته، وذلك لتمهيد نظافة البلاط ووضع السجادة الحمراء أمام الوافدين الجدد من الصحافة الأكفاء.

 

​وختاماً، فقد أكدت المنظمات العالمية والحقوقية الدولية المختصة بالصحافة كمراسلون بلا حدود وغيرها، على أن السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (الهابا) في موريتانيا، ومعها تلك الهياكل الموازية، كانت متواطئة وهي التي تسببت في هذا التردي، مشددة على ضرورة حماية الحقل من سطوة الرشوة والمال السياسي