في ظل عاصفة المبادرات المطالبة بمأمورية ثالثة لفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز التى بدأت بولاية اترارزة وانتشرت بسرعة فائقة كانتشار النار في الهشيم في كافة ولايات الوطن ، نذكّر الشعب الموريتاني عموما بخطورة هذه الدعوات على أمن البلد واستقراره ، وتقدمه وازدهاره وخصوصا أطر ووجهاء ولاية لعصابة.
كما أنصحكم يا أطرنا قبل أن تنقلبوا إطارات وعجلات لتشتعل فيكم نار النفاق، والتملق والكذب ، والتصفيق ، والتطبيل.
وأنبهكم على أن المناطق الشرقية للبلاد الحوضين ، ولعصابة تحتوي على مخزون انتخابي كفيل برجحان كفته في كل مرة ؛ وفي كل انتخابات الله أعلم بشفافيتها ، وهو المخزون الذي دائما تعول عليه الأنظمة الفاسدة التي حكمتنا منذ التأسيس مباشرة إلى يومنا هذا لتسيطر من خلاله على العقول ، وغياب الوعي والنضج والفكر ،وجعلنا مجرد وقود ، وضحايا لثلة قليلة من المفسدين المتحكمين في مراكز القرار أغلبها من ولايات معروفة .
ومع ذلك فتلك الولايات هي الأكثر فقرا ، وغبنا ، ونسيانا ، وتهميشا ، وحرمانا ، من مقومات الدولة المدنية ؛ وتأتي في مقدمة هذه الولايات من حيث الكثافة السكانية، والنسيان والغبن والتهميش، والإقصاء ولاية لعصابة؛ وهي الثانية بعد نواكشوط رغم تضخمها ، وولائها التلقائي للسلطة، وطاعتها العمياء ، منذ نشأة الدولة الموريتانية إلى اليوم ، فهي مازال سكانها يعيشون حياة صعبة كأنهم في القرون الوسطى ، ويتخبطون في ظلام الجهل ، والتخلف ، والبداوة ، بل حياة أهل البوادي الرحل أحسن من حياة مدينتكم بكثير لنقاوة الجو عندهم ، وسلامته من التلوث البيئي .
فولايتكم ياأطرنا في القرن 21 مازالت تحتاج الكثير ؛بل بحاجة ماسة لجميع مقومات الحياة المدنية ، المتمثلة في الركائز الأساسية ، بما في ذلك سكان عاصمتها كيفة الحبيبة .
يا أطر لعصابة... الغالبية العظمى من أبناء مدينتكم كانوا مسافرين ، منذ نشأة الدولة ، ولا زالوا كذلك ؛ وقد جلبوا الأموال من الخارج ، ووفروا لأنفسهم ماكان على الدولة أن تقدمة للمواطن كأبسط حق من حقوقه الطبيعية الوطنية ، وساعدوا المرضى والمحتاجين ، ودعموا السلطة ، ومولوا حملاتها، ولم يغير ذلك من حياتهم شيئا نحو الأفضل بل ساءت أحوالهم وافتقروا وشُرِّدوا...
لكن الدولة لم تساعدهم ، ولم تترك لهم هيبة ولاسيادة خارج وطنهم ، ولم توفر لهم ظروف العيش الكريم فيه ...
يا أطر لعصابة أبناؤكم يضمون أصحاب شهادات عالية وكفاءات حقيقية ، وتخصصات نادرة ، ومطلوبة في سوق العمل .
لكنهم نتيجة لذاك الإقصاء الممنهح ضد الولايات الشرقية وخصوصا لعصابة تشردوا ، وحُرموا لذة الوطن ، ليعيشوا في الغربة بعيدا عن الأهل والأوطان .
يا أطر لعصابة ... ركزوا معي قليلا لنلقي نظرة سريعة على بعض الحوائج الضرورية من أجل البقاء ، ومصارعة الحياة في ولايتنا الحبيبة .
ومن أهم تلك الركائز التي تعتبر من شرايين الحياة اليومية للمدينة وضرورة من ضروراتها ، نتناولها فيما يلي :
- الركيزة الأولى : التعليم : المدارس في كيفة قلة ، رغم الكثافة السكانية، والمعلمون والأساتذة معدومون بشكل نهائي ، فبحكم متابعتنا لما يجري فيها لاحظنا بعض الفصول الدراسية التي يكون مسجلا فيها مايقارب 150 تلميذا ، وفي أغلب الأحيان يكون الفصل لايستطيع استيعاب 50 تلميذا فقط إلا بصعوبة بالغة لضيقه وهشاشته وتهالكه ، وتوجد بعض المواد ضمن الجدول الدراسي، والمقرر السنوي ، لكن لم يكن لديها مدرسا ، والرقابة على الأساتذة من طرف مدراء المدرسة غير موجودة، مما يعد سببا في غياب الكثير من الأساتذة .
- الركيزة الثانية: الصحة: لايوجد بها سوى مستشفى واحدا ، ويقع خارج المدينة، ولم يستفد منه إلا ثلة قليلة من السكان بحكم قربهم له من الناحية الجغرافية للمدينة.
إذ أن المدينة تضخمت ، وتمددت وانتشرت كثيرا ،شرقا وغربا ، وجنوبا وشمالا ولله الحمد ، لذلك لم يكن بإمكان الجميع الوصول له في شبه الحالات الاستعجالية التى تحتاج إسعافا سريعا ؛ لأن الطريق المعبدة نحوه تمر وسط المدينة ،وتكون زحمة المرور كفيلة بوفاة الشخص، والقضاء عليه - لاقدر الله - قبل الوصول للمستشفى.
و لهذا السكان لم يستطيعوا الاستفادة من الخدمات الرديئة والبطيئة للمستشفى والمقدمة في الغالب من من مرضين ودكاترة مثالا في سوء المعاملة والأخلاق مع المريض .
الأمر الذي جعل ساكنة المدينة لا بديل لديها عن العيادات الخاصة التي لم يكن الجميع بإمكانه العلاج فيها.
وبعض الأزمنة - الشتاء والخريف - التي ينتشر فيها وباء الحمى يقع الضغط عليه، وتكتظ الأماكن بداخله، ولم يستطع استيعاب كافة الزائرين .
والطامة الكبرى والتي من المتوقع قضاؤها على الجميع - لاقدر الله - تطبيق القرار القاضي برفع سقف سعر المعاينات والاستشارات الطبية حيث تقرر بموجبه أن استشارة الطبيب العام ب 2000 أوقية قديمة ، والأخصائي ب:3000 أوقية قديمة أيضا.
من هنا صار الفقير العاجز ضحية بين استحالة الوصول للمستشفى أو عدم وجوده لمكان ، والعجز عن دفع المال للعيادات الخاصة التي لاترحم فقيرا ولا تسامح عديما ، وحتى للمستشفى إن تم تطبيق القرار بداية 2019 .
الركيزة الثالثة: الماء الشروب : تشتكي هذه الولاية منذ سنوات في الفصول السنوية الأربعة من العطش الخانق ، رغم أن الغالبية العظمى من السكان لديهم اشتراكات من الشركة الوطنية للماء ، وتغرمهم في كل شهر بضرائب مجحفة ، وغرامات مالية مرهقة وباهظة ؛ فأغلب أحياء المدينة لم تصلهم قطرة ماء منذ سنوات ، وبعضهم يأتيه في فصل الشتاء فقط بمعدل أيام قلة في الشهر ، وقلة منهم يأتية في يوم أو يومين في الأسبوع على الأكثر.
ناهيك عن بعض الأسر الضعيفة - في آدوابة وغيرهم - ماديا عن الاشتراك ودفع الفواتير الشهرية ، والتي لم تستطع - مع كامل الأسف - شراء حاجات القوت اليومية .
- الركيزة الرابعة : الكهرباء : فالكهرباء هناك يشهد انقطاعا دائما ، ومتكررا في جميع أحياء المدينة ، وفي أوقات طويلة ؛ وخصوصا الفترة الزمنية التي تكثر الحاجة إليه فيها، ويتأكد توفيره للسكان كفصل الصيف مثلا نظرا لشدة حره ، وسخونة جوه ، فيكون من الضرورة وجود التكييف والتبريد لمكافحة ذلك .
وفي حالة وجوده تكون الخدمات الكهربائية ضئيلة ، وضعيفة جدا بحيث لاتستطيع تشغيل بعض الأجهزة الكهربائية العادية كالمكيفات والثلاجات وغيرهم .
وفي كل الحالات الشريكة تضرب المواطنين ضربات عشوائية دون الرجوع للعداد المنزلي ، وتثقل كاهلهم بالفواتير الكبيرة التي لم يستهلكوا نصف أو عشر ماتحملة من مبالغ مالية ضخمة؛ ولم يقبلوا الرجوع عن تلك الأرقام الخيالية الموجودة في فاتورتهم المؤسسة على تقدير عشوائي .
هذا فضلا عن وجود مائات الأسر والعائلات الفقيرة التي لا تستطيع توفير قوتها اليومي، فكيف باستطاعتها دفع ضرائب صعبة ومزيفة .
الركيزة الخامسة: الأمن :رغم أن الولاية لا تزال محدودة مقارنة بالعاصمة ، والبيئة مازالت تسيطر عليها البداوة ؛ إلا أن ذلك لم يحل دون وجود الانفلات الأمني الخطير؛ ففي السنوات الأخيرة تكاثرت عمليات السرقة ، والتلصص ، والسطو على المنازل ليلا ونهارا، وتم إبلاغ الجهات المعنية بذلك، لكنها لم تحرك ساكنا في سبيل ذلك ؛ ولم يتغير الوضع إلا في أحياء معروفة، وبفضل مبادرات شخصية شبابية ، قامت بدوريات ليلية من أجل تأمين أنفسها وممتلكاتها .
ومن الطريف في الموضوع أن اللصوص في المنطقة طالت جرائمهم بعض الموظفين السامين في الحكومة والمعنيين بالأمر بشكل مباشر، وهي رسالة واضحة لتأكيد عدم وجود الأمن في الولاية من طرف السلطات .
وإذا كانت هذه هي الوضعية الراهنة لعاصمة الولاية الثانية فما هو ياترى وضع المقاطعات والبلديات النائية لها!!.
كيف لأبناء وأطر مدينة منكوبة، وتعاني من كافة المشاكل، وسكانها يلفظون أنفاسهم الأخيرة ، وسط تجاهل مطبق ، وإقصاء ممنهج من طرف السلطات ، أن يطالبوا بمأمورية ثالثة؟
أيعتبر هذا مجازاة وتكريما لمخزون انتخابي كسبت السلطة وده مجانا ؟
أم تنبيها لشعب رضي لنفسه الذل والهوان.
من يهن يسهل الهوان عليه * ما لجرح بميت إيلام
وإذا سلمنا جدلا بوجود أغلب الانجازات الوهمية ، وغمرناها بالذكر ، والإشادة والتثمين !!
فما ذنب الدستور بمحاولة خرقه وإجهاضه ، والقفز والإجهاز عليه؟
كان عليكم يا أطر لعصابة أن تطلقوا مبادرات راجلة من أجل إصلاح الصحة ، والتعليم ، وتوفير الأمن ، والماء ، والكهرباء ، واحترام المواطن ، والرفق بيه في ولايتكم المتخلفة عن ركب النمو والازدهار ، وعجلة التقدم والتطور .
كيف لأطر مدينة أغلب أبنائها مسافرون ، ويعيشون خارج الوطن أن يطالبوا بمأمورية ثالثة لنظام فاسد بأكمله !
وكيف لأطر مدينة لايوجد بها طب ولا صحة بمعايير جيدة أن يطالبوا بخرق الدستور!
كيف لأطر مدينة تعليمها فاسد ، ويعاني من نقص حاد في جميع أرجائها أن يطالبوا بمساس الدستور أو إلغائه!
لماذا يا أطر لعصابة مدينتكم لم توفر لها السلطات الأمن وأنتم تطالبون بمأمورية ثالثة!
بأي منطق ياأطر لعصابة تساندون مبادرات الخزي والعار والكذب والنفاق، ومدينتكم يرثى لحالها لا مؤسسات صالحة ، ولا إدارات تؤدي عملها ، ولا منشأة دولية مستقلة!
لماذا يا أطر لعصابة تساقون سوق المواشي من طرف عصابات النهب والفساد والخراب والدمار ، ومدينكم مازالت في المستوى الغير مطلوب، والمظهر غير اللائق!
أترضون لأنفسكم الثراء الفاحش من الأنظمة الفاسدة على حساب شعب أغلبه يتضور جوعا ، وقد حملكم على ظهوره ليوصلكم إلى بر الأمان !
أترضون لأنفسكم أن يسجل عليكم تاريخيا أنكم لم تقفوا مع الشعب ولو يوما واحدا أو مرة واحدة !
كيف لأطر ووجهاء مدينة أن يقودوا شعبا ، وهم لم ينظموا في تاريخهم وقفة احتجاجية مطالبة بحل أي مشكل من مشاكل المدينة الكثيرة والمتشعبة، والتي يكون ضحيتها المواطن البسيط !
كفاكم استهتارا وعبثا بهذا الشعب، ومغالطات له ، كفاكم دوسا لكرامته وإنسانيته ، كفاكم ضحكا على عقوله.
وأخيرا إن طالبتم بالمأمورية الثالثة ، ودعوتم لها ، فاعلموا أنكم شركاء في الفساد ، ولن يرحمكم التاريخ ، ولا الشعب في أول بصيص أمل للعدالة على هذه التراب.
بقلم : محمد الامين باباه ديداه.