نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسلها سودرسان راغفان عن الإحتجاجات التي عمت المدن المصرية خلال اليومين الماضيين بعد نشر أشرطة فيديو تزعم استخدام المال العام لبناء فنادق باذخة وقصور.
وقال فيه: “في النظام الذي يقوده العسكر حيث الفساد سر مفتوح، فاتهامات الفساد تعتبر عادية بل ومتوقعة: فقد تمت سرقة الملايين من أموال دافعي الضريبة لبناء فندق راق وقصر على البحر من بين عدة مشاريع”. ويقول إن أشرطة الفيديو التي وضعها المقاول الحكومي السابق على صفحته في فيسبوك كشفت الغطاء عن العمل السري للجيش وأغضبت المصريين والعالم العربي بشكل عام.
وقادت مزاعم الفساد التي ينفي عبد الفتاح السيسي أي علاقة بها أدت إلى احتجاجات صغيرة في يوم الجمعة ولكنها نادرة، وعمت التظاهرات القاهرة ومدنا مصرية أخرى واستمرت حتى الساعات الأولى من صباح السبت. واستخدمت الشرطة القنابل المسيلة للدموع وتم اعتقال 166 شخصا على الأقل. وهتف المتظاهرون بشعارات تطالب برحيل السيسي.
وقدم المقاول والممثل محمد علي في سلسلة من أشرطة الفيديو تفاصيل مثيرة عن الفساد والتي ضمت بناء فندق من سبع نجوم في منطقة غير سياحية لمنفعة جنرال وصديق مقرب من السيسي وبناء قصر رئاسي لا ضرورة له في منتجع بشمال مصر.
وفضح المقاول البالغ من العمر 45 عاما السيسي والجنرالات بسبب أسلوب الحياة الباذخ الذين يعيشونه في الوقت الذي يتزايد فيه الفقر في أكبر دولة عربية من ناحية السكان. ويعلق الكاتب أن خروج أشخاص يفضحون النظام أمر نادر، ذلك أن أي ناقد للحكومة يختفي في أقبية السجون ويعاني من التعذيب، إلا أن الملايين شاهدوا أشرطة الفيديو وتشاركوا فيها على مواقع التواصل الإجتماعي.
وقال الكاتب إن المزاعم هي الموضوع الرئيسي للنقاش حفلات العشاء والمقاهي والنوادي الإجتماعية في أنحاء القاهرة. وفي شريط قال علي “بعد كل هذا تقول إنك فقير وأننا جوعى” “فهل أنت تجوع وأنت تبذر المليارات ويبذر رجالك الملايين بعد الملايين”.
ويقول الكاتب إن أشرطة الفيديو أزعجت حكومة السيسي وهي حدث نادر منذ هندس الزعيم الديكتاتوري انقلاب عام 2013 ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي. ويقول الكاتب إن حقيقة كون علي عمل مع النظام أعطى أشرطته مصداقية أكثر من أي ناقد للنظام. وألهمت عددا من المصريين بعضهم زعموا أنهم ضباطا سابقين في الإستخبارات لوضع أشرطة فيديو يتحدثون فيها عن فساد السيسي.
وقال أتش إي هيلر من المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن إن الفساد أمر يتعامل معه الكثير من المصريين كأمر واقع و”لكن هناك فرق عندما تظهر أشرطة الفيديو الصارخة هذه، ولم تخف شيئا، خاصة من رجل لم يعرف عنه أنه عارض النظام”.
وفي مؤتمر للشباب اتخذ السيسي خطوة لمواجهة فيديوهات علي ونفي ما فيها ودافع عن الجيش وقال إنه لا يتسامح مع الفساد. وقال إن ما جاء في أشرطة الفيديو “أكاذيب مطلقة” و”أقول لكل أم وكل رجل ممن وثقوا بي: ابنكم شريف وموثوق وموال”.
ويقول الكاتب إن الإتهامات جاءت في وقت وصف فيه الرئيس دونالد ترامب السيسي أثناء قمة الدول السبع بـ”ديكتاتوري المفضل” وفي وقت تم فيه انتقاد السيسي على بناء مشاريع ضخمة لا تعود بالنفع على الإقتصاد المصري مثل العاصمة الجديدة والتفريعة الجديدة لقناة السويس. ويقول النقاد إن الأموال التي بذرت على هذه المشاريع كان كافية لتخفيف مستويات الفقر التي يعاني منها قطاع واسع من المصريين وتوفير فرص العمل للكثير من الشباب الذي يعانون من شروط صندوق النقد الدولي الذي منح مصر 12 مليار دولارا مقابل إجراءات تقشف.
ويرى الكاتب أن أشرطة فيديو محمد علي حولته إلى نجم حيث شاهد 1.7 مليون مصري أول فيديو نشره على صفحته في فيسبوك في 2 أيلول/ سبتمبر وباتوا ينتظرون أشرطته على أحر من الجمر والتي يصدرها أحيانا بشكل يومي. وفي ميمات تظهر علي وهو يصارع السيسي فيما انتشر وسم/ هاشتاغ كفاية يا سيسي مثل النار في الهشيم وبعد ساعات من دعوته لرحيل السيسي، وطالب المصريين بالخروج إلى الشوارع يوم الجمعة.
أشرطة فيديو محمد علي حولته إلى نجم حيث شاهد 1.7 مليون مصري أول فيديو نشره على صفحته في فيسبوك وباتوا ينتظرون أشرطته على أحر من الجمر
ويقول عمرو مجدي، الباحث في قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايتس ووتش “أشرطة الفيديو ومزاعمه تعتبر ضربة قاسية لسمعة السيسي في الشارع المصري و”وصلت إلى قطاعات في المجتمع المصري لم يكن ناشطا في السياسة ولا متهما بها، وهذا يخيف الحكومة وما يخيف السيسي” و”استطاع محمد علي تحقيق ما لم يكن كل اللاعبين في السياسة المصرية تحقيقه”.
ونشر الجيش في ليلة الخميس والجمعة مصفحات وعربات محملة بشرطة مكافحة الشغب في ميدان التحرير لمنع المحتجين الذين استجابوا لدعوة محمد علي. وهو الميدان نفسه الذي تحول لساحة أدت إلى الإطاحة بنظام حسني مبارك.
ومنذ وصول السيسي عام 2014 إلى السلطة والجهود متواصلة لمنع انتفاضة جديدة كتلك التي أطاحت بمبارك. وسجن آلاف المعارضين للنظام وحجبت كل مواقع الإنترنت الناقدة للنظام ومنعت أي شكل من أشكال الإعلام المستقل. وفي ظل السيسي حقق الجيش أكثر مما حققه في الماضي من سيطرة واسعة على الإقتصاد المصري، وبات يملك الفنادق ومحطات الوقود والمزارع والمدارس الخاصة، بل وأصبح يبيع المكرونة وحليب الأطفال. ولا أحد يعرف ميزانيته الحقيقية ولا تتعرض للتدقيق المالي المدني.
ولهذا فاتهام علي الجيش بتبذير أموال دافعي الضرائب المصريين هي سابقة كما يقول مجدي. وعمل علي كمقاول للجيش مدة 16 عاما واتهمه في أشرطة الفيديو أنه يحابي رجاله قائلا إنه كان يطلب منه العمل على مشروع بدون خطط.
وقال علي إن السيسي أمر ببناء فندق باذخ في المنطقة الخامسة في القاهرة، والبعيدة عن المواقع السياحية لأن جنرالا مقربا منه يعيش هناك ويريد إدارة الفندق. وبلغت كلفة الفندق 122 مليون دولار في بلد يعيش ثلث سكانه في فقر مدقع.
وقال علي ساخرا إن الجنرال ربما اتصل مع السيسي بعدما أصبح رئيسا وأخبره أنه يريد أن يحقق أرباحا، فرد عليه السيسي أنه سيوافق على مشروع قبالة بيته. وأمر السيسي ببناء قصر بكلفة 15 مليون دولار في منتزه المعمورة بالإسكندرية رغم وجود قصر هناك. وطلبت زوجة السيسي بإعادة تعديله بعد بنائه مما كلف 1.5 مليون دولارا. ورغم أن علي لم يقدم أدلة عن فساد الجيش إلا أنه أكد أن هناك ملايين لم يدفعها الجيش له. ولم يمنع هذا أعداد كبيرة من المصريين تصديق ما قاله بل والغضب.
وتقول أسماء مصطفى (30 عاما) وتعمل في الإعلام الرقمي “ضايقني ما سمعته خاصة أن المصريين يعانون وصدمتني التفاصيل” و”ما يغضب أكثر أن الظروف الإقتصادية للشعب تتدهور فيما تنفق الأموال على البناء”.
وبرر السيسي في مؤتمر الشباب استخدام أموال دافعي الضرائب في مشاريع بناء بما في ذلك مجمعات سكنية ولكنه “لا شيء باسمي بل باسم مصر”. ومنذ ذلك الوقت تداول الناشطون على منصات التواصل صورا لمصريين يعيشون في أوضاع مزرية وأخذوا يتحدثون عن الفساد وسوء إدارة الإقتصاد.
وقال أحمد البقري، نائب الرئيس السابق لاتحاد الطلاب المصريين في تغريدة إن السيسي “لص”. فيما أكد آخرون أن محمد علي شجعهم للتحدث وانتقاد النظام. وقال صاحب شركة عقارات في تكساس اسمه عبد العلي الجامي “الرجل يقود مصر إلى ثورة جديدة وأنا أدعمه 100%”.
وفي محاولة يقول النقاد إنها هستيرية قام النظام بتجنيد الفنانين والإعلام لتصوير السيسي بأنه شخص موثوق. فيما هاجم أنصار السيسي علي ووضع رجل لم يكشف عن اسمه عن جائزة بقيمة 31.000 دولارا لمن يحضر “رأس الخائن المجرم الذي أهان أسياده، القوات المسلحة والرئيس”.
وتجاهل الإعلام الرسمي الإحتجاجات ولكنها اثنت على السيسي وما وفره من استقرار للبلاد. ويعتقد الناشطون أن أشرطة محمد علي لن تؤدي إلى ثورة جديدة، إلا أن طريقته الإبداعية في النقد تشجع الآخرين على التعبير عن مواقفهم دونما أن يطالهم أذى النظام. وتقدم خريطة طريقة للمعارضة المتزايدة للنظام والتي أسكتها وحشية الأمن