ردود الفعل علي تغريدة السفيرة بنت أوفي التي فرضت عليها تقديم استقالتها

ثلاثاء, 14/01/2020 - 11:51

أعلنت السفيرة مريم بنت أوفى، في قرار غير مسبوق، الليلة البارحة، عن استقالتها من منصبها كمديرة لقطاع أمريكا وآسيا بوزارة الخارجية الموريتانية، وذلك إثر نشرها قبل يومين لتغريدة رحبت فيها بترحيل السلطات الأمنية الموريتانية للناشط الحقوقي والإعلامي الفرنسي جان مارك.

وغردت السفيرة بنت أوفى قائلة: “حسنا ما فعلت السلطات بترحيل اليهودي جان مارك من صحيفة شارلي أبدو المسيئة للدين الإسلامي بصفة عامة، وللقرآن الكريم والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، وذلك عند محاولته الدخول من مطار أم التونسي إلى بلادنا، فمن الطبيعي لفظ أرض المنارة والرباط للخبائث وأهلها”.

حاولت السفيرة تمرير هذه التغريدة حيث كتبت أنها لا تمثل إلا رأيها الخاص، لكنها عادت في وقت متأخر الليلة الماضية لتعلن استقالتها قائلة في تغريدة تتواصل متابعتها على نطاق واسع جدا: “احتراما لمبادئ وتعهدات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، واحتراما لسيادة بلادي، فإني قررت تقديم استقالتي من منصبي كمديرة لقطاع أمريكا وآسيا، وذلك إثر تدوينة نشرتها خطأ، تتعارض مع الأخلاقيات والمبادئ التي تتميز بها قيادة بلادي”.

‏وأضافت السفيرة بنت أوفى: “لا يفوتني أن أؤكد على احترامي لكافة الشعوب في العالم وعلى احترامي لكافة دياناتها، فما ورد في التدوينة لا يمثل رأي حكومة بلادي ولا شعبها ولا يمثل رأيي الشخصي مطلقا، وفي النهاية أقدم كامل اعتذاري لكل من تضرر مما ورد في التدوينة من داخل بلادي أو من خارجها”.

وكانت تغريدة بنت أوفى قد قوبلت بترحيب واسع، لكنها قوبلت أيضا بتنديد من حقوقيين وبخاصة من مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية “إيرا”، الحركة الموريتانية الناشطة بمجال محاربة الرق والتي استضافت الناشط الفرنسي المرحل.

وأكدت الحركة في بيان وزعته أمس أن “كراهية الدين اليهودي، كما هي موروثة، كردة فعل، في موريتانيا، يضاعفها، هنا، ترويج الجهاد من قبل موظفة في الدولة في المجال الدبلوماسي الإستراتيجي”.

واستغربت الحركة في بيانها أن “الحكومة التي تمثلها هذه الدبلوماسية تشارك في قوات مجموعة الـ 5 الساحلية وتعدّ من بين حلفائها بإفريقيا وفي العالم الحر والعالم العربي الإسلامي والقوى التي تتعاون في إطار مقاومة الرعب باسم العقيدة”.

وتفاعل كبار المدونين الموريتانيين وصغارهم على حد سواء مع استقالة السفيرة ومع تدوينات حسابها حول هذه الحادثة على “تويتر” الذي يتابعه أكثر من 4000 مغرد.

ومن أبرز التدوينات التي أفرزتها الحادثة ما كتبه الأستاذ الجامعي والمدون البارز الشيخ معاذ الذي علق عليها قائلا: “استقالة السفيرة مريم بنت أوفى اليوم (لا يهمني إن كانت صاحبة القرار أو فرض عليها)، فعل حضاري ووطني ينبغي تشجيعها عليه، فالمسؤول المخطئ ينبغي أن يتحمل عاقبة خطئه، والاستقالة هي أرقى درجات الاعتذار والاعتراف بالزلل”.

يضيف الكاتب: “أحسنت السفيرة في قرارها الشجاع، وعلى الجميع تثمين اعتذارها الذي صاحب استقالتها، ففي ذلك تشجيع للآخرين على اتخاذ خطوات مشابهة إن هم أثاروا الحفيظة العامة أو الخاصة”، مضيفا قوله: “نريدها سُنّةً “.

وكتب الدكتور أبو العباس برهام: “استقالة ديبلوماسيّة موريتانيّة بسبب تغريدة تمييزية، ومع احترام المُقالة فهذه سابِقة حميدة في المحاسبة العمومية في هذا البلد، فالكلام العنصري كان يسود في الممارسات الخطابيّة للنظام السابق، ففي المجال العام لا بدّ أنْ تأكُل الماكنة دورِيا من خذلته حصافته، هؤلاء هم قرابين الدمقرطة”.

وأضاف: “هكذا تتحدّد قواعد اللعبة، ويُصبِح المجال العام سلطة أخلاقية، آمل أنْ يكون هذا حدَثا تأسيسيا، لا فردِيا، في وزن السياسيين لأقوالهم، بل وتفكيرهم في هذه الأقوال أصلا، فهؤلاء يقولون ما يُفكِّرون فيه لأنّهم لا يُفكِّرون فيما يقولونه”.

وتابع أبو العباس: “أوّل ما يتعيّن على الديبلوماسيين الموريتانيين هو التوقّف عن ردِّ الجميل لأولياء نعمِهم باتخاذ مواقِف حِديّة وحزبيّة في السياسة المحليّة، مهمّة هؤلاء هي الكلام في الخارِج، لا في الداخِل، وعليهم تحمّل مسؤولياتِ كلامِهم، كلّ ما لا يقدِرون على الدِّفاع الأخلاقي عنه سيُستخدَمُ ضدّهم، وسيكون عبئا سياسيا عليهم”.

وقال: “هذه المساءلة هي نتيجة طبيعية لمجتمع اللباقة السياسيّة والمجتمع التعدّدي، فلا يجب أنْ تكون قوانين المحاسبة كشبكات الصياد، التي ينجو منها السمك الكبير ويعلَق بها السمك الصغير”.