عبّر ملك المغرب محمد السادس، نهاية الأسبوع الماضي خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، عن استعداده لزيارة موريتانيا، في خطوة من شأنها احتواء الأزمات المتكررة التي تتسبب فيها "جبهة بوليساريو"، خصوصاً في منطقة المعبر الحدودي بين البلدين.
خطوة استراتيجية
وأكد مراقبون أن خطوة المغرب تهدف إلى تدعيم علاقاتها مع موريتانيا، بهدف التصدي لاستفزازات "جبهة بوليساريو" المدعومة من الجزائر، ودعم أمن المعبر البري بين البلدين لضمان حركة عادية لتدفق السلع وعبور الأفراد.
في هذا الشأن، شدد المحلل السياسي المغربي محمد بودن على مدى أهمية الاتصال بين زعيمي البلدين، لدلالته وتوقيته في ظل متغيرات إقليمية ودولية، واعتبر الاتصال تأكيداً على "رؤية الرباط الاستراتيجية في خضم التطورات الحاصلة".
وقال بودن إن "تعزيز محور الرباط - نواكشوط يُبنى على تعميق مبدأ الشراكة وضمان حسن الجوار"، عشية الإجراء الذي قام به الجيش المغربي في معبر الكركرات الحدودي الرابط بين البلدين، حيث فرضت الرباط من خلاله الأمن والاستقرار وحرية تنقل الأفراد والسلع.
وكان المعبر تضرر لثلاثة أسابيع من استفزازات "جبهة بوليساريو" للأمن القومي والاقتصادي لموريتانيا، باعتبارها تستورد مواد الطاقة الخام بالإضافة إلى المواد الاستهلاكية من المغرب، في حين تصدّر نواكشوط الأسماك عبر المعبر، وبالتالي فإن تعزيز العلاقات بينهما من شأنه تدعيم التنسيق والتشاور بين الطرفين لصد المخططات التي تزعزع الاستقرار في المنطقة، على حد تعبير بودن.
منافسة تجارية
وأنشئ في عام 2018 معبر بري يربط الجزائر وموريتانيا في منطقة تندوف على طول 460 كيلومتراً وبتكلفة قُدرت بـ 150 مليون دينار جزائري (أي ما يفوق مليوناً و160 ألف دولار أميركي). وسعت الجزائر من خلاله إلى منافسة المغرب في السوق الموريتانية المحتاجة إلى المواد الأولية والاستهلاكية.
وكان البلدان توصلا عام 2017 إلى اتفاق على إنشاء معبر برّي، قبل شهور قليلة من قيام "جبهة بوليساريو" بتحركات معادية للمغرب في منطقة الكركرات.
واعتبر بودن أن المبادرة المغربية تعكس أهمية تحالفه مع جارته الجنوبية الذي يتسم بدينامية إيجابية ومتطورة، ومن المرجح أن تؤسس زيارة ملك المغرب المرتقبة إلى نواكشوط لنقلة جديدة في العلاقات بين البلدين، وذلك في صيغة من شأنها إرباك بعض الأطراف الإقليمية المعادية لتمسك المغرب بصحرائه، من بينها الجزائر التي أسست لمعبر "تندوف شوم" الحدودي بينها وبين موريتانيا، والذي أثبت فشله في خلق دينامية تبادل تجاري حقيقية ومنافسة المغرب في تصدير الخضار والفواكه، المجال الذي تتفوق فيه الرباط بشكل كبير.
تأسيس لعهد جديد
واعتبر الباحث الموريتاني في قضايا الأمن في المنطقة المغاربية، مصطفى فاتي أن "خطوة المغرب من شأنها إنشاء عهد جديد بين الجارتين"، مؤكداً أن "أزمة معبر الكركرات الأخيرة أبرزت حاجة البلدين إلى علاقات استراتيجية قوية، يستفيد منها شعباهما اقتصادياً وأمنياً".
وأكد عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية في إحدى جامعات مراكش، أن "الاستفزازات التي قامت بها جبهة بوليساريو في معبر الكركرات، شكّلت فرصة لموريتانيا للوقوف على حقيقة تلك الحركة الانفصالية التي كانت تهدف، من وراء عرقلة الحركة في المعبر الحدودي المغربي الموريتاني، إلى تحقيق مكاسب في قرار مجلس الأمن الأخير الخاص بقضية الصحراء، أو جر الرباط إلى الحرب، بعد 29 سنة من توصل الأمم المتحدة إلى تثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين".
مرحلة فتور
وكانت العلاقات المغربية - الموريتانية شهدت فتوراً خلال عهد الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز الذي أسس علاقة جيدة مع "جبهة بوليساريو"، الأمر الذي كان يقلق المغرب.
وعلى الرغم من تأكيد موريتانيا آنذاك تبنيها موقف الحياد في قضية الصحراء المتنازع عليها بين المغرب و"بوليساريو"، إلا أنها كانت تقيم علاقات عادية مع الجبهة.
واعترفت نواكشوط بـ"جبهة بوليساريو" في عام 1984، وأقامت بعدها علاقات دبلوماسية معها، بعدما وقّع الطرفان اتفاقية سلام برعاية جزائرية عام 1979 إثر الخسائر الفادحة التي تكبدتها موريتانيا من الجبهة خلال حرب الصحراء.
وأكد الباحث مصطفى فاتي أن "اعتماد سفير جديد لموريتانيا في الرباط في الفترة الأخيرة، يضع حداً لشغور هذا المنصب"، ما شكل تعبيراً صريحاً عن توتر العلاقات الثنائية في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، في الوقت الذي أشار السفير الجديد محمد ولد حناني إلى الأهمية التي يوليها الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتطويرها، في ظل وجود إرادة قوية لديه للرفع من مستواها.
الموقف الموريتاني الحالي
وشدد الرئيس الموريتاني على مواصلة بلاده الاعتراف بـ "جبهة بوليساريو" والتزام نهج الحياد في نزاع الصحراء، وهو الموقف الذي اعتمده سابقوه ما عدا الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع (1984-2005) الذي كان داعماً بشكل كبير للمغرب.
وفيما تحاشى رئيس الوزراء الموريتاني محمد ولد بلال خلال عرض برنامج حكومته أمام البرلمان، الإشارة إلى نزاع الصحراء أثناء حديثه عن السياسة الخارجية لحكومته، أكد مواصلة بلاده النهوض بدورها الأساسي في البحث عن السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وتطرق فقط إلى النزاعات في ليبيا وسوريا واليمن والصومال، والوضع في منطقة الساحل والقضية الفلسطينية، من دون الإشارة إلى نزاع الصحراء.
نوفل الشرقاوي صحفي