نشارككم العزاء وللفقيد الرحمة والغفران ولأهله الصبر والسلوان.
هذا المقال رائع ومفيد وغني بالمعلومات. ولا غرو في ذلك لأن كاتبه، موسى فال، سياسي ومثقف معروف وذو قبول واحترام لدى الجميع.
ملاحظات على مضمون المقال:
المرحوم سيدي كان رجلا طيبا وإطارا ساميا ذو تجربة عالية في الإدارة والتسيير ولكنه لم يكن رجلا سياسيا بمعنى الكلمة. هوايته الزهد والتعبد والأوراد. وُصُولُهُ إلى منصب رئاسة الدولة لم يكن من إرادته هو ولم يكن مشروعا نابعا منه هو، بل كان الرئيس الراحل اعلي هو وابن عمه الرئيس السابق ول عبد العزيز هما اللذان اقترحاه ودعماه ونصَّبَاه في الرئاسة. ولكنه في ممارسته للرئاسة كان يحيط به كثير من الناس ذوي الأغراض، ليسوا مثلكم يا كاتب المقال، يوجهونه ويجعلونه، على براءته، يتخذ قرارات ومواقف غير صائبة.
لا شك أن المواقف العَفَوِيَة التي اتخذها المرحوم ارتجاليا ستكون صائبة وجيدة مثل كونه لم ينم ليلة كاملة بحثا عن الشخص الأمثل ليسند إليه مهمة يعلق عليها أهمية كبيرة. وكذلك كلامه لكم أنه بحاجة إلى رئاسة الشركة الموريتانية للمحروقات وأنه يفكر في أن يستعيدها منكم. كل هذه التصرفات نابعة بصفة طبيعية منه وهي حقا تنم عن مستوى عال لنظرته للحكامة العامة والتسيير.
أما المواقف التي اتخذها بعد التشاور وأَخْذِ المعلومات من محيطه من ذوي الأغراض، فإنها قد تكون صائبة وقد لا تكون. ويجب استقصاء ما قد يكون وراءها من حقائق مجهولة قبل القول بأنها صائبة. أولا، قبوله للترشح للرئاسة على أيادي العسكريين وبدعمهم بدون شروط، ثم بعد ذلك اصطدام غير مدروس مع العسكريين أدَّى إلى وصول هؤلاء الى مقاليد السلطة رغم أنهم لم يكن طموحهم الى هذا الحد. وإننا ما زلنا حتى الان تحت تأثيرات هذه الوضعية التي نشأت آنذاك.
أما الموقف الاخر للمرحوم في أن شخصا كان يرأس آنذاك منظمة دولية، أسَرًّ إليكم بأن الرئيس سيدي أعطاه تعليمات بأن يركز جهوده على حسن إدارة المنظمة التي يرأسها، وأن يترك الدفاع عن مصالح موريتانيا للرئيس والحكومة،
أولا ينبغي التَّأَكُدُ من صحة ودِقّة ما أسَرًّ إلكم به الشخص المعني، لأنه ما دام أسَرًّ به ولم يعلنه يبقى هذا محل شك.
ثانيا، لو افترضنا أنّ أخْذ المرحوم لهذا الموقف حقيقي وليس مبالغة من رئيس المنظمة هذا، إن هذا بالتحديد هو النوع من المواضيع التي يكون المرحوم اتخذ فيها موقفه بعد التشاور وأَخْذِ المعلومات من محيطه من ذوي الأغراض، فإنها قد تكون صائبة وقد لا تكون. إذًا، يُرْجى التأكد مما وراء كل هذا ومَن وراءه قبل أن يُنْسَبَ الامر أنه من إرادة الرئيس وحده.
ثالثا وأخيرا، سبق أن قرأنا في مقال سابق شيءا لم تذكروه في مقالكم، وهو أن موقف المرحوم جاء ردًّا على المطالبين بِتَنْحِيَّة إطار موريتاني يرأس منظمة إقليمية موريتانيا عضو فيها آنذاك، وبحجة أن هذا الشخص لا يقوم بدوره في الدفاع عن مصالح البلاد. ولا يمكن الحكم على حقيقة هذا الأمر ما دمنا لا نعرف تفاصيل هذه الخيانة التي يتكلم عنها المطالبون بِتَنْحِيَّة وعقاب هذا الشخص. أ هي منظمة عربية أم إفريقية، وفي كلتا الحالتين، إن المسؤول الأول في المنظمة مسؤول عن عدم المَسَاس بمصالح جميع الدول الأعضاء بما فيهم دولته. فإذا فرَّط في مصالح دولة أخرى يكون ذلك خطأ ومخالفة لقوانين المنظمة، أمَّا إذا فرَّط في مصالح دولته هو التي عينته فإنه يكون ارتكب خيانة عظمى سواء كانت تلك الخيانة في حق دولته اقتصاديا أو استراتيجيا لصالح الدول الأخرى أو كانت تلك الخيانة في حق عمالها الموجودين في المنظمة. وهذا كثيرا ما يحدث في المنظمات الدولية والإقليمية حيث أن بعض المسؤولين اللذين يرأسونها ينسون مصالح دولتهم تحت تأثير وإغراء دول أخرى بمجرد شعورهم بالإقامة خارج البلاد. ويَتَرَتَّب على ذلك أن تتخذ الدولة المعنية التدابير التي تطبق في حالات الخيانة العظمى. - والله أعلم - هل ما يَدَّعِيه المطالبون بِتَنْحِيَّة هذا الشخص وعقابه، هل هو من نوع الخيانة العظمى أم هو دون ذلك.
التوقيع : سعدي اباه.