في الذكرى العاشرة لها ظلت ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني حاضرة في قلوب الكثيرين، بينما اختفى أي اثر لها في الشوارع والميادين، التي باتت رهينة الحالة الأمنية، بينما تلقت وزارة الداخلية التحية والتهنئة من قبل كبار رجال الدولة ورموز المؤسسات عامة، بما فيها المدنية والدينية بمناسبة عيد الشرطة التاسع والستين، واكتفى الكثير من الشخصيات العامة بتذييل التهنئة بالثورة في السطر الأخير، فالتهنئة لكبار المسؤولين اختتمت بذكرى الثورة، التي تراجع تأثيرها، وخفت بريقها وباتت محل شبهة بالنسبة للمعتنقين لأفكارها، وعلى مدار يومي السبت والأحد الماضيين 23 و24 يناير، كان واضحاً أن كتّاب الصحف خاصة الحكومية منها والموالية لها اتخذوا هدفاً رئيسياً تمثل في شيطنة ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني في ذكراها العاشرة، ورميها وأنصارها بكل جريرة، أو على الأقل تلطيخ سيرة رموزها.. ومن تقارير أمس الأحد توجه اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، يرافقه أعضاء المجلس الأعلى للشرطة إلى القصر الجمهوري في عابدين، لتسجيل كلمة شكر وتقدير إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، في إطار الاحتفال بعيد الشرطة التاسع والستين.
وأعلن وزير القوى العاملة محمد سعفان، أنه تقرر أن يكون يوم الخميس الموافق 28 يناير 2021 إجازة مدفوعة الأجر للعاملين في القطاع الخاص المخاطبين بأحكام قانون العمل 12 لسنة 2003، وذلك بمناسبة عيد ثورة 25 يناير وعيد الشرطة، بدلأً من يوم الاثنين الموافق 25 يناير 2021. وبدوره هنأ الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر، الرئيس السيسي، والشعب المصري بمناسبة حلول الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير/كانون الثاني. ومن بين المهنئين كذلك الدكتور ماجد نجم رئيس جامعة حلوان، الذي بعث برقية تهنئة للرئيس السيسي، بمناسبة الاحتفال بالعيد التاسع والستين للشرطة المصرية، ورجالها البواسل وذكرى ثورة 25 يناير. ومن تقارير”مصراوي” أمر الرئيس السيسي بمنح الجنسية المصرية لعائلة الشيخ عيد هليل وعائلة شقيقه سالم هليل، ولأفراد أسرتيهما البالغ عددهم 25 شخصا، بعد أن كانوا بلا هوية منذ 25 عاما. وقال الشيخ عيد هليل، إن أبناءهم حرموا من أبسط حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية والإسكان وغيرها من الخدمات، التي يتمتع بها جميع المواطنين المصريين، وإنهم الآن يستطيعون استرداد حقوقهم وممارسة حياتهم بشكل طبيعي، فيما كشف مصدر في وزارة التربية والتعليم عن أن وزير التربية والتعليم، سيعتمد قرار ترقية 344 ألف معلم مساعد لـ«معلم».
وأمس الأحد خرج أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، بعد غياب مرحباً بدخول معاهدة حظر الأسلحة النووية حيز النفاذ، باعتبارها إضافة مهمة لمنظومة نزع السلاح وعدم الانتشار النووي في العالم.. ومن أخبار الصحف بدء تطبيق قرار رئيس الجمهورية بشأن مد حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر.
ثورة منبوذة
يمرّ عقد كامل على اندلاع الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 التي حرصت أمينة خيري في “المصري اليوم” على اعتبارها والأعوام التي تلتها أصعب من سنوات هزيمة يونيو/حزيران 1967، وإحباط وتوتر سنوات ما بين الهزيمة ونصر أكتوبر/تشرين الأول 1973، وأشق من كوارث صنعها الإنسان منها، على سبيل المثال لا الحصر، «عبّارة السلام» و«قطار الصعيد» وأخرى طبيعية من سيول وزلزال 1992. لماذا؟ أجابت الكاتبة: لأنها تركت المصريين على حال تختلف قلباً وقالباً وعقلاً عما كانوا عليه. ففي كل ما مرّ على مصر وناسها من أحداث وحوادث وكوارث وأزمات، واجهها المصريون على قلب مصري واحد. ظلت الرؤى والمواقف والآراء مختلفة ومتراوحة ومتنوعة بيننا، لكنه كان اختلافاً طبيعياً وخلافات عادية كتلك التي يموج بها أي مجتمع، لكن العقد الماضي، وما زخر به من أحداث توالت على رؤوسنا من «جُمعات» (جمع جمعة) و«مليونيات» العيش والحرية والعدالة والغضب والتنحي والخلع والقصاص والدستور أولاً، وحماية الثورة و”هانزل التحرير مش حاسس بالتغيير”، سرعان ما أعقبتها جمع كاشفة ومليونيات فاضحة إن لم تكن فاضحة لعمق الهوة حيث تطبيق الشريعة ومصر إسلامية، والإسلام هو الحل واحكمونا بالقرآن، وغيرها من الفعاليات التي اكتسبت لقب «قندهار» عن حق، أزالت الغطاء الذي ظل محكماً على دواخل المجتمع المصري. دواخل المجتمع المصري وما يموج فيه منذ سبعينيات القرن الماضي «طفح» على السطح خلال مجريات العقد الماضي، بعد ما نجحت أحداث يناير/كانون الثاني 2011 في إزالة الغطاء. وهذا الشيء الوحيد الذي نجحت فيه أحداث ثورة/ هوجة مؤامرة يناير 2011: إزالة الغطاء وكشف الدواخل. ماذا اكتشفنا؟ اكتشفنا أن المجتمع المصري من ألفه إلى يائه لم يعد مجتمعاً مدنياً، كما أنه ليس مجتمعاً دينياً، حتى إن كان يحب أن يصف نفسه بذلك. هو «خلطبيطة» صارخة غير مسبوقة من الشيء وضده، والسمة وعكسها. واكتشفنا أن المجتمع لم يعد ينظر إلى التعليم باعتباره قيمة سامية، بل لكثرة العيال باعتباره قيمة أسمى.
لها ما لها
من بين من اهتموا بذكرى الحدث الكبير الذي عاشته مصر قبل عشرة أعوام الدكتور مصطفى الفقي في “الأهرام”: “سوف يظل ما جرى في 25 يناير/كانون الثاني 2011 وما بعده موضع جدل ومثار نقاش لسنوات طويلة مقبلة، ذلك أن قدراً كبيراً من المعلومات المتصلة بتلك الفورة الشعبية لا يزال تائهًا إلى جانب تحليلات غامضة وأخبار متضاربة، ولكن الأمر المؤكد أن الجماهير المصرية التي خرجت إلى ميدان التحرير كانت في معظمها تعبيرا شعبياً تلقائياً، عن حالة ضجر من النظام القائم، والرغبة في التغيير، خصوصًا بعد آخر انتخابات نيابية عام 2010، فضلا عن شعور عام بشيخوخة النظام، وترهل مؤسسات الحكم والتفاوت الطبقي الملحوظ مع تراجع الخدمات وشيوع الفقر وانتشار الفساد الإداري والمالي، فضلًا عن ظهور انتقادات علنية للنظام، دون أن يعبأ بها أو يتصدى للرد عليها فاستقرت في أذهان الجماهير باعتبارها حقائق وليست اتهامات فقط، لذلك فإننا لا نشكك في نبل المقصد، ووطنية الثوار الذين خرجوا إلى الميادين في أنحاء البلاد يرفعون شعارات الحرية و العدالة الاجتماعية ويتخذون من رغيف الخبز رمزاً لحياتهم فهو (العيش) بحق”.
قناصة الميدان
تابع الدكتور مصطفى الفقي: “لكننا أيضًا وفي الوقت ذاته لا نتردد في أن نقول إن قوىً خارجية وداخلية لا تعبر عن الوطنية المصرية، اندست في صفوف من خرجوا بنية طيبة ودوافع صادقة، وتطورت الأمور واتجهت إلى التدهور السريع، وأنا أظن أن الثمانية عشر يومًا الفاصلة بين بداية الثورة الشعبية وتخلي الرئيس الراحل عن السلطة، شهدت أسوأ إدارة لأزمة في تاريخ البلاد، فردود الفعل كانت دائماً متأخرة، وحتى خطب الرئيس الأسبق تأتي بعد الموعد المحدد بعدة ساعات، ويبدو واضحا أنه قد جرت عليها تعديلات تجعل المعنى مختلًا والتناقض واضحًا. فبينما يتحدث الرئيس الراحل في مطلع خطابه عن ضرورة التغيير وسرعته، يأتي ختام الخطاب مشيرا إلى استمرار الأوضاع مع تعديلات هامشية، وحتى الخطاب الأفضل الذي تحدث فيه الرئيس مبارك عن تاريخه العسكري ودفاعه عن تراب مصر التي عاش على أرضها ويموت فوقها، لم يجر استثماره على نحو أفضل، ولم يقدم تنازلات واضحة ومؤثرة وعاجلة، في وقت كانت فيه درجة الغليان في الميادين والشوارع المصرية في صعود واضح، ثم كانت واقعة الجمل في ميدان التحرير بغموضها وانعدام المصداقية في تفسيرها، فضلًا عن القناصة من فوق السطوح العالية حول الميدان. وانتهى الفقي إلى أن دروس 25 يناير/كانون الثاني 2011 لم تكتمل سطورها بعد، ولم يدرك الجميع أنها كانت فصلًا كبيراً في كتاب النضال المصري عبر العصور، إنها تحتاج إلى مزيد من الدراسة وتحليل المعلومات حتى نضعها في مكانها الصحيح، الذي يليق بمشاعر الجماهير التي خرجت لها وشاركت فيها.
ثورة وتاهت
رأى الدكتور إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة في الجامعة الأمريكية في القاهرة في “الشروق”، أن من يقولون إنه لم تكن للثورة أسباب أصلا يقفون على أرض هشة. الحجة التلفيقية القائلة بأنه كانت للثورة أسبابها ونواياها الحسنة غير أنها انحرفت عنها بفعل داخلي وخارجي، يمكن أيضا تفنيدها. الفعل الداخلى يقصد به مناورة جماعة الإخوان المسلمين حتى جنت كل ثمار الثورة، وفازت برئاسة الجمهورية، وبالأغلبية المرجحة مع حلفائها في البرلمان، وفي الجمعية التأسيسية، وصاغت الدستور على هواها. حقيقة الأمر إن هذه المناورة لا تؤخذ على الثورة ومحركيها، بل على إدارة المرحلة الانتقالية. فيما بين 25 يناير/كانون الثاني و11 فبراير/شباط، لم يجر الممسكون بالسلطة محادثات مع المحركين للثورة، ولا مع حركات الاحتجاج التي كانت موجودة قبلها، بل هم استدعوا للتباحث جماعة الإخوان المسلمين وأحزابا لا صدى لها، بحيث أصبحت الجماعة فعليا هى المقابل الوحيد الذي تعترف به السلطة المتبقية من حكم الرئيس حسنى مبارك. هذا في حد ذاته أسبغ قوة وشرعية على الجماعة أكثر مما لها فعلا في الساحة السياسية، وشجعها على أن تلقي بقواها في الثورة بعد أن كانت قد أمسكت عن المشاركة في إشعالها. وبعد سقوط الرئيس مبارك بأربعة أيام فقط، نشأت لجنة لتعديل دستور سنة 1971 ترأستها شخصية تنتسب فكريا إلى الإسلام السياسى، وفيها شخصيات أخرى تنتمى إلى الفكر نفسه، بما في ذلك عضو صريح في جماعة الإخوان المسلمين، بينما خلت اللجنة من أي عضو ينتمى إلى الثورة، أو إلى جماعات الاحتجاج! بذلك كان طبيعيا أن تخرج اللجنة بمقترحات في صالح رؤى الإخوان وغيرهم من جماعات الإسلام السياسى، غير أن الإخوان، لأنهم أيديولوجيون وليسوا سياسيين يبحثون عن التوافق، أرادوا أن يستأثروا بالنظام السياسي كله، غير منتبهين إلى أن المواقع التي شغلوها لم تكن تعني أن السلطة دانت لهم. سلطة الثقافة والسياسة والذاكرة التاريخية والصحافة والقضاء والأمن بقيت عصية عليهم.
أثرها سيبقى
حول التدخل الخارجى، في ثورة يناير/كانون الثاني أضاف الدكتور إبراهيم عوض، أن المراقب يندهش ويتساءل لماذا يتدخل الأمريكيون والأوروبيون لتغيير نظام الرئيس مبارك؟ اقتصاديا، كانت مصر تطبق بإخلاص السياسات التي تدعو إليها الولايات المتحدة، والمؤسسات المالية الدولية. وبشأن القضية الفلسطينية والوضع في الشرق الأوسط، اعتبر وزير إسرائيلي كان من قبل رئيسا للأركان، أن الرئيس مبارك كنز استراتيجي لإسرائيل، لأنه معنيّ بالاستقرار في الشرق الأوسط. ومصر كانت في خصومة مع حماس وحزب الله وإيران، وكلها تحسبها الولايات المتحدة وإسرائيل أعداء لها. ومصر طرف في الحوار المتوسطي الذي أنشأه حزب شمال الأطلسي منذ سنة 1994، وهي كانت تجري مع الولايات المتحدة مناورات سنوية. أما الاتحاد الأوروبي فتربطه بمصر اتفاقية شراكة واسعة النطاق منذ سنة 2001. منطق التدخل الخارجي لسرقة الثورة لا يستقيم. تبقى أوجه القصور والضعف في الثورة، أولها أنها، كما سبقت الإشارة، ثورة بمفهوم الغضب، فضلا عن الاحتجاج. من أشعلوها من غير التيارات الدينية لم يلتقوا ولم يتفاوضوا، ولم يتوافقوا على برنامج سياسي يلهمون به الناس ويجمعونهم عليه. في السنوات السابقة على الثورة اكتفى الناشطون من الشباب، ومن الأقل شبابا، بالاحتجاج وبتنظيمه حتى فاجأهم نجاحهم باندلاع الثورة، وكل ما لديهم هو أفكار متناثرة، وفى كثير من الأحيان متناثرة، في وقت واجهوا فيه تنظيما قويا للإخوان المسلمين، وإدارة للمرحلة الانتقالية غير مكترثة بهم على أقل تقدير. والنتيجة الطبيعية لذلك هى أنهم خاضوا الثورة والمرحلة الانتقالية، بدون قيادة تجمعهم وتوفق بينهم وتتخذ المبادرات وتروج لها، وتتراجع عنها عندما يأتى وقت التراجع. بعبارة أخرى خاضوا الثورة بدون قيادة قادرة على السياسة. اكد الكاتب أن التحية واجبةٌ أولا للثورة وشهدائها.
أين معالمنا الجميلة؟
لا يعرف عمرو الشوبكي في “المصري اليوم”، إذا كان هناك من يمكنه أن يراجع حجم التخريب والتجريف الذي أصاب العديد من أحياء القاهرة، وكنوزها وثروتها المعمارية أم لا؟ فلم يحدث في بلد لديه عراقة أحياء القاهرة ما نشاهده في الزمالك وكورنيش العجوزة، من تدمير لأشجارهما، وقبلهما مصر الجديدة، وقبلها أحياء شبرا والعتبة وميدان الأوبرا وشارع الجيش وغيرها. يقول الكاتب، رغم أنني لست من سكان حي الزمالك، إلا أن ما جرى مع الحي بدا تخريبيا بامتياز، فالبداية كانت مع تفكيك الكوبري الحديدي رائع الجمال، الذي كان يربط الحي الراقي بالحي الشعبى الرائع بولاق أبوالعلا، بدون أن تفصل بينهما أسوار أو حيطان إسمنتية، وهو الكوبري الذي كثيرا ما تخيلته ممراً للمشاة يضع فيه الرسامون وشباب الفنانين أعمالهم (مثلما يحدث في عواصم كبيرة لا تقل القاهرة عنها جمالًا إلا في عقلية القائمين عليها)، ولكنه تفكك وضاع وأصبح خردة، وجاء الإصرار الغريب على أن يمر المترو تحت الأرض مخلفاً أضراراً جسيمة لعدد من البنايات، واتهم أصحاب العمارات الحكومة بعدم إقامة أي دراسة جادة للتربة. واللافت أن هذا التخريب نفسه حدث في مصر الجديدة، فالمنطقة لا تحتاج إلى مترو تحت الأرض بتكاليفه الباهظة، إنما إلى تجديد «ترامها العريق» الذي يسير فوق الأرض، لأنه جزء من ذاكرة الحي وتاريخه، ولكن ما جرى هو تدمير للمترو القديم لصالح مترو الأنفاق، و«بدر» الحي بكباري بدون أي تفكير في أن هناك سكانًا في هذا الحي من حقهم أن يجدوا أماكن عبور آمنة، وأنه قبل افتتاح كباري السيارات لابد من إنشاء كباري للمشاة. قوة مدينة القاهرة وسحرها ليس في مبانيها الجديدة، ولا في ناطحات السحاب، ولا في عدد كباريها ومحاورها، فكل ذلك طبيعي في بلد يزيد عدد سكانه بمعدلات كبيرة، إنما في معمارها القديم، أي في قاهرة المعز الفاطمية، والقاهرة الخديوية الحديثة، ومعظم المباني التي شُيدت في بدايات القرن الماضي في أحياء مثل الزمالك وجاردن سيتي وشبرا وباب الشعرية والحلمية والعباسية ومصر الجديدة وغيرها، ويمارس بحقها تدمير ممنهج يقضى على تاريخها ورونقها. وحين فكر القائمون على مشروع عجلة عين القاهرة في الزمالك (وفي العجلة الندامة، كما قالت الدكتورة جليلة القاضي أستاذة العمارة المرموقة) بعقل مقاولي هدم البيوت القديمة وبناء العمارات المخالفة، فقالوا إنه سيكلف 500 مليون جنيه، لجذب 2.5 مليون سائح، ونسوا أو تناسوا أن حي الزمالك لو تم الحفاظ على رونقه وأعيدت له البهجة وأصبحت فيه ممرات آمنة للمشاة، وأعيد إحياء مقاهيه ومطاعمه القديمة، وحافظنا على ثروته المعمارية والعقارية، وأعدنا كوبري أبوالعلا الرائع، لأصبحنا أمام حي لا يقل عن أجمل أحياء باريس وروما ومدريد، وسيزوره ملايين البشر، سواء أُنشئت فيه عجلة عين القاهرة أم لا.
لماذا كل هذا الغموض؟
تصوروا أننا على مدار أسبوعين كاملين نحاول الحصول على إجابة من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي حول امتحانات نصف العام الدراسي. تقول دينا عبد الكريم في “المصري اليوم”، حاولنا أعنى، أولياء الأمور، المعلمين، البرلمان، الإعلام، كل هذه الجهات فشلت في الحصول على إجابة واضحة أو خريطة طريق لما سيحدث خلال 20 يومًا من الآن. والحقيقة أن وزارة التعليم اتسمت «بعدم الرد» أصلًا لعدم وجود متحدث إعلامي، تلك الوزارة النشيطة التي رغم عظمة ما تقدمه من رؤى، والنقلة النوعية في طرق وأساليب التعلم، لكن ينقصها دائمًا احترام آليات التواصل والشرح القريب والمفهوم للناس، فالمعنيون بأخبارها دائماً في حالة تساؤل أو غضب، وهو أمر يضر كل جهد مخلص تقدمه. أما وزارة التعليم العالي فتميزت بالتواصل الجيد مع الإعلام، ولم يبخل المتحدث الإعلامي في محاولة الإجابة عن السؤال البسيط (موعد الامتحان وطريقته؟)، لكن يبدو أننا نحاول التواصل في معلومة لا يملكها أحد. وهنا مربط الفرس.. ماذا حدث للحكومة، التي أبهرنا أسلوبها العلمي في التعامل مع الموجة الأولى لفيروس كورونا؟ ماذا حدث للتنظيم الجيد والإعداد المسبق لسيناريوهات وخطط لاستمرار عجلة الحياة، والتعلم أو حتى قرار واضح بتوقفها.. هل بعد مرور عام كامل على الوباء مازلنا لا نملك سبل التخطيط لتداعياته المُتوقَّعة، بل الحادثة بالفعل؟ غياب المعلومة أمر جلل، يؤسفنى أن أشارككم أن غياب المعلومة يولّد الغضب، وأن الجملة التي تتكرر كتصريح من كلتا الوزارتين تبدو أنها علمية ومنمقة تولد التخبط أيضا: «لن تجري الامتحانات إلا في ظروف صحية آمنة»، إنها جملة عظيمة لكنها مطاطة وغير واضحة.. ماذا تعني.. هل ستجري الامتحانات؟ أم سيتم إلغاؤها؟ هل ستجرى إلكترونيا أم بالحضور؟ ما التصور إن زادت الأعداد؟ ما الرؤية إن انخفضت الأعداد؟ وأي أعداد تقصدون.. الأعداد الرسمية؟ أم أعداد الأرض والمستشفيات والمنازل؟ ما كل هذا الغموض؟ بالمناسبة.. الوباء ليس عاراً، بل حتى انتشاره ليس مسؤوليتكم وحدكم، فنحن شركاء، بل حتى تأخر اللقاح ليس مفاجئاً، فالكل يعلم كيف تعمل الدول المتوحشة اقتصاديا في مسألة الاستئثار بإنتاج اللقاح لمواطنيها.. كل ما نريده الوضوح واحترام المواطن وحياته وترتيباته، بل حتى أسئلته مهما بدت ساذجة. نعم أنتم تصرحون بأن الامتحان ليس الهدف الوحيد من العملية التعليمية. أوافق. لكن أليس الامتحان جزءًا من آلية التقييم، أليس من حق متلقي الخدمة اليوم أن يعرف مصيره بها خلال شهر أو أسبوع أو عام؟ الحقيقة أننا مهما حاولنا التماس الأعذار بسبب ضبابية الوضع، فلا أجد عذرا لغياب المعلومة ولا أجد عذرًا لتخبط المنظومة التعليمية بهذا الشكل، أكملوا كما بدأتم، أكملوا كما يليق بطلابنا، وأحسنوا احترام الناس وأسئلتهم، فهم القوام لكل شيء.
مخاوف مشروعة
مش كل مرة تسلم الجرة، استشهد الدكتور أحمد الصاوي في “المشهد” بهذا المثل الشعبي ليذكر حكومة الدكتور مدبولي بأنه كان عليها قبل أن تعلن قرار تصفية مصنع الحديد والصلب في حلوان، أن تدرك بأن ثمة تبدلات وتحولات قد وقعت، ولو تأملتها ما أقدمت على هذه الخطوة ولما ارتكب وزير قطاع الأعمال هشام توفيق حماقة الزعم، أن المصنع لا يساوي أكتر من “عشرة صاغ”، كما صرح مؤخراً، والتي يبدو أنها بمثابة “القشة التي قصمت ظهر البعير”، واستنفرت الكثيرين على تباين مواقفهم من “النظام”، بل حتى من تجربة القطاع العام. أكد الكاتب على أن الاقتصاد المصري اليوم يتحكم فيه القطاع الخاص بنسبة 90% وذلك ليس بسبب “شطارة أو عبقرية” رجال الأعمال، ولكن نتيجة لسياسة الخصخصة التي أجبرنا الثنائي الدولي “الصندوق والبنك” عليها، بعد الاستدانة الكثيفة منهما، لكن ما الذي تغير بعد أقل من نصف قرن من تطبيق روشتة الصندوق والبنك الدوليين؟ وضعنا الكاتب أمام متغيرين مهمين، الأول حول موقف قوى العمل من عمليات التصفية (بالخصخصة أو بدونها) حيث نجد تراجعا نهائيا في قدرة الحكومة على تفريق مواقف قوى العمل من عملية نقل الملكية العامة بعدما رأى الجميع “رأس الذئب الطائر” يتجسد أمامهم مع انهيار أحلام الذين قبلوا بالمعاش المبكر في الثراء، والتحول للنشاط الخاص فلا أحلام “التاكسي” و”الكشك” تحققت، ولاسيما مع ارتفاع نسب التضخم، وتعثر فقاعة التنمية العقارية، وارتفاع تكلفة الخدمات الأساسية. اليوم تدرك قوى العمل (أصحاب الياقات البيضاء قبل الزرقاء) أن لا خلاص فردي لهم فالطريق مسدود إلا في اتجاه البطالة.
فلاسفة الغبراء
التغيير الثاني الذي أشار اليه الدكتور أحمد الصاوي، يتصل بطبيعة بنية الحكومة، فحكومات ما قبل يناير/كانون الثاني 2011 تحولت تدريجيا من حكومات “تنفذ” اتفاقات الصندوق والبنك إلى حكومات “زواج خلاسي” بين تنفيذيين ورجال أعمال عبر علاقات تصاهر وشراكات خفية، قبل أن تنتهي إلى أن تصبح حكومة “رجال أعمال” تستخدم مسؤولين تنفيذيين. وعبر تلك التحولات كان يتم الدفع بقوة وعبر علاقات قرابية (وزير قطاع الأعمال هو أحد نواتجها) بكل الذين يسوغون ويدافعون عن”الخصخصة” كخيار حتمي ووحيد ليصبحوا “فلاسفة الغبراء” و”خبراء الاقتصاد” وجلهم بدون معارف أكاديمية تؤهلهم لتدبيج “الهراء” حول “الخصخصة” ومن نال منهم شهادة أكاديمية تكتشف كل يوم أنها كانت كندية أو أمريكية، وعبر المنح الدراسية التي قدمت في إطار برامج التعاون الملحقة باتفاقات الصندوق والبنك الدوليين، بالأدق جرى خلق صف أمامي هجومي من وزراء، جاءوا من عالم الأعمال في الهزيع الأخير من رئاسة مبارك، وصف ثان من “التكنوقراط” أصحاب الياقات البيضاء والرطانات الأجنبية، محملين بكل مقولات الليبرالية الجديدة وأيضا مكبلين بعلاقات المصالح مع “الرأسمالية المولودة سفاحا”، يرى الكاتب أن الموقف من تصفية مصنع الحديد والصلب يختلف عن كل عمليات الخصخصة السابقة، لأنه لا يصنف ضمن خانة “نقل” الملكية، ولكن ضمن لائحة “الإزاحة” الكلية وهو يصب في مصلحة شركات مثل “عز” ووكالات تستورد الحديد، ويجعلها في وضع احتكاري، وهو أمر يثير قلق قطاع البناء والتشييد بوجه خاص. مصنع حديد حلوان لا يقدم منتجات نهائية للمستهلكين، ولكنه يوفر منتجات وسيطة لمصنعين آخرين، ولو اختفى هذا المصنع ستصبح هذه المصانع تحت رحمة “الاحتكارات” الداخلية أو الخارجية على حد سواء. ناهيك من تأثيرات اختفاء المصنع على مستقبل “الصناعات العسكرية” والاستراتيجية.
بؤساء بغداد
اهتم الدكتور محمود خليل في “الوطن” بما تشهده أسواق الملابس المستعملة في ساحة الطيران وسط العاصمة بغداد: “تزاحم عدد من المواطنين العراقيين، كل يبحث عن حاجته وحاجة أطفاله من الملابس الثقيلة التي تقيهم من قسوة البرد. الحياة قاسية.. والمواطن العراقي يعاني الأمرّين في الحصول على المال. فرص العمل محدودة، وسعر العملة المحلية «الدينار» يواصل التدني أمام الدولار، مع نهاية كل شهر لا يعلم الموظف هناك، هل سيقبض راتبه أم لا، الخدمات والمرافق من كهرباء وماء في أسوأ حال. سوق الملابس المستعملة في ساحة الطيران جسد كبير تتشكل خلاياه من الفقراء، الذين عبثت العديد من الأطراف الداخلية والخارجية بهم. أغلب الباعة هناك لا يملكون محلات لعرض بضاعتهم، فيكتفون بما يطلقون عليه «البسطات» يعرضون عليها الملابس المستعملة.. والبسطات تشبه «الفرشات» التي تجدها شائعة في أسواق العتبة والموسكي في مصر. لا يربح الباعة إلا القليل، لأن الزبون هو الآخر لا يملك إلا القليل.. كل شيء في السوق مستعمل.. الملابس والمال وحتى المواطن الذي يبيع أو يشتري يصح أن تصفه بـ«المستعمل». «المواطن المستعمل» هو ببساطة إنسان دهسته الحياة وحرمته من أدنى حقوقه كإنسان، فلا مال ولا عمل ولا نور ولا مياه ولا حماية.. هو في نظر الكثيرين مجرد رقم، لا اسم له ولا عنوان. كان المواطنون المستعملون يتزاحمون كالعادة في سوق الطيران، عندما أقدم انتحاري على تفجير نفسه بينهم فسقط عدد منهم ما بين قتيل وجريح، تجمّع آخرون كانوا على مبعدة من موقع التفجير ليستطلعوا ما حدث، فإذا بانتحاري آخر يفجر نفسه بينهم.. لا يفصل ما بين المواطن المستعمل الذي كان يأسى على زميله في الاستعمال والسقوط في المصير نفسه سوى لحظات. المسؤولون خرجوا بعد التفجير المزدوج يشنفون آذان المستعملين بأن ضحايا التفجير بلغوا أكثر من 30 قتيلاً وما يزيد على 100 جريح. مجرد رقم.. كذلك حال المواطن المستعمل. يقول الخبراء أن من الصعوبة بمكان منع مثل هذه التفجيرات التي تستهدف بعض النقاط الرخوة التي يمكن النفاذ إليها بسهولة، وتنفيذ عمليات إرهابية بداخلها، ومصدر الرخاوة هنا يتعلق بعدم التأمين، وعدم التأمين يرتبط بالنظرة إلى المواطن. فالمواطن داخل المنطقة الخضراء في العراق «مواطن أصلي»، وبالتالي يحظى بالحماية، أما المواطن في سوق الطيران فـ«مستعمل» أو «رخو» مثل المنطقة التي يقبع فيها، وبالتالي فلا داعي لحمايته
أول ما فعله الرئيس
أول ما فعله الرئيس الأمريكي جو بايدن، حينما دخل مكتبه في البيت الأبيض للمرة الأولى مساء الأربعاء الماضي، حسبما قال عماد الدين حسين في “الشروق”، إنه استبعد تمثالا كان يضعه سلفه دونالد ترامب، للسياسي البريطانى الشهير ونستون تشرشل، ووضع بدلا منه تمثالا لرأس الزعيم العمالي والناشط في الحقوق المدنية سيزاز تشافيز، مؤسس الجمعية الوطنية للعاملين في المزارع عام 1969، الذي كرّس حياته للدفاع عن حقوق المزارعين وأجورهم. بايدن هو من طلب وضع هذا التمثال، وهو ما يكشف جانبا كبيرا من تفكيره، في حين أن ترامب كان يدافع عن مصالح الطبقات الأكثر ثراءً، بمن فيهم كبار ملاك الأراضي، وليس عن المزارعين الأجراء. ولذلك فإن نجل تشافيز قال إن هذه الخطوة لها دلالة رمزية مهمة وتعبر عن «ولادة الأمل من جديد للأمة الأمريكية”. حينما دخل ترامب البيت الأبيض قبل 4 سنوات، أزال تمثالا للزعيم الأمريكى من أصول افريقية مارتن لوثر كينغ، ووضع رأس تشرشل بدلا منه، لكن تمثال كينغ سيعود مرة أخرى مع بايدن، إضافة إلى تمثال آخر للرئيس الأمريكي رقم 35 جون كينيدي، علما أن بايدن وكينيدي هما الرئيسان الوحيدان بين رؤساء الولايات المتحدة الكاثوليك، خلافا لبقية الرؤساء البروتستانت. من الفروق التي تعكس اختلافا في الذوق، فإن ترامب كان يضع ستائر ذهبية في المكتب البيضاوي، في حين أن بايدن استبدلها بستائر داكنة، كانت موجودة من أيام الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون. في المعنى نفسه كان ترامب يضع على مكتبه صورة للرئىيس الأسبق أندرو جاكسون، وهو الرئيس الذي كان متهما بأنه يكسب المال من سخرة العمال، ومات عدد كبير من سكان أمريكا الأصليين خلال فترة ولايته. بايدن أزال هذه الصورة ووضع بدلا منها صورا لرؤساء سابقين مثل فرانكلين روزفلت وتوماس جيفرسون وإبراهام لنكولن. هذه الفروق التي وردت في تقرير لصحيفة «صن البريطانية» ليست مجرد فروق شكلية، كما يعتقد البعض، لكنها تكشف إلى حد كبير عن فروق جوهرية في الانتماءات والانحيازات والتوجهات والميول، وبالتالي يمكنها أن تقدم لنا صورة واضحة عن الشخصية.
التخلص من إرث ترامب
ويواصل عماد الدين حسين تبيان الفروق بين ترامب وبايدن قائلا: “من بين هذه الفروق أن ترامب كان يحتقر الإعلام والصحافة والصحافيين، وكان دائم التسفيه وتوجيه الاتهامات لهم، حتى للوسائل التي كانت محسوبة على معسكره اليميني، مثل قناة “فوكس نيوز”، لمجرد أنها لم تتبن وجهة نظره الكاملة في أي قضية، وهاجمها بشدة حينما رفضت زعمه بأن الانتخابات تم تزويرها. في طريقة لأداء القسم أسرع بايدن للترحيب بأحد المراسلين المصطفين على جانب الممشى. هو كان يريد أن يبعث رسالة، أن صحته جيدة جدا، وأنه قادر على الهرولة، وليس مريضا أو مصابا بالزهايمر كما يروج البعض، لكن الأهم أنه بعث برسالة ترحيبية لمجتمع الصحافيين، في حين أن سلفه وصل به الأمر إلى طرد مراسل “سي أن أن”، الذي عاد مرة أخرى للبيت الأبيض بحكم قضائي. احترام بايدن للصحافة تجلى أيضا في اللحظات الأولى لدخوله البيت الأبيض، حينما دعا عددا كبيرا من المراسلين لمكتبه ليشهدوا مراسم توقيعه على الأوامر التنفيذية الجديدة، التى تلغي قرارات جوهرية أصدرها ترامب. مثل العودة لاتفاقية المناخ وعضوية منظمة الصحة العالمية، ووقف بناء السور الفاصل في المكسيك، ووقف منع مواطني 7 دول إسلامية من دخول أمريكا. من بين الفروق ذات المغزى حتى في المشروبات، وطبقا لما ذكرته صحيفة «The Hill» أن بايدن ألغى «الزر الأحمر» الذي كان يقوم ترامب بالضغط عليه لاستدعاء أحد الموظفين، لتقديم مشروب «الدايت كولا» الذي كان يستهلك منه 12 علبة يوميا! هل يعني كل ما سبق أن بايدن سيعيد أمريكا لتصبح جنة؟ الإجابة هي لا، لأن أمريكا لم تكن جنة قبل ترامب، لكن من المحتمل أن بايدن سيعيدها دولة طبيعية. هو انتصر للديمقراطية واحترام الدستور والحريات والتنوع، وسيحاول التخلص من إرث ترامب الذي كاد أن يحول أمريكا إلى جحيم حقيقي. وإذا تمكن بايدن وإدارته من فعل ذلك، سيكون قد أدى عملا عظيما، لكن إزالة الإرث الترامبي ليس أمرا سهلا، ويحتاج إلى جهد كبير ومستمر، وقد بدأه بايدن بالقرارات التنفيذية”.