تنتظر الرباط من مدريد وباريس إعلان موقف مؤيد للمغرب في نزاع الصحراء على شاكلة الولايات المتحدة بعدما أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب اعترافه بمغربية هذه المنطقة، لكن قيودا تتحكم في البلدين وخاصة فرنسا التي تجد نفسها مكبلة بالفيتو الذي تتمتع به في مجلس الأمن ويتطلب اتفاقا أوروبيا حول ملف مطروح على أنظار هذه المنظمة الدولية.
مدريد تصر على حيادها
وفي هذا الصدد، نشرت جريدة الباييس نهاية الأسبوع مقالا بعنوان “المغرب يحاول دفع إسبانيا إلى تغيير موقفها من الصحراء”، تبرز فيه الضغوطات التي يمارسها المغرب على إسبانيا لكي تعترف بمغربية الصحراء الغربية. وترى الجريدة في تأجيل القمة الثنائية على مستوى البلدين التي كانت مبرمجة خلال ديسمبر الماضي ثم فبراير الجاري وجرى تأجيلها مجددا مؤشرا يدخل في إطار هذا الضغط.
وتنقل الجريدة عن مصادر دبلوماسية صعوبة تغيير مدريد لموقفها الحالي وتؤكد على استمرار تشبثها بالموقف الكلاسيكي وهو البحث عن موقف عادل ومتفق عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو مع التركيز حاليا على تعيين الأمم المتحدة لمبعوث خاص للأمين العام لتحريك المفاوضات الخاصة بالنزاع. ويجد منصب المبعوث الخاص شاغرا منذ 2019 بعدما قدم الألماني كوهلر استقالته.
وكانت مدريد قد تحفظت على اعتراف ترامب بمغربية الصحراء وطالبته بالتراجع عن هذا الموقف والالتزام بموقف الأمم المتحدة، مما أثار غضب المغرب.
حق الفيتو يكبل الموقف الفرنسي
وفي الوقت ذاته، تستمر التساؤلات حول الموقف الفرنسي. وتعتبر باريس أكثر دفاعا عن مغربية الصحراء من خلال الإشادة بمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، ولكنها التزمت الصمت الرسمي بشأن إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب مغربية الصحراء يوم 10 ديسمبر الماضي. ويثير الموقف حفيظة سلطات الرباط ودهشة الرأي العام الذي يعتبر فرنسا دولة حليفة خاصة في هذا النزاع.
وكانت تحاليل سياسية تناولتها جريدة “القدس العربي” تؤكد هيمنة ما هو إقليمي بشأن اعتراف فرنسا، إذ لا ترغب في إثارة غضب الجزائر شأنها شأن إسبانيا التي تأخذ بعين الاعتبار الموقف الجزائري مزودها الرئيسي بالغاز، كما يوجد عامل آخر يتعلق بالاتحاد الأوروبي.
وصرحت أوساط سياسية مرتبطة بالبرلمان الأوروبي لجريدة “القدس العربي” بأن فرنسا ورغم تأييدها غير العلني لمغربية الصحراء وتعد أكبر مدافع عن مصالح المغرب في مؤسسات الاتحاد الأوروبي لم تقدم على الاعتراف العلني بمغربية الصحراء، وذلك نظرا لغياب موقف أوروبي موحد حول هذا الملف.
وتؤكد فرنسا أنها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تتوفر على حق الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “وتدرك باريس بوجود الفارق بين المواقف الخاصة بدبلوماسيتها وعلاقاتها الخارجية ثم المواقف التي تكون فيها بمثابة الناطق باسم الدول الأوروبية وأساسا تلك المطروحة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مثل ملف الصحراء”.
وتبرز هذه المصادر أنه “طالما لم تبلور دول الاتحاد الأوروبي موقفا واضحا بشأن تطورات الصحراء لن تقدم فرنسا على الاعتراف العلني بمغربية هذه المنطقة، كما تنتظر رفقة باقي الدول الموقف الذي سيتخذه الرئيس جو بايدن، هل سيبقي على موقف ترامب هل سيلغيه أم سيضع شروطا منها جدول زمني واضح لتطبيق المغرب حكما ذاتيا متقدما للمنطقة”.
ويوجد انقسام وسط الاتحاد الأوروبي بشأن نزاع الصحراء، بين دول تؤكد موقف المغرب مثل فرنسا، وأخرى تنهج الغموض مثل إسبانيا وأخرى تؤكد على استفتاء تقرير المصير وهي دول شمال أوروبا مثل السويد وهولندا وإيرلندا. ويشكل المصادقة على بعض الاتفاقيات في البرلمان الأوروبي ومجلس الوزراء ومنها اتفاقية الصيد البحري مناسبة لتجلي هذا الاختلاف، حيث عادة ما تصر دول شمال أوروبا على تمييز مياه الصحراء عن باقي مياه المغرب.
وراجعت الإدارة الأمريكية الجديدة عددا من مواقف ترامب ومنها تلك المتعلقة بالإمارات العربية والسعودية مثل التشديد على أجندة حقوق الإنسان وتجميد صفقات الأسلحة ثم إزالة حركة الحوثيين من لائحة الإرهاب، والمطالبة بانسحاب روسيا وتركيا من ليبيا، لكنها لم تتطرق بشكل مباشر الى ملف الصحراء لأنه لا يشكل أولوية. وكانت الإشارة الوحيدة هي التي صدرت عن وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأن اتفاقيات “أبراهام” التي عقدتها إسرائيل مع دول عربية تحت إشراف إدارة ترامب تخالف الأعراف الدولية، مستدلا بنزاع الصحراء.
وقد تعلن واشنطن عن موقفها الرسمي سواء بالاستمرار في دعم مغربية الصحراء أو التراجع عن القرار عندما سيعالج مجلس الأمن الدولي هذا الملف. وسينتج عن أي قرار تتخذه توجيه دول الاتحاد الأوروبي نحو هذا القرار أو ذاك