دخلت العلاقات بين الرباط ومدريد مرحلة من التوتر “العميق” بسبب الأحداث الأخيرة المرتبطة بنزاع الصحراء والهجرة، ومن الصعب استعادة مستوى الحوار السابق بسبب اتخاذ البلدين إجراءات تدل على غياب الثقة ومنها من الجانب الإسباني مناورات شبه عسكرية بالقرب من مياه الحسيمة في الشمال المغربي والسعي إلى إدانة المغرب في البرلمان الأوروبي.
وتعود هذه الأزمة إلى موقف إسبانيا المعارض لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء ثم استقبالها لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي للعلاج من الكوفيد-19، مما دفع بالمغرب إلى سحب سفيرته من مدريد والتقليل من مراقبة الحدود، الأمر الذي أدى إلى دخول عشرة آلاف مغربي لمدينة سبتة المحتلة.
البرلمان وإدانة المغرب
وعلاقة بنقطة البرلمان الأوروبي، فقد تقدم نواب أحزاب إسبانية وبدعم من أخرى أوروبية في البرلمان الأوروبي بمشروع إدانة المغرب بسبب ما يعتبرونه توظيف الأطفال في اقتحام سبتة ومليلية منذ قرابة ثلاثة أسابيع. وسيصوت البرلمان الأوروبي الخميس المقبل على مشروع القرار. وإذا تمت إدانة المغرب، ستكون لأول مرة منذ أكثر ربع قرن عندما كان البرلمان قد ضغط على المغرب في حقوق الإنسان في بداية التسعينات عندما كان في الحكم الملك الحسن الثاني. وعلقت جريدة هسبرس المغربية على هذا الإجراء بمقال معنون بـ”نواب إسبان في البرلمان الأوروبي يستغلون ملف الهجرة لإدانة المغرب في البرلمان الأوروبي”.
وتوجد للبرلمان الأوروبي والحكومات الأوروبية حساسية خاصة من الهجرة بعد ما عانت الكثير من توظيف تركيا لهذه الورقة. وانتقدت عدد من العواصم الرباط بسبب هجرة القاصرين نحو سبتة منذ ثلاثة أيام ودعمت إسبانيا في هذا النزاع.
ورغم وقوع انفراج طفيف في العلاقات بين الطرفين بعد مغادرة زعيم البوليساريو إبراهيم غالي إسبانيا حيث خضع للعلاج من الكوفيد-19 ثم تأكيد مدريد على اعتبار المغرب شريكا استراتيجيا، علاوة على قرار الملك محمد السادس استعادة القاصرين المغاربة غير المرافقين المتواجدين في أوروبا، تستمر الأحزاب السياسية الإسبانية في تقديم مشروع إدانة المغرب في البرلمان الأوروبي بسبب أحداث سبتة.
دعم لوجستي عسكري
ودائما في إطار إجراءات غياب الثقة، قامت البحرية الحربية الإسبانية هذ الأيام بنشر شريط فيديو في “تويتر” يتضمن ما يشبه مناورات ودعم لوجيستي لتواجدها العسكري في جزيرة الحسيمة أو النكور، وهي الجزيرة التي تبعد بـ300 متر من ساحل مدينة الحسيمة في الريف المغربي، وتحتلها إسبانيا منذ فترة طويلة. وفي عز الأزمة، أرسلت البحرية الإسبانية منذ أيام سفينة حربية للدعم اللوجيستي والحربي وطائرة مروحية من نوع شينوك.
وكتبت صحف مثل آ بي سي المحافظة “البحرية الحربية تستعرض قوتها في الصخور السيادية في شمال إفريقيا”. وكتبت صحيفة أوكي دياريو أن البحرية الحربية بنشرها الفيديو أرادت “إرسال خطاب حول إسبانية الصخور ومنها صخرة الحسيمة”، بينما كتبت صحيفة آ بي سي منذ أيام وعلق موقع رقمي في الفايسبوك يهتم بشؤون وأخبار الجيش المغربي وينفرد بأخبار هامة (موقع غير رسمي للجيش) بما يلي “تلقينا باشمئزاز كبير خبر قيام الجيش الاسباني بمناورات عسكرية بسواحل الجزر المحتلة بالقرب من مدينة الحسيمة المغربية تحت مسمى حملة دعم التواجد الاسباني بشمال أفريقيا.. إسبانيا تحاول بشتى الطرق بلوغ خط اللاعودة في علاقاتها مع المغرب وستكون الضحية الوحيدة لذلك”.
ويقوم الجيش الإسباني بشكل روتيني بنقل الدعم اللوجيستي من معدات ومواد غذائية وماء إلى هذه الصخرة دون الإعلان عن ذلك، ومن المحتمل أن إقدام الحكومة الإسبانية بالترخيص بنشر هذا العمل اللوجستي العسكري واستعمال سفينة حربية يأتي تخوفا من تكرار سيناريو جزيرة ثورة صيف 2002، عندما وقع نزاع بين البلدين حول السيادة على جزيرة صغيرة بالقرب من شاطئ المغرب المطل على مضيق جبل طارق.
وفي عز الأزمة، أعلنت حكومة مدريد عن مخطط خاص بحماية سبتة ومليلية المحتلتين ضمن مخطط شامل للأمن القومي الخاص لإسبانيا. كما يحدث بالتزامن الحديث عن ارتفاع القدرات العسكرية المغربية خلال السنوات الأخيرة ومدى تأثيره على التفوق العسكري الإسباني.
ويذهب تيار وسط المؤسسة العامة الإسبانية، أي الجيش والدبلوماسية والحكومة والأحزاب بأن الأزمة الأخيرة بين البلدين وخاصة اقتحام المغاربة لمدينة سبتة يهدف إلى مخطط يتعلق بالتمهيد لطرح سبتة ومليلية لتصفية الاستعمار بعد اقتراب المغرب من حسم نزاع الصحراء.
وتأتي هذه التطورات لتبرز غياب الثقة بين الجانبين، وهو ما جعل دبلوماسية الرباط تؤكد في أكثر من بيان وتصريح لها بأن “الثقة أصبحت مفقودة بين البلدين”.