انتقل الى رحمة الله تعالى مساء امس الاحد الساعة السابعة مساءا
والفقيد حمودي ولد اهداية والد الاستاذ كابر ولد حمودي فقد فقدت موريتانيا علما من اعلامها ,فهو فقيد القرءان والعلم المعرفة في البلد من الذين نذروا أنفسهم لخدمة القرءان الكريم تلاوتا وتجويدا وتدريسا ,
كان زاهدا في متاع الدنيا، مخلِصا في تعليمه لكلام رب العالمين، ذا صوت نَديٍّ، لا زالت نبرة صوته الشجي تصدح في أذني طلبته.
خَصّص حياته كلَّها لتعليم القرآن، استفاد منه جميع طبقات المجتمع، من مثقف وطبيب ومهندس وأستاذ وحِرفيّ، ولا أبالغ إن قُلتُ أن عدد طلبةِ الشيخ يفوق المئات .
كان حافظا لكتاب الله حِفظا متقنا، رسما وضبطا، ماهرا به، مجوِّدا لحروفه، متَّبعا لأوامره، منتهيا عن نواهيه.
«ودَّع أهل القرآن في موريتانيا علما شامخا في سماء التلاوة، وشيخا نحريرا وهب نفسه لتدريس القرآن، تخرج على يديه قراء وحفظة لا يحصون،.فقد كان رحمه الله شديد الورع والتقوى، زاهدا في الدنيا وأهلها، محبا للقرآن، متواضعا..
الحقيقة أن المصاب به فت الأعضاد، وفتت الأكباد، فنسأل الله أن يغفر له ويرحمه، وأن يسكنه فسيح جناته، ويحشره مع النبيئين والصديقين والشهداء، وأن يرفع مقامه في الجنة عدد ما تلاه عليه طلبته حرفا حرفا، وأن يرزق أهله الصبر».
فإن موتَ حملة القرءان والعلماء مصيبةٌ من المصائب العظيمة التي تنزل بالأمة، وإن ذهاب الصالحين وفقدانهم لمِن أعظم الكوارث، ذلك لأن صلاحهم وعلمهم وخيرهم يعم الناس جميعا، فإذا ذهبوا فقدت الأرض من كان ينشر فيها العلم والصلاح، فتَحنّ الأرض إلى رجال العلم والفضل، كما تحن إلى الأمطار، فأهل العلم والفضل، والخير والصلاح، بمثابة الأوتاد في هذه الحياة، ولا يعلم قدر ذهاب أهل العلم إلا العلماء، ولا يقدر ثمن وجودهم في هذه الدنيا إلا أولوا البصيرة من الناس. ولذلك قالوا: موت العالم ثلمة.
وتخليدا لذكر علمائنا، وتسجيلا لمآثرهم، واعترافا بمجهودهم، وإقرارا بفضلهم، وحفاظا للعهد والود، دَأَبَ علماءُ الإسلام على كتابة أعمالهم الجليلة، وما جادت به قرائحهم، في تراجم تعد ناطقة بمآثرهم، تربط الأجيال ببعضها البعض، وتبقى دليلا وشاهدا على ما قدمه السلف للخلف،..
وما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جُلُّه، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
إن أعظم ما كان يتميز به الوالد الفاضل حمودي ولد اهداية رحمه الله عليه إخلاصه في عمله، وتفانيه في تحفيظ القرآن الكريم وتلقين قواعد التجويد ومبادئه لكل طلبته،.
منها: أنه منذ صغره وهو في محراب القرآن الكريم وفي حضرته، ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، صبحا وعشيا، صحة ومرضا، وبجد واجتهاد، وتفان وإتقان، لا يعرف الكلل، ولا يتسرب إليه الملل، وباعتباري ممن جالسه مرات عديدة
رحمه الله لم يكن يذكر لك أمور الدنيا قطعا، أو أن يتحدث عن هموم الحياة بل كا ن يوصي بالتقوي ومخافة الله في السر والعلن
مما كان يتميز به رحمه الله أنه كان قريبا من الناس، في الشارع، وفي السوق، وفي الجامع واللقاءات، فقد وضع الله له القبول في الأرض، وأعطاه الله تعالى قدرة كبيرة في استيعاب معظم طبقات المجتمع، ويستطيع أن يتعامل مع كل الأطياف والمشارب، وأن يعطي لكل ذي حق حقّه من اللطافة والمزاح،
فرحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنان، وجعل الله القرآن العظيم في قبره مؤنسا، وعلى الصراط نورا، وإلى الجنة رفيقا، وفي القيامة شفيعا، كما نسأله أن يجزيه عن طلبته وعن الإسلام والمسلمين دخول الجنة، ومرافقة الأنبياء، وورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
أخلاقه رحمه الله
أقول بصدق: كان خلقه القرآن، كان قرآنا يمشي فوق الأرض، قرآنا يمشي تعلمنا منه التواضع، والحلم، والحكمة، والصبر، والصدق، والإخلاص، والوفاء، والعزيمة، والتوكل على الله، والمحبة، والحنان، والرفق، والكلمة الطيبة، وخلق عظيم وجميل.
الحقيقة أنني حينما أتأمل في شخصه أجده قد شرب القرآن، وحُق عليه وصف الإمام الشاطبي رحمه الله:
بِنَفسِي مَنِ اسْتَهْدَىَ إلى اللهِ وَحْدَهُ وَكانَ لَــــهُ الْقُرْآنُ شِرْباً وَمَغْسِلاَ
وَطَــــابَتْ عَلَيْهِ أَرْضُــهُ فَتفَتَّقَتْ بِكُلِّ عَبِيرٍ حِينَ أَصْبَحَ مُخْضَلاَ
فَطُوبى لَهُ وَالشَّوْقُ يَبْعَثُ هَمَّهُ وَزَنْدُ الْأَسَى يَهْتَاجُ فِي الْقَلْبِ مُشْعِلاَ
هُوَ المُجْتَبَى يَغْدُو عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ قَرِيباً غَرِيباً مُسْتَمَالاً مُؤَمَّلاَ
الياس محمد ولد ألمين