العلاقة بين حرية التعبيروحماية الرموز الوطنية أوالسلطة بأنواعها علاقة ملتبسة شهدت على مر تاريخ البلد شدًا وجذبًا تبادل خلاله كل منهما موقع القوة بناءً على المعطيات التاريخية والسياسية والاجتماعية والدينية، فتارة يتمكن السياسيون والكتاب والصحفيون بشكل عام من انتزاع قدر كبير من الحرية والحصول على مناخ مفتوح بدرجات متفاوتة، وتارة تتمكن السلطة بأشكالها المختلفة من فرض كلمتها بدرجات متفاوتة أيضًا تتراوح بين التقنين والتدخل الجزئي تارة وبين المنع والتدخل الشامل تارة أخرى.
في موريتانيا شهدت العلاقة بينهما في السنوات الأخيرة عدة تجاذبات فرضها ربما التطور الذي شهدته البلاد بعد اسلام الريئس محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة ,ووسائل الإعلام من حيث الانتشار، مع سهولة تداول المادة الإعلامية بشكل كبير، الأمر الذي تمخض عن موقفين متباينين، يدعو الأول إلى مناخ مفتوح لوسائل التعبير كافة وإلى رفع سقف الحرية، فيما يدعو الثاني إلى مزيد من التدخل القانوني لفرض ضوابط على عملية التعبير عن الرأي، من خلال القوانين والتشريعات.
آخر حلقات مسلسل الشد والجذب حتى الآن كان مشروع قانون "قانون حماية الرموز الوطنية " الذي صادقت عليه الحكومة مؤخرا وتم تقديمه الي البرلمان,
مشروع القانون الذي تنص مادته الأولى على أنه "يحظر التعرض بالإهانة لأي من الرموز الوطنية كالعلم الوطني والنشيد الوطني وريئس الجمهورية، وذلك وفقًا لما يحدده مفهوم القانون,حيث أثار جدلًا كبيرًا بين مؤيد يراه وسيلة لـ"حماية" الرموزاالوطنية للبلد التي تحظى بمكانة لدى المجتمع، وبين معارض يرى أول ما يرى في المشروع وسيلة لتكميم الأفواه والحد من حرية التعبير. ويأتي مشروع القانون بعد فترة قصيرة من التصريحات التي صدرت من هنا وهناك تمس من هيبة البلد ووحدته ونسجيه الاجتماعي . ".
تبدو مسألة نص مشروع القانون ومدى دقتها والتزامها بما تفترضه النصوص القانونية من دقة وتحديد شديدين نقطة اتفاق بين كل من المؤيدين لمشروع القانون والمعارضين له، فحتى المؤيدون لمشروع القانون من حيث المبدأ كانت لهم تحفظات بشأن دقة النص من حيث هو نص فقهي، من بينهم الكاتب الصحي الياس محمد الذي يقول إنه: "من حيث المبدأ انه مع القانون وضد التطاول ومع ضرورة الانضباط، فأنا ضد التجاوز وضد تشويه الناس وتشويه سمعتهم واحترام الرموز الوطنية لانه من لم يحترم رموز بلده لايحترم نفسه.
لكن هناك مادة ، بما تتضمنه من عقوبات سالبة للحرية، أثارت حفيظة كثيرين من معارضي القانون، وذلك بعد أن واجه عدد من الكتاب والإعلاميين عقوبة السجن بتهمتين سالبتين للحرية سواء " أو "خدش الحياء" وهما التهمتان اللتان يراهما البعض مخالفتين للدستور الموريتاني الذي ينص عل حرية التعبير