تحوّل ملف الصحراء الغربية إلى برميل بارود يهدد استقرار وأمن منطقة شمال أفريقيا، بعدما أصبح محل تجاذبات مقلقة بين الجزائر والمغرب على مستوى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الذي عجز أعضاؤه عن التوصل إلى حل نهائي للقضية.
مواجهات سياسية
وبعد مواجهات سياسية بين البلدين الجارين والداعمين لهما حول التمديد لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية "مينورسو"، وتوسيع مهماتها لتشمل مراقبة وضعية حقوق الإنسان، تسببت في تأجيل بتّ المقترحات، أصدر مجلس الأمن قراره بتجديد ولاية البعثة الأممية، ما أغضب الجزائر التي أعربت عن "عميق أسفها إزاء النهج غير المتوازن كلياً المكرس في هذا النص الذي يفتقر بشدة إلى المسؤولية والتبصر جراء الضغوط المؤسفة الممارسة من قبل بعض أعضاء مؤثرين في المجلس".
تنديد وتحذير
وحذر بيان لوزارة الخارجية الجزائرية من "أي مسعى يتجاهل حق تقرير المصير والاستقلال للشعب الصحراوي، إذ سيكون ظالماً وخطيراً وسيفضي حتماً إلى نتائج عكسية، فضلاً عن أنه سيؤدي لا محالة إلى زيادة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة". وأكدت الخارجية عدم دعمها "هذا القرار المتحيّز الذي من شأنه تشجيع المواقف الابتزازية للدولة المحتلة، وعنادها ومناوراتها الرامية إلى عرقلة وتقويض مسار تصفية استعمار الصحراء الغربية وتغيير طبيعته". وشددت على أنه "انطلاقاً من مبادئها وتضامنها مع الشعب الصحراوي الشقيق، تنتظر الجزائر من المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام (ستافان دي ميستورا) إدراج ولايته حصراً في إطار تنفيذ القرار المتضمن خطة التسوية التي وافق عليها طرفا النزاع، المملكة المغربية وجبهة بوليساريو، واعتمده مجلس الأمن بالإجماع".
إشادة مغربية
في المقابل، أشاد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة "بقرار مهم بالنظر إلى سياقه، يقدم أجوبة مهمة على مناورات الأطراف الأخرى". واعتبر خلال مؤتمر صحافي أن "مجلس الأمن وجّه رسالة قوية لمَن يتحدث عن حرب قائمة بتأكيده أن المجتمع الدولي لا يسمح ولن يسمح بالمس بالاستقرار في هذه المنطقة".
وفي ما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، أشار بوريطة إلى أن "موضوع مينورسو أو حقوق الإنسان لم يُطرح أساساً في هذا القرار، على عكس مسألة تسجيل اللاجئين، ومسؤولية البلد الذي يوجد فيه هؤلاء اللاجئون في منطقة تندوف، والذي تم تأكيده في قرار مجلس الأمن في الفقرة الثامنة، التي تنص على ضرورة إحصاء هؤلاء المحتجزين من أجل حماية حقوقهم من انتهاكات القانون الدولي الإنساني، والسماح لهم بالخروج من مخيمات تندوف".
تناقض بين مكونات حل النزاع
في السياق، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الجزائري فؤاد جدو أن "صياغة القرار الأخير لمجلس الأمن أتت من طرف الولايات المتحدة التي ترى أن المقترح المغربي هو الأكثر قابلية ورفضته روسيا وتونس لأنه يتعارض مع الوضع القانوني والدولي الخاص بالصحراء الغربية". وقال إن "أي مفاوضات تكون خارج مجال تصفية الاستعمار مرفوضة، وهذا ما سيعيق أو يصعّب مهمة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، بخاصة مع إبقاء جبهة بوليساريو خيار الكفاح المسلح قائماً"، مضيفاً أن "الملاحظ في نص القرار الأممي أنه يدعو إلى تقرير مصير شعب الصحراء الغربية بمعنى أنه ينفي حق المغرب عليها، ويؤكد في الوقت ذاته آلية تقرير المصير، وهذا أيضاً متفق عليه، وكذلك تمديد مهمة مينورسو، ألا وهي التحضير لاستفتاء تقرير المصير. وهنا نجد تناقضاً بين المكونات المعنية بحل النزاع في الصحراء الغربية وتحويراً لدور المبعوث الأممي إلى المنطقة".
اعتراف ضمني
من جانبه، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية، المغربي صبري الحو أن "تصويت غالبية الدول على نص القرار الذي صاغته واشنطن، من دون إدخال تعديلات عليه، يُعدّ انتصاراً للدبلوماسية المغربية ولقلم تحرير المسودة، كما يعكس المصداقية التي بات يتمتع بها الطرح المغربي في الأوساط الدولية"، مبرزاً أن "نص القرار يؤكد أن مجلس الأمن أخذ علماً بمقترح الرباط وأشاد بجدية الجهود التي بذلتها المملكة من أجل التوصل إلى حل للنزاع"، ومشيراً إلى أن "نتيجة التصويت على نص القرار تشكل اعترافاً ضمنياً بالطرح المغربي".
مجلس الأمن يقرر... والجزائر تنسحب
وكان مجلس الأمن الدولي صوّت الجمعة 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية لعام آخر، أي حتى 31 أكتوبر 2022. وجاء ذلك وفق ما أعلن رئيس المجلس مارتن كيماني، إذ صوّتت لمصلحة قرار التمديد، 13 دولة عضواً في المجلس، فيما امتنعت روسيا وتونس عن التصويت.
وكانت البعثة الجزائرية لدى الأمم المتحدة أبلغت مجلس الأمن، بـ"انسحاب الجزائر من الطاولة المستديرة حول النزاع، بسبب استغلال النظام المغربي هذه الخطوة لترويج أن الجزائر طرف في الصراع، والتهرب من التزاماته بشأن توفير الظروف لضمان حق الصحراويين في تقرير مصيرهم منذ عام 1991، تاريخ توقيعه التزاماً بتنظيم استفتاء