الاجتماع التطبيعي في النقب الذي جمع أربع دول عربية مع إسرائيل، ليس سوى تعبير عن الأزمة العميقة التي تعاني منها دولة الاحتلال، حيث تستغيث تل أبيب بكل أصدقائها في المنطقة، من أجل معاونتها على تجاوز أزمتها المتزايدة والمتفاقمة، ولا يُمكن قراءة أو فهم اجتماع النقب إلا في هذا السياق.
لا يخفى بطبيعة الحال أن الأنظمة العربية التي هرولت للمشاركة في اجتماع النقب تعيش أزمة مماثلة هي الأخرى، فلديها خشية متزايدة على مستقبلها، خاصة في ظل التطورات الدولية المتسارعة، والتحولات التي يشهدها العالم بسبب حرب أوكرانيا وتبدل مراكز القوى، وظهور روسيا كلاعب له دور أكبر في المنطقة، ولذلك فإن الدول ذاتها اتخذت مواقف أقرب إلى الحياد في الصراع بين روسيا والغرب، بل ذهبت الإمارات إلى أبعد من ذلك بالمسارعة في تحسين العلاقات مع سوريا، على اعتبار أنها الحليف الرئيس لروسيا في المنطقة، في محاولة لكسب ود ورضا القوى البديلة للولايات المتحدة.
ليس مهماً دوافع الدول العربية للمشاركة في اجتماع النقب، لأنها الدوافع ذاتها التي أدت بهذه الدول إلى التطبيع أصلاً مع الاحتلال، وهذا الاجتماع ليس سوى استكمال لإرضاء الإسرائيليين، مقابل الحصول على الحماية منهم. لكن السؤال الأهم: لماذا استدعت إسرائيلُ أصدقاءها في المنطقة؟ وما الذي تريده من هذا الاجتماع؟
تتضح معالم أزمة إسرائيلية خلفتها مواجهة العام الماضي، كما تتضح تدريجياً معالم واقع فلسطيني جديد يبدو أن الاحتلال هو أول من قرأه وفهمه جيداً
واقع الحال إن الاحتلال يواجه أزمة غير مسبوقة منذ معركة «سيف القدس» العام الماضي، والنتائج التي انتهت إليها تلك المعركة، كما أن دوائر صنع القرار الإسرائيلية تعيش حالة من الرعب والقلق منذ شهور، بسبب المخاوف من اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة ومفتوحة تؤدي إلى انهيار كامل لكل ما أسسه الاحتلال على الأرض الفلسطينية خلال العقدين الأخيرين. الرعب الإسرائيلي ليس مرده احتمال اندلاع انتفاضة شاملة، فالإسرائيليون واجهوا انتفاضتين قبل ذلك (الأولى في 1987 والثانية في 2000) وإنما ينبع القلق الإسرائيلي من توقعات بشأن شكل المواجهة المقبلة مع الفلسطينيين، إذ أن الواقع في الأراضي المحتلة تغير تماماً عما كان عليه قبل عقدين من الزمن، وأهم ما في هذا الواقع الجديد، أن الفلسطيني داخل الخط الأخضر، أصبح يتعامل مع نفسه على أنه جزء من المواجهة، وجزء من الأرض المحتلة، وليس جزءاً من الدولة الإسرائيلية، وهذا ما رآه العالم وواجهه الإسرائيليون خلال معركة «سيف القدس» في أيار/ مايو من العام الماضي. يخشى الإسرائيليون إذن من انهيار شامل في الأراضي الفلسطينية، وفي حال حدث ذلك فالمواجهة ستكون مختلفة تماماً عن تلك التي حدثت في انتفاضة الأقصى في عام 2000، إذ في ذلك الوقت كانت دبابات الاحتلال ما تزال في غزة، وحينها كان لدى الفلسطينيين أسلحة خفيفة وليس صواريخ تصل تل أبيب وما بعدها، ويومها كان فلسطينيو الداخل يُطلق عليهم «عرب إسرائيل» وكانوا يتفرجون، أما في العام الماضي فقد شاركوا في المواجهة ولم يسكتوا على الاعتداءات في القدس.
يتأهب الفلسطينيون لاستقبال شهر رمضان، ومن يتابع الإعلام الفلسطيني يعرف أن مدينة القدس خط أحمر، وأن ثمة مصطلح جديد ظهر مؤخراً وهو «معركة سيف القدس 2» وفي المقابل يستعين الإسرائيليون بأصدقائهم من العرب لإجهاض أي مواجهة خلال الشهر الكريم، وبين هذا وذاك تتضح معالم الأزمة الاسرائيلية التي خلفتها مواجهة العام الماضي، كما تتضح تدريجياً معالم واقع فلسطيني جديد يبدو أن الاحتلال هو أول من قرأه وفهمه جيداً