فِي كتاب 'نور البصر في شرح المختصر'، المعروف أيضا بِـ 'إتحاف المقتنع بالقليل في شرح مختصر خليل' للعلامة أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي رحمه الله: <<..وقال الشيخ زروق في أول شرحه للرسالة: وأما الجزولي وابن عمر ومن في معناهما فليس ما ينسب لهم تأليف، وإنما هو تقييد قَيَّده الطلبة زمن الإقراء، فهو يُهدى ولا يعتمد، وقد سمعت أن بعض الشيوخ أفتى بأن من أفتى من التَّقَايِيد يؤدب..>> أ. هـ (ص 253 ـ ط الأولى 2013 ـ دار الرشاد الحديثة ـ الدار البيضاء)..
الكلمات السريعة التي تُلقى في المساجد والمجالس، والتسجيلات الصوتية "الْفُوكَالَاتْ" التي توزع على شبكات التواصل، جوابا لهذا أو تفاعلا مع ذَاك، دون تحضير مسبق، ودون مراجعة أوتبييض، قد ينطبق عليها ما ينطبق على التَّقَايِيد، فلا يصح اعتبارها مواد علمية، يُفْتَى بها، إذ هي أقرب إلى أن تكون للإرشاد والتوجيه، فلا تعتمد..
عِنْدَ الإمام ابن القيم رحمه الله أن الفتوى عامة، وليست خاصة، ففي كتابه: 'إعلام الموقعين عن رب العالمين' في معرض المقارنة بين ما على القاضي وما على المفتي من خطر، قرَّرَ أن: <<..خطر المفتي أعظم من جهة أخرى، فإن فتواه شريعة عامة، تتعلق بالمُسْتَفْتِي وغيره..>>..(إعلام الموقعين عن رب العالمين ـ ج 1 ـ ص 38 ـ ط دار الحديث)..
وعلى القول بأن الفُتْيَا قد تكون أحيانا خاصة بِمُعَيَّن، تبعا لظروفٍ وحالة تخصه، فإنه يلزم توضيح ذلك للمُسْتَفْتِي في نفس الْفُوكَالْ، وإذا حصل ذلك، وكان الفُوكَال على الخاص، فإن نشره وتوزيعه دون إذن صاحبه قد يشكل جريمة انتهاك للحياة الخاصة، طبقا للمادة 3 من القانون رقم 021/2021، المتعلق بحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن، والمادة 24 من القانون رقم 007/2016، المتعلق بالجريمة السيبرانية..
إلى ذلك: النازلة العظيمة التي يكتوي بها عدد كبير من المسلمين، تَحْسُن بها الفتوى الجماعية لا الفردية، قال القاضي أبو بكر بن العربي، رحمه الله: <<..فأما إن وقعت نازلة عظمى بالمسلمين، فلا ينبغي أن يقتصر فيها على عالم واحد، كما كانت الصحابة تفعله، وليسأل عنها كل من يظن أن عنده علما…>>..(كتاب العواصم من القواصم ـ النص الكامل ـ ص 375 ـ ط الأولى دار التراث 1997)..
فلعله إذا اتفق أربعة ـ فأكثر ـ من علماء المسلمين على فُتْيا في معضلة معينة، جاز مع اتفاقهم إعمال الأدب الرفيع الذي اختاره الإمام الذهبي لمعاملة اتفاق الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، قال الذهبي رحمه الله في سياق تعليق بديع: <<..ونَهَابُ أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها بأن الحق في خلافها..>>..(ترجمة الإمام الأوزاعي ـ سير أعلام النبلاء ـ ج 6 ـ ص 547 ـ ط د الحديث)..
وَتَقْصُرُ ـ بلاشك ـ الفتوى الفردية عن مقام هذا الأدب، وجدير بالمفتين تلقين "معجبيهم" ما رُوي عن الإمام مالك رضي الله عنه، فقد رُوي عنه التعليق على بعض فتاويه بالقول: "إنْ نَظُنُّ إلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِين"..(إعلام الموقعين ـ ج 1 ـ ص 43 ـ ط د الحديث)..