يطلق لفظ "العرب" على سكّان بلاد واسعة يتكلمون لغة واحدة تتفرع عنها لهجات متبانية إلا أنها مفهومة، وهذا اللفظ بهذا الاصطلاح المتعارف عليه لا يمكن إرجاعه إلى زمن ضارب في القدم، بيدَ أنَّه بإمكان الباحثين تقريب مدلوله عند إطلاقه مستعينين بالدراسة الساميّة المقارنة[١]، ويرجح بعض العلماء أنَّ سبب إطلاق هذه التسمية عليهم تميّزهم بالبيان والإفصاح وهو الشيء الذي يدلّ عليه اللفظ[٢]، ومهما يكن من شيء فإنّه يمكن تقسيم العرب إلى أقسام ثلاثة، وقد تفرّعت بحسب قربها من اللسان العربيّ الأول وأخذها منه، وهي: عرب بائدة، وعرب عاربة، وعرب مستعربة.[٢]
آلَ جيلُ العرب بعد طوفان نوح إلى العرب العاربة البائدة كطسم والعماليق وجديس وغيرهم من أبناء سام بن نوح، فلمّا هلكوا وانقرضوا صار اسم العرب لقب على من قَرُبَ نسبه من العرب العاربة البائدة وهم حمير وكهلان ونسلهما من العرب المستعربة أبناء عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح؛ أي عرب اليمن، ولمّا تطاول الزمان صار يطلق اسم العرب أيضًا على أبناء إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروخ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ وتحديدًا في نسل ولده إسماعيل الذي تعلّم العربية من جرهم والعماليق المجاورين لهم، فالعرب البائدة وعرب اليمن وعرب الحجاز كلها تؤول إلى جدّ واحد وهو سام بن نوح.[٣]
موطن العرب العاربة والمستعربة
أين عاش العرب العاربة والعرب المستعربة، وهل تلاقوا في أماكن السكنى؟
سيرًا على ما هو مشهورٌ بين علماء النسب والتاريخ من كون العرب العاربة هم أبناء قحطان، فقد اتخذ هؤلاء أرضَ اليمن لهم موطنًا، فلمّا تنبأ الكهّان بانهيار سدّ مأرب ارتحلت أربع قبائل منهم إلى بلاد الشام، وهم: جذام ولخم وعاملة والأزد، فسكنت جميعها بلاد الشام، ومن هؤلاء من نزل ظاهر مكّة وهم خزاعة، ومنهم من نزل المدينة وهم بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع، ومنهم من نزل الشام وهي القبائل التي تنصّرت مثل تغلب وغسّان وغيرها.[٤]
أمَّا العرب المستعربة-على اعتبار ما هو مشهورٌ من كونها عرب الحجاز- فهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام-، وكان النبيّ إبراهيم -عليه السلام- قد هاجر من أرض بابل أرض الكلدانيين إلى مكّة[٥]، وولد فيها ابنه نبيّ الله إسماعيل -عليه السلام- الذي كان يتكلم لغة أبيه وقومه اللغة السُّريانيّة، فلما بلغ أو قارب سنّ البلوغ تعلّم اللغة العربيّة من القبائل التي استوطنت تلك المنطقة كقبيلتي جرهم والعماليق، فتعدّ مكّة موطن العرب المستعربة الأصليّ لهذا السبب.[٦]
أمّا العرب البائدة -وتسمّى في كتب الأنساب والتاريخ القديمة بالعرب العاربة- هم من باد من العرب فقد سكنوا مواضع متفرقة من أرض العرب، فسكنت عادٌ (تيه أبيَن) بين عدن وحضرموت -على الأظهر-، وقيل: دمشق أو الإسكندريّة، وسبب الخلاف في تعيين مكان سكنهم فهو كثرة المباني ذات العماد التي وجدت في تلك البلاد، واستوطنت ثمود وادي القرى، وطسم وجديس اليمامة، وأميم رملَ عالج بين اليمامة والشحر، وعبيل يثربَ، وجرهم مكّة، والعماليق مكّة.[٧]
قبائل العرب العاربة والعرب المستعربة
ما هي القبائل التي تنتسب إلى العرب العاربة، وإلى العرب المستعربة؟
ترجع أنساب قبائل العرب العاربة والمستعربة إلى رجلين يعد كلّ واحد منهما الجدّ الأعلى لقبيلته، فترجع أنساب العرب العاربة إلى سبأ وهو عامر بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وترجع قبائل العرب المستعربة إلى معدّ بن عدنان، وعن هذين الرجلين تفرّعت أنساب العرب جميعها، وقد تكاثر أبناء هذين الرجلين حتى غدا لفروعهم قبائل عظيمة ينتسب إليها الناس[٨]، وبيان ذلك كما يأتي:
قبائل العرب العاربة
تفرعت القبيلة من رجلين هما:[٩]
قبائل العرب العاربة
حمير: وبقي من نسله ثلاثة، وهم:
مالك، وولد له: قضاعة.
الهميسع، وولد له: الأفرع، ومالك.
وائل.
كهلان وولد له:
زيد، ومن نسله: مالك، وقد ولد له:
نبت، ومن نسله: الأزد، وأنمار.
الخيار، ومن نسله: همدان، وألهان.
عريب، ومن نسله أدد بن زيد بن يشجب، ومن نسل أدد:
مذحج.
الأشاعرة.
طيّء.
خولان.
المعافر.
عاملة.
جذام.
لخم.
كندة.
قبائل العرب المستعربة
وتفرَّعت القبيلة من عدنان، وقد ولد لعدنان:[٨]
عكّ
معدّ، وولد له:
إياد
قنص
الضحاك
نزار، وولد له:
أنمار
ربيعة
إياد
مضر، وولد له: قيس عَيلان
إلياس، وولد له:
طابخة واسمه عمرو
قمعة واسمه عمير
مدركة واسمه عامر، وولد له: هذيل، وغالب.
خزيمة، وولد له:
أسد
الهون
كنانة، وولد له:
ملْك
ملْكان
النضر، وولد له:
مالك، وولد له: فهر- وهو قريش-، وولد له:
الحارث
محارب
غالب، وولد له:
تميم
وقيس
لؤي، وولد له:
عامر
عوف
سامة
سعد
الحارث وهو جشم .
كعب، وولد له:
عديّ
هصيص
مُرَّة، وولد له:
تيم
يقظة
كلاب، وولد له:
زهرة
قصي، وولد له:
عبد العزّى
عبد الدار
عبد
عبد مناف، وولد له: هاشم، ولم يبق من عقب هاشم إلّا عبد المطلب.
قد يهمك قراءة هذا المقال: من هم العرب المستعربة.
الفرق بين العاربة والعرب المستعربة
ما الفرق بين العرب العاربة والعرب المستعربة وما أصلهما؟
أمَّا العرب العاربة فأطلقه النسّابة المتقدمون، ويريدون به من باد وهلك من العرب، مثل: جرهم وطسم وجديس وعاد وثمود وأميم وإرم وغيرها، ولم يبق من هؤلاء أحدٌ يمكن له تصحيح نسبه إلى أجداده الأوائل[١٠]، وسُمّيت هذه القبائل بالعاربة لصراحة نسبها في العرب ورسوخها فيها[١١]، ويطلق بعض العلماء هذه التسمية ويريدون بها عرب اليمن وهم أبناء قحطان بن عابر، وتغفل هذه الطائفة من العلماء ذكر العرب البائدة لهلاكها وتوريثها اللسان لعرب اليمن أو عرب الحجاز، وقد كان الخلاف بين النسّابة في تعيين السليل.[١٢]
قد يهمك هذا المقال: من هم العرب البائدة.
العرب المستعربة هم الداخلون في العروبة من بعد عجمة[١٣]، وقد اختلف العلماء في تعيينهم، فقيل: هم عرب الحجاز، وهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم -عليه السلام-، وسموا بذلك؛ لأنّ اللسان العربيّ لم يكن لسانهم الصريح، وإنّما تعلموها من القبائل البائدة كجرهم والعماليق، وقيل: هم عرب اليمن أبناء قحطان بن عابر، وسموا بذلك؛ لأنهم تعلموا اللغة العربيّة من القبائل البائدة التي كانت تسكن اليمن من قبلهم.[١٤]
