أعلن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، المقرر إجراؤها يوم التاسع والعشرين من هذا الشهر، فحتما سيكون برأي المراقبين هو الرئيس المنتخب لمأمورية ثانية دون منازع، ليس لغياب منافسين حقيقيين ، ولا للظروف الاستثنائية والمخاطر التي تحيط بالبلاد من كل حدودها فحسب، ولكن لعدة اعتبارات موضوعية يمكن حصرها في ما يلي:
كورونا إلتهمت نصف العهدة الاولى!
من العدالة أن يحظى الرئيس غزواني بمأمورية ثانية كاملة (خمس سنوات) لتطبيق برنامجه والوفاء بتعهداته الانتخابية مثلما يحصل مع كل الرؤساء في العالم، خاصة أنه جاء بعد تحول جذري مرت به موريتانيا بعد منعرج خطير كاد يهدد أمنها واستقرارها، من طرف دعاة الدوس على الدستور وقرع طبول ، التفرقة التي يغذيها الخطاب العنصري, غير أن الخيار الدستوري الشعبي هو الذي انتصر في النهاية، وأصبح غزواني رئيس للجمهورية بعد العشرية السوداء، غير أن الرجل انتخب في 2019 لكن في 2020 تم فرض الحجر الصحي التام على البلاد بعد ان اجتاحت الجائحة الصحية كوفيد 19 العالم كله، في مأساة كبيرة حصدت الملايين من الارواح، وإستمر الحجر الصحي على البلاد أكثر من سنتين وشل تقريبا عمل أغلب القطاعات، ومن الطبيعي أن يتأثر القطاع الاقتصادي وتتعطل عجلة التنمية وتؤجل المشاريع التي وعد بها الرئيس كل هذه المدة حفاظا على صحة الموريتانيين ، وتركزت جهود الدولة حينها في الحفاظ على حياة الناس والتقليل من الآثار الجانبية لهذه الجائحة من خلال توفير العلاج وأجهزة التنفس والاوكسيجين بالإضافة في اقتناء اللقاحات الضرورية لمجابهة هذا الوباء، وخرجت البلاد بعد اكثر من عامين من هذه الجائحة منتصرة، بأقل الاضرار مقارنة بدول كبيرة رغم فقدات الكثير من الارواح وتضحيات جسام قدمها الجيش الابيض في كل المستشفيات مع هذا تحسن الاقتصاد الوطني , من العدل في تقييم عهدة الرئيس الأولى أن نأخذ بعين الاعتبار ما إلتهمته هذه الجائحة من حق الرئيس في عهدة كاملة مدتها خمس سنوات وليس ثلاثة سنوات أو أقل! ومع ذلك حصيلة الرئيس في ثلاثة سنوات الأخيرة لا يمكن أن ينكرها الا جاحد بالنظر الى الظروف والاكراهات المحيطة بها والتي سيأتي ذكرها في محاور أخرى.
بقايا العصابة والثورة المضادة ..
أمسك الرئيس برئاسة الجمهورية و البلاد تحاول أن تخرج من نفق مظلم كادت قوى الشر أن تزجها فيه، فعرف غزواني كيف يعبر بها الى بر الأمان، رغم المطبات والمؤامرات والألغام التي وجدها في طريقه منذ أول يوم دخل فيه الى مكتبه، فجزء كبير من الحراك حينها كان مختطف من طرف دعاة الفتنة الذين يرفضون صندوق الانتخابات ويريدون السطو على إرادة الشعب، وسرقة خبز الفقراء والبطالين والحالمين .من ىقبل لصوص المال العام الدولة الذين نهبو أموال الشعب وأرادو أن يرهنو مقدرات البلاد ومصير الأجيال الى الأبد، عصابة كانت تخرب الاقتصاد الوطني بطبع الاموال ونفخ العجلات وتضخيم الفواتير واستيراد كل شيء حتى الخردة التي لا يوجد أكثر منها في البلاد! ومن الطبيعي أن وجود جزء كبير من العصابة ورجال الأعمال الفاسدين في السجن، لم يكن ليمر بردا وسلاما على بداية العهدة الاولى للرئيس غزواني ، حيث تحركت الثورة المضادة التي كانت تستهدف زعزعة اسقرار البلاد وزرع الفوضى، من خلال مؤامرات تضرب أحيانا المواطنين في قوتهم ومستقبل أولادهم،.
كان واضحا أن يدا خبيثة تريد العبث باستقرار البلاد، بدليل أن الدولة كلما ضاعفت من استراد المواد الاستهلاكية كلما زادت الاسعار ، ما دفع الرئيس الى اخراج سيف الحجاح في شكل قوانين صارمة تحارب الاحتكار وتجرم العبث بقوت الموريتانيين ، ما أدى الى إختفاء هذه الظواهر وانفضاح أصحابها.
في المقابل استمرت العدالة في تنظيف المجتمع وهياكل الدولة من مظاهر الفساد التي نخرت البلاد في العقدين الماضيين، ورفض الرئيس صراحة شكلا ومضمونا أي مصالحة يريدها البعض مع الممارسات السابقة، بل ذهب بعيدا في محاربة زواج المال بالسياسة من خلال تجريم هذا الفعل خاصة في الانتخابات، الى درجة أنه أقر دعما ماليا معتبرا للشباب.
وضع غزواني عجلة الاقتصاد الوطني على سكتها الصحيحة، فهو الرئيس الوحيد الذي امتلك شجاعة القرار السياسي .
يطلق الموريتنيين على رئيسهم وصف “خادم الشعب” ببساطة لأنه كثير الاهتمام بالطبقات الفقيرة والمحرومة,ولعل اول قرار إجتماعي اتخذه الرئيس بعد انتخابه هو ادخال اكثر من نصف مليون مواطن الضمان الاجتماعي بالنسبة لكل أصحاب الدخل المحدود ، لكن القرار الاكثر أهمية هو إقرار منحة لهم ايضا وهو القرار الذي ترك صدى ايجابيا له عند أغلب العائلات الموريتانية
اهتمام الرئيس بالطبقات الفقيرة تجلى في أول لقاء له مع الولاة بعد انتخابه، عندما واجههم بتحقيقات مست العشرات من نقاط الظل التي تعكس مظاهر الفقر والحرمان في القرى وآدواب ، وهي مشاهد أدمت قلوب الموريتانيين وجعلت الريئس يشعر بحزن شديد ، فلم يتعود الرأي العام أن يبادر الرئيس بنفسه الى إظهار العيوب التي يخفيها المسؤولون المحليون. بعدها أقر الرئيس برنامجا متكاملا لمعالجة نقاط الظل والفقر والحرمان حتى أنه بعد فترة قصيرة أقال ولاة ومسؤولين محليين تهاونوا في هذه المعالجة.
السياسة الاجتماعية .
لكل هذه الاعتبارات وغيرها لن يجد الرئيس غزواني ، عناء في الحصول على ثقة الهيئة الناخبة التي يتجاوز تعدادها أكثر من مليون ونصف ناخب، ربما حتى دون أن يقوم بحملة انتخابية، فالوضع يتحدث عن نفسه فالشعب طحنته التجارب، فأصبح لديه القدرة على تمييز مصلحة بلاده ، حتى ولو عرض بين أيديهم مليون خيار!.