كتب نزار قباني يوماً: أنا يا صديقةُ مُتعبٌ بعروبتي! فهل العروبة لعنةٌ وعقاب؟ وبعدها بسنوات تساءل في قصيدة له: متى سيعلنون وفاة العرب؟
قبل أن أبدا كتابة مقالي هذا جلست أُفكّر طويلاً بأسئلة مقلقة لا تنتهي تأخذك يميناً ويساراً: ما هو الشيء الذي يجعلني أفتخر بأني عربي؟ باختصار لم أجد شيئاً من ذلك! نحن العرب مهزمون داخليا وخارجياً لم نقدم للعالم شيئاً، ثقافة القطيع تسيطر علينا ونفتخر بها، لم نصنع الطائرات ولم نتقدم في التعليم او الصحة أو الأبحاث العلمية، حتى سجاجيد الصلاة وفوانيس رمضان صناعة صينية… لم نتعلم سوى الجهل، وتغلغل الفساد في كل ركن من أركان البلاد العربية.
إننا اكثر شعوب الارض حديثاً عن الوحدة وأكثرها تشتتاً، غارقون في احلام المستقبل وأوهام بعيدة تماماً عن واقع آخذ بالاندثار والاختفاء، نداوي الجرح العميق والنرجسي بتضخّم الأنا، نأكل بالأرطال ونشرب بالأسطال و ننام الليل مهما طال ونطلب مقامات الرجال.
أمةٌ صوتية تستهلك ولا تُنتج إلا مزيد من الانهزامية فقد نجحت الأنظمة في تحويلنا الى كائنات ذات بُعدٍ واحد.
نعم … أتعبتنا عروبتنا وأوجعتنا وآلمتنا، وخيّبت آمالنا وأحلامنا! وبدت هويتنا العربية فارغة تَخجَل من نفسها! وبتنا مُجرد أرقام فارغة تحمل الكثير من الأصفار دون فائدة! ولم يبق من عمرنا كعرب إلا سنوات قليلة قبل الاحتضار! فقد أصبح المشروع الصهيوني هو الجامع المشترك بين غالبية الأنظمة العربية، وأصبح حال العرب كحال المثل العربي سعد الهارب: أُنجُ سعد فقد هلك سعيد!
الاحداث متوالية ومؤلمة يصعب ذكر تفاصيلها! والعقل العربي في اجازة مرضية! والشعوب تعاني من واقع القيد وقهر الإرادة وذُل التبعية، تفتقر الى القرار وسُحبت منها الشرعية، فـ الكُلّ من محيط القهر الى خليج الذُل وان اختلف اسم الأرض وموقعها على خرائط الجغرافيا إلا أننا نحمل نفس الهم ونفس الوجع! لا نرجوا من المستقبل شيئا ونسير في نفس الرحلة تائهين في طريق ومصير مسدود لا نهاية له.
ذلك هو واقعنا العربي الذي نعيشه! شعوب مهزومة وأوطان تشبّعت حروب وقتال وتدمير! تشرّبت دماء كادت تفيض من كَثرتها! ومجتمعات فقدت حصانتها وأُهدرِت كرامتها! وانتُهكِت حقوقها وأُعيقت حضارتها.
عندما رَحل الاستعمار تُركت المنطقة لقيادات مصنوعة من ورق لا تملك مشروعاً وطنياً أو تنموياً، اخترعنا القومية على أمل أنها ستوحدنا! لكنها أتت مع مرحلة التقسيم القسري للمنطقة! وتم توزيع المنطقة الى مساحات وكانتونات جرداء لا يمكن ان تنشأ فيها دول حقيقية! بل رعايا تخضع لنتائج سايكس – بيكو!
اليوم لم يعد أحد يريد التمسّك بالهوية العربية!، الآن نرى الأقباط يطالبون بالهوية المصرية القبطية، والمصريون يحنّون لمجد الفراعنة! والأكراد يريدون دولة لهم! والكلدان في العراق شَعروا بالحنين إلى ماضيهم وأصبحوا يطالبون بعودة مجدهم السرياني! حتى النوبة في مصر والسودان بدأوا تدريس لغتهم منذ فترة في مجتمعهم الصغير! وهي اللغة التي ظلت تُنطق ولا تُكتب! فها هم الآن يحاولون كتابتها بأحرف لاتينية، وأمازيغ المغرب استعادوا قوتهم وركلوا القومية العربية بأقدامهم! والجزائر بدأت ولأول مرةً بتدريس اللغة الأمازيغية كلغة أصيلة، وفي المغرب هناك من يطالب الاعتراف بالمكون المغربي بأنه أمازيغي وليس عربي!
ولم يعد للدول العربية منفردة او مجتمعة وزناً يذكر في الحسابات والصراعات والمحاور الدولية والإقليمية! وبات الشعور بوصاية الغرب والمشروع الصهيوني امراً محتوماً! وجزءاً من تشوه العقل العربي المريض الذي فقد الثقة في نفسه!! وصار المطلوب منّا كعرب ان نعتذر للغرب على أننا نخرب نومهم من كثرة مشاكلنا، فما يحدث ويجري من احداث في بلادنا العربية يجعلنا نُعيد النظر في مفهوم الوطن!
نحن العرب نتكلم لغة واحدة، وتراثُنا واحد، ودول الاتحاد الأوروبي تتكلم اكثر من ثمان لغات، ولو سألت عربياً عن شاعره المفضل سيقول لك المتنبي وأبو العلاء المعري او تميم البرغوثي بصرف النظر عن كونه مغربياً أو أردنياً! في حين لو سألت الأوروبي لاختلف الجواب! فالإنجليزي سيقول لك ان شاعره هو (شكسبير) والألماني سيقول لك (جوته)! والفرنسي سيقول ( فيكتور هيجو) … الخ
من أين يأتينا الخجل؟ وإلى متى سيبقى الدم العربي مستباحاً؟ فـ كل الأحلام التي بنيناها بعد الاستقلال جرى إجهاضها ووأدها! وتحولت الأوطان بكل ما تحتويه من بشر وحجر وثروات الى مُلكية خاصة للمسؤولين العرب.
صديقي المستعمر اشتقنا إليك، يا ليتك تعود لتنشِلنا مما نحن فيه الآن فقد قسّمتنا بعدل وإلا قتلنا بعضنا البعض! فـ بعد رحيلك تشتت أحلامنا …. أربعون عاماً عاشها بنو إسرائيل في التيه! فهل أصاب أمة العرب نفس اللعنة؟ أربعون عاماً انتهت لبني إسرائيل ولم تنته لنا! فمتى يخُطّ التاريخ نهاية لنا ؟
كاتب اردني