غابت المفاجآت عن الجلسة الـ13 لانتخاب رئيس الجمهورية وأثمر التوافق الواسع الذي يتخلله بعض التشويق قبل وخلال الدورة الأولى في انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون بأغلبية 99 صوتاً في الدورة الثانية مع تسجيل 9 أوراق بيضاء و5 أوراق ملغاة و13 ورقة للتيار الوطني الحر حملت عبارة “سيادة ودستور” وصوتين لشبلي الملاط، في حضور رُعاة هذا الانتخاب الذين حملوا “كلمة السر” وهم الموفد السعودي يزيد بن فرحان والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان وأعضاء اللجنة الخماسية وسفراء الدول العاملة في لبنان من عرب وأجانب إضافة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والوزراء.
وقبيل انطلاقة الدورة الثانية طلب النائب فراس حمدان من رئيس المجلس اعتماد الفقرة الثانية من المادة 49 التي تقول “يُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”. فيما سأل النائب ملحم خلف رئيس المجلس “هل إذا نال قائد الجيش 86 صوتاً يُعتبر تعديلاً ضمنياً للدستور؟”، فأجابه بري “الـ86 صوتاً تحول دون إمكانية الطعن أمام المجلس الدستوري وهذا كل شيء فقط والآن وقت التصويت”.
وقد نال قائد الجيش في الدورة الثانية التي شاركت فيها عائلته بين الحضور 99 صوتاً وقد تم استدعاء قائد الجيش إلى مجلس النواب لإعلانه رئيساً فور انتخابه وقَسَم اليمين وإلقاء خطاب القسم بمواكبة لواء الحرس الجمهوري.
وأبرز المعارضين لانتخاب عون كان “التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل والنواب جميل السيد وملحم خلف وحليمة قعقور وسينتيا زرازير، الذين تحفظوا على تعديل الدستور.
وكتب باسيل على منصة “إكس” قبل إعلان النتيجة: “قالوا لنا انتبهوا تبقوا وحدكن. قلنا لهم منبقى لوحدنا أحرار برأينا وأسياد قرارنا. لا التهديد بيرهّبنا ولا الإغراء بيرغّبنا. لا مننباع ولا مننشرى ولا في شي بيهزنا. نحنا حراس السيادة والدستور ومنبقى تيار ووطني وحر”. وختم “مش هيني تكون سيادي بالفعل بس الحياة لحظة كرامة”.
وبعد تعليق الجلسة، أبدى عدد من النواب بينهم نائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” جورج عدوان والنائبان ميشال ضاهر وجورج بوشكيان تفاؤلهم بتصويت الثنائي للعماد عون لينال 108 أصوات بحسب توقعاتهم.
الدورة الأولى
وكان العماد عون فشل في الدورة الأولى في الحصول على 86 صوتاً تؤهله للفوز، فنال 71 صوتاً في مقابل 37 ورقة بيضاء للثنائي الشيعي وحلفائه و14 ورقة حملت عبارة “السيادة والدستور” للتيار الوطني الحر وصوتين لشبلي الملاط وعدد من الأوراق الملغاة التي حملت غمزاً من قناة التدخلات العربية والدولية بينها عبارات “جوزف آموس بن فرحان، يزيد بن فرحان، الوصاية، السيادة مش وجهة نظر” وقد إعتبرت ملغاة.
وبعد إعلان النتيجة رفع الرئيس نبيه بري الجلسة ساعتين لمزيد من التشاور وهو ما احتج عليه النواب وطلبوا الاستمرار في الجلسة وعدم فتح “بازار” علماً أن قائد الجيش يحتاج إلى 86 صوتاً.
وأفيد أن وفداً من الثنائي الشيعي ضم المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل ورئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، التقى في خلال الساعتين قائد الجيش بعيداً عن الأضواء للبحث في مستقبل المرحلة المقبلة والاستحصال على تطمينات حول الحكومة والتمثيل الشيعي فيها واحترام التوازنات، لينضم الثنائي في الدورة الثانية إلى التوافق غير المسبوق حول قائد الجيش الذي تمثّل بتأييد مسيحي لافت من قبل أحزاب “القوات اللبنانية” والكتائب والأحرار و”تيار المردة”، الذي انسحب رئيسه سليمان فرنجية من المعركة الرئاسية، وتأييد سني ودرزي كامل.
وجاء انضمام الثنائي الشيعي إلى التوافق ليذَلّل نهائياً العقد أمام عملية الانتخاب بعد حَذَر من قبل المعارضة قبل الدورة الأولى من عدم تصويت الثنائي الشيعي والاكتفاء بورقة بيضاء بما لا يؤمن 86 صوتاً الكفيلة باعتبارها تعديلاً ضمنياً للمادة 49 من الدستور التي لا تجيز انتخاب موظفي الفئة الأولى وما يعادلها مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم، حيث أن البوانتاج مساء الأربعاء أظهر حصول القائد على ما يقارب 73 صوتاً فقط ما يعني الحاجة إلى دورة ثانية وربما ثالثة وما تعنيه من دخول في جدل دستوري بين المؤيدين لانتخاب عون ومعارضيه حول صحة فوزه واعتباره رئيساً أم لا.
وقبيل الدورة الأولى عُقدت خلوة بين المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل والسفير السعودي وليد البخاري استكمالاً للاتصالات بين بن فرحان وخليل بالأمس، وأعقب هذه الخلوة لقاء بين سفراء دول الخماسية، ولم يشأ خليل الإفصاح عن النتيجة وطلب انتظار ما سيحصل في الجلسة في ظل سيناريو أفاد بأن الثنائي الشيعي قد لا يصوّت للعماد عون في الدورة الأولى بل يكتفي بورقة بيضاء على أن يصوّت لصالحه في الدورة الثانية.
وقائع الجلسة
وقد فتح الرئيس بري الجلسة بحضور كامل أعضاء المجلس النيابي ال 128، وطلب تلاوة المواد الدستورية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية وهي 49 و73 و74 و75 والمادتين 11 و12 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
وسأل النائب سليم عون “لماذا يقرأ الدستور إذا لن يُطبّق؟”.
وقد طلب النائب التغييري ملحم خلف الكلام في النظام فذكّر بأن الدستور يمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى إلا وفق آلية معقدة لتعديل الدستور، رافضاً “انتهاكاً جديداً للدستور”.
كما قال رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “إن السيادة يمارسها الشعب اللبناني، ومرجع المجلس بممارسة سيادته هو الشعب اللبناني وليس الخارج”. ورأى “أن ما شهدناه هو عودة لسياسة القناصل ورأينا تعليمات من الخارج أتت من الخارج لعدد كبير من النواب، وهذا يدل على أننا أمام عملية تعيين يمارسها للأسف مجلس النواب، وهذا يضعنا أمام سؤال كبير هل يرتضي المجلس التنازل عن ممارسة السيادة وممارسة وصاية عليه عبر عمليات تشريعية إضافية، وما رأيناه غير مقبول وهو مشهد فاضح. وأطلب منك دولة الرئيس بري أن تعلن في بداية الجلسة مَن هم المؤهلون للانتخاب لأن الدستور واضح”، رافضاً “اعتبار الانتخاب تعديلاً ضمنياً للدستور ولا نريد لرئيس الجمهورية في بداية عهده أن يخالف الدستور”.
ووافق النائب جميل السيد “على عدم جواز انتخاب مَن هو غير مؤهل للانتخاب”، وقال لم أتعرّض لأي ضغط ولكنني أرى أن ما يحصل اليوم هو تصديق على تعيين”.
وقال عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله “يبدو للبعض أننا مازلنا في أوضاع طبيعية”، واعتبر “أن الدستور هو وسيلة لحماية الدولة والمجتمع وإذا خُيّرت بين الحفاظ على الدستور وبين الحفاظ على الدولة والمجتمع فأنا أختار الحفاظ على الدولة”.
وانتقد النائب أسامة سعد “تسلل التدخلات الأمريكية للتوصل إلى توافقات، وقد تكون العصا أو الجزرة أو كلاهما وراء الوصول إلى هذه الحركة”. وقال “ها هم السفراء يشاهدون من فوق وأسألهم هل يجرؤ أحد في دولة من دولهم أن ينتهك الدستور فلماذا نحن؟ وهل هذا كُرمى لأمريكا؟”. وطلب “إيقاف هذه المذبحة الدستورية”.
وقالت النائب بولا يعقوبيان في رد ضمني على التيار الوطني الحر “كنت أحب أن أصدّق حرص بعض الأحزاب على الدستور وهم الذين خالفوا الدستور وصوّتوا للعماد ميشال سليمان. أما اليوم لأنكم لا تريدون جوزف عون تتحججون بالدستور، فالقصة ليست الدستور”.
وقد تخلل مداخلة يعقوبيان سجال حاد ومشادة عنيفة بينها وبين نائب التيار العوني سليم عون، الذي وصف كلامها بأنه “بلا طعمة”، فأجابته “فشرت وأنت بلا طعمة”.
مداخلة يعقوبيان تخللها سجال حاد ومشادة عنيفة بينها وبين نائب التيار العوني سليم عون
ورأى النائب ميشال ضاهر “أننا نحن مَن استدرج الخارج”، وذكّر بقول الرئيس بري “عندما ينال المرشح 86 صوتاً فهذا تعديل ضمني للدستور”. وشكر المجتمع العربي والمجتمع الدولي على مجيئه لدعمنا، مبينا أنه لم يتدخل معه أحد فقد كان خياره منذ البدء قائد الجيش.
واعتبر النائب وضاح الصادق “أن البلد في حالة احتضار وواجبنا منع النزيف”، ولفت إلى “أن الجلسة الأخيرة شهدت صوتاً للعماد جوزف عون وسُجّل في المحضر ولم يُعتبر مخالفة”.
وتحدث النائب ميشال معوض قائلاً: “شعرت أنني بين سويسرا والنروج وصلنا إلى هنا لأن الدستور والوطن والشراكة تحوّلوا إلى وجهة نظر”. وأكد “حاجتنا إلى دعم عربي ودولي”، متحدثاً عن “التقاء واسع حول العماد عون لرئاسة الجمهورية وأتمنى منك دولة الرئيس ومن حركة أمل أن تنضموا إلى هذا الالتقاء لتحويله إلى إجماع”.
وأشار النائب أديب عبد المسيح إلى “عدم النسيان أننا مازلنا في حالة حرب كي لا يضحك علينا الإسرائيلي”، وقال “الدستور على الرأس ولكن لبنان في القلب وهناك أعراف”، سائلاً “مَن قال إن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مارونياً؟”. فقال له بري “يا أديب خلينا بلا هالمصيبة”.
وذكّر النائب سامي الجميل “بأن نائبي الكتائب بيار الجميل وأنطوان غانم لم يتمكنا من التصويت للرئيس ميشال سليمان عام 2008 لأنهما استشهدا ولكن هذه سابقة”. وسأل “الغيارى على السيادة ماذا كان رأيهم بالوصاية السورية وغير السورية”، معتبراً “أن الأسوأ من تخطي الدستور هو الاستنسابية بتخطي الدستور”. وتوجّه إلى “حزب الله” و”حركة أمل” بالقول “لن نقبل أن يعيش أحد ما عشناه نحن من إحباط بل نريد العيش معاً ونعتبر أخانا اللبناني أولاً، واليوم جاءت الدول مشكورة لتساعدنا، ولكن نرفض أي تحريض من لبناني على آخر، وندعو إلى فتح صفحة جديدة تحت سقف القانون والدستور”.
ورأى النائب الياس جرادي “أننا امام تجرّع الكأس الدستورية المرّة، ولكننا كلنا شاركنا في تحطيم الدستور ولا يهم ما نقوم به الآن بل ما نقوم به غداً”.
وتمسكت النائبة حليمة القعقور “بأن النواب 118 الذين صوّتوا للرئيس سليمان انتهكوا الدستور، ومع احترامنا للسفراء نرفض التدخل في شؤوننا والوصايات”.
وأمل النائب الياس بو صعب “عدم الخروج من القاعة إلا مع إيجاد حل لانتخاب رئيس الجمهورية ولا شك أن هناك مشكلة دستورية حقيقية، وكما تليتم المادة 49 اليوم وخصوصاً الفقرة الثالثة أتمنى انطلاقاً من أن المجلس سيد نفسه معالجة الأمر”.
وختاماً قال الرئيس بري “لا أريد الإجابة على كلام كثير أصبح من الماضي فلنبدأ الانتخاب