في إحدى ليالي الحوض الغربي، حين يتنفس الليل هواءً عليلاً وتتراقص النجمات على إيقاع همسات الرياح القادمة من مدبوگو، كانت فتيات قرية "دغفگ" التي أصبحت بلدية، يجتمعن كعادتهن فوق رمال "زيرة" الناعمة، والقمر يضيء مجلسهن بألقه الفضي. كن يتبادلن الأشعار، ويطرزن الليل بأنغام التبراع العتيقة، ذلك الفن النسائي الخاص، وصوتهن الحر في زمن الصمت.
في تلك الليلة، وبينما كنّ منشغلات بالغناء، ظهرت أضواء سيارة تلمع على الطريق الرملي الممتد بين التلال. رفعت "مريم" رأسها وقالت بعفوية ممزوجة بالحماس:
"الفوگو الفوگو! سالكنه جا من مدبوگو!"
انفجرت الضحكات، وردّدت الفتيات العبارة بصوت واحد، فتحوّل ذلك الهتاف العفوي إلى نغمة موسيقية، "شور" يصدح فيه اسم سالكنا، سائق السيارة الذي أصبح فجأة رمزًا للحركة، للترقّب، وربما... للحنين.
ومن تلك الليلة، وُلدت "سيّه ألاّ"؛ شور جديد، لا يشبه التبراع التقليدي، ولا ينتمي إلى "الگاف" الجاف، بل كان شيئًا مختلفًا: حيًّا، نابضًا، منبثقًا من صميم الحياة اليومية. يحمل نكهة الرمال، وعطر البنّ المغلي في طناجر البيوت الطينية.
كبر الشور، وانتقل من ساحة دغفگ إلى صدور النسوة في الأعراس، وتناقلته ألسنة الشباب في الرحلات، حتى وصل صداه إلى مدينة العيون، حيث التقطه الفنانون الكبار، فأعادوا إنتاجه وأضافوا إليه لمستهم، ليصبح واحدًا من أشهر الأشوار في الحوض الغربي.
أما سالكنا، ذاك الرجل البسيط، فلم يكن يدري أن لحظة وصوله ليلاً ستمنحه الخلود في ذاكرة الشعر الشعبي. تقاعد عن مهنة النقل، وافتتح دكانًا صغيرًا في الطينطان، حيث لا يزال اسمه يُتداول، ليس كتاجر، بل كرمز فني واسم ارتبط بحكاية من أجمل حكايات الإبداع الشعبي.
وهكذا، ظل "سالكنا جا من مدبوگو" شاهدًا على أن الفنون العظيمة لا تولد في القاعات ولا من الخطط المحكمة، بل تولد من تفاصيل بسيطة، ومن نبض الناس، حين يتحول اليومي إلى ما يشبه المعجزة.
هل مزال سالكنا على قيد الحياة؟