أتها مات بالفساد في مؤسسة التأمين الصحي /من صفحة حسن أمبيريك 

اثنين, 24/11/2025 - 09:41

تبدو مؤسسة التأمين الصحي اليوم وكأنها تمشي على حافة انهيار صامت، انهيار صاغته يد المدير الحالي ولد جعفر الذي تحوّل، في نظر أغلب العاملين داخل المؤسسة وخارجها، إلى رمز فاقع للفساد وسوء التسيير.

لم يعد الرجل مجرد مدير لمرفق عمومي حساس، بل أصبح اسمه مرادفًا لجملة واحدة يرددها كل من اقترب من أروقة المؤسسة: "ماكينة فساد لا تتوقف".

منذ وصوله، لم تتضخم الكتلة العمالية بطريقة طبيعية، بل قفز عدد الموظفين من حوالي ستمائة وخمسين إلى ما يزيد على ألف وأربعمائة موظف، أي بزيادة تتجاوز المائة بالمائة خلال فترة قصيرة...

ليست المشكلة في العدد وحده، بل في هوية من تم إدخالهم: أقارب، أصهار، أبناء عمومة، ومعارف جاءوا دفعة واحدة، بعضهم لا يعرف حتى ممرات المؤسسة، لكنه يتقاضى راتبًا وتعويضًا وامتيازًا كما لو كان جزءًا من هيكلها الوظيفي منذ سنوات. يكفي أن أكثر من سبعين منهم — وفق شهادات العاملين — ينتمون لشبكة عائلية واحدة مرتبطة بالمدير بشكل مباشر أو غير مباشر. وما سيتبقى بعد رحيل الرجل أخطر بكثير مما هو قائم الآن:

مؤسسة محمّلة بعمال لا حاجة لها بهم، وبكتلة أجور ستخنق ميزانية المرفق فور زوال الغطاء السياسي الذي يحمي المدير.

وإذا كان تضخم العمال إحدى الحلقات، فإن ما يجري في ملف الرفع الطبي والتعويضات حلقة أخرى لا تقل غرابة. بعض الملفات التي كانت تكلف أقل مليون أوقية  أصبحت تتجاوز ماايزيد عن ثلاثة ملايين من الاوقية دون تبرير طبي واضح. وهناك فواتير خارج البلاد تضخمت بنسبة تصل إلى ثلاثمائة بالمائة خلال سنتين،... رغم أن المستشفيات المعنية لم تغيّر أسعارها إلا بنسب بسيطة.

بعض  الموظفين يتحدثون عن اختفاء مؤقت لملفات من الأرشيف الإلكتروني قبل أن تظهر من جديد وقد أُدخلت عليها تعديلات، وكأن المؤسسة تعيش داخل غرفة مظلمة لا يعرف أحد أين يختفي المال ولا كيف يُصرف.

هذه الاتهامات ليست جديدة على الرجل؛ فكل مؤسسة مرّ بها تركها — حسب شهادات العاملين — على شفا الإفلاس. في شركة المياه، يروي موظفون سابقون أن العجز السنوي وصل خلال فترة تسييره إلى مليار أوقية قديمة، وأن الديون تراكمت حتى غرق القطاع في أزمة غير مسبوقة. وفي إدارة الإسكان لم يكن الوضع أفضل؛ فقد خرج منها كما يروي أحد الموظفين "وهي لا تحتوي إلا على ملفات خاوية مغطاة بغبار السنوات، وبنيان عنكبوت لا يختلف عن حالها الوظيفي وقتها".

ورغم هذا السجل، لا يزال الرجل في موقع السلطة، وكأن القانون يقف على باب مكتبه ولا يدخل.

يهمس العاملون بشيء يعرفه الجميع: شبكة حماية سياسية تمتد من وزارة الداخلية، حيث جرى — كما يقول الموظفون — منح منصب استشاري لشقيقته بلا مهام واضحة، في ما يشبه الثمن مقابل الصمت والدعم.

اليوم، يتصاعد الغضب إلى درجة أن أصواتًا داخل المجتمع المدني والإعلام تدعو علنًا إلى سحب الحماية عنه، وفتح تحقيق شامل في كل تفاصيل تسيير المؤسسة، ومراجعة آلاف الملفات المالية والإدارية، بل ويذهب البعض إلى حد المطالبة بأن يظهر أمام القضاء مكبل اليدين إذا ثبت ما يُقال عنه. قد يبدو هذا التعبير قاسيًا، لكنه يعكس حجم الغليان الشعبي داخل مؤسسة يُفترض فيها أن تحمي صحة الناس، لا أن تصبح مزرعة خاصة تُوزع فيها الامتيازات على الأقارب وتتبخر فيها الأموال العامة بين غرفة توقيع وأخرى.

المؤسسة اليوم تقف أمام مستقبل مظلم. فالأعباء المالية تتضاعف، والكتلة العمالية تنتفخ، والإنفاق الطبي يخرج عن كل سياق منطقي، وفي الأثناء يواصل المدير مسيرته وكأن شيئًا لا يحدث، وكأن المؤسسة ليست على وشك السقوط. وإذا لم تتحرك الدولة، فإن السنوات القليلة القادمة قد تكشف عجزًا هيكليًا لا يمكن إصلاحه، وسيجد الجميع أنفسهم أمام مرفق منهار كان من المفترض أن يكون آخر خطوط الدفاع عن الفئات الهشة.

إن ما يحدث ليس مجرد سوء تسيير عابر، بل مسار طويل من العبث، ترك آثارًا في كل مكان مرّ به الرجل، وما لم تُرفع الحصانة غير المعلنة ويُفتح الباب للعدالة، فإن مؤسسة التأمين الصحي ستظل مجرد صفحة أخرى في سجل مظلم، تُكتب بأموال المرضى وبمعاناة من لا صوت لهم.

أبو عبيدة محمد

من صفحة حسن أمبيريك