
في البداية، إنما اخترت المقارعة، لمواجهة خطاب (افلام) العنصري الذي يكرس الكراهية والعداوة للوطن، ولكن سرعان ما اقحم القوميون البولار أنفسهم في هذا السجال الذي أثار غضبهم، وبادروا بكيل الاتهامات والشتائم المشخصنة بدل النقد المسؤول حول المواضيع المطروحة متكئين على طرحهم الإيديولوجي المتعصب لإثنيتهم وعرقهم.
ومهما تعسّفت أحكامهم وساءت تصنيفاتهم فلا قيمة لها في ميزان النقاش الهادف إذ لا تستطيع طمس الحقائق وقلبها، ولا سيما أنها ادعاءات مغرضة من أصوليين إثنيين متطرفين مؤدلجين ساخطين يتجاهلون عمدا أن (الفلان والتكرور) لم يمنحوهم أي تفويض للتحدث باسمهم، بل لا علاقة لهذين المجتمعين الكريمين بهذا السجال، ولا يعني إدماجهم في الموضوع غير التظاهر بشرعية تمثيل زائف يكمل حججا واهية وليعوضوا به عجزهم عن دحض الرأي الآخر بوجاهة وموضوعية.
الحقيقة البسيطة هي أنني أعارض بشكل قاطع القوميين البولار (وليس الفولان والتكرور) ومشروع هؤلاء الفئويين لموريتانيا، الذي كاد أن يؤدي إلى صراع مسلح بين الجيشين الموريتاني والسنغالي.
وفيما يتعلق بمسألة الهوية الوطنية وما يترتب عليها من قضية اللغة، والتي تشكل السبب الرئيسي للخلاف، فإنني أتفق تماما مع ما يحدث في منطقتنا الغرب إفريقية.
فليقدّم لنا القوميون البولار اسم دولة واحدة يتم فيها تدريس لغة (الفلّان) أو الاعتراف بها كلغة رسمية.
ما زلنا نتساءل لماذا لا يُسمح لنواب البولار السنغاليين بالتحدث باللغة الفلانية في البرلمان وفي الإدارة وفي الحياة العامة.
وليخبرونا عن دولة واحدة، لها هوية تعددية حسب عدد الإثنيات لسكانها؟ وإذا صح هذا الأمر، سيكون لدى نيجيريا 520 هوية، وسيكون لدى مالي عشرين هوية، بما في ذلك هوية عربية، تماما مثل السنغال التي تضم مكوناً عربياً كبيراً. وستكون فرنسا دولة بريتونية وباسكية وأوكستانية. الشيء الذي لاوجود له في الدستور الفرنسي؟
ومن المعلوم أن السنغال ليست دولة عربية ولو جزئيا، والعرب السنغاليون لا يطالبون بذلك.
وبطبيعة الحال، سيرد القوميون البولار بالخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم الشعب لدعم مطالبهم العرقية، ولكن محكوم عليهم بالفشل.
فالدولة تعني جميع السكان ذو الأصول المتنوعة ولا تختصر بالضرورة الإثنيات الكبرى.
وإذا لم نكن عربا، بولار، سونينكي،وولوف، فهل يعني ذلك أن هذه الفئة من السكان غير مؤهلة للحصول على جنسية الجمهورية الموريتانية؟
بمعنى آخر، سكان موريتانيا عرب وزنوج، لكن الدولة عربية وستظل كذلك، رغم أنف دعاة الهوية التعددية وهويتها مميزة
، وكذلك هوية السنغال ومالي، وهما دولتان زنجيتان (الزنجية اسم عام لا يشير على وجه التحديد إلى بولار). لماذا لا يطالب القوميون البولار بتسليط الضوء على هويتهم (الفلانية) في الدساتير الإفريقية؟
وهذا مستحيل، لأن المجموعة الكبرى المهيمنة هي التي تحدد هوية الدولة وهي القاعدة المتعارف عليها.
وإذا أراد القوميون البولار في موريتانيا الآن تغيير الوضع، فسيكون من المناسب استئناف المناقشات واتخاذ قرار بشأن إعادة تأسيس الدولة، إذا وافق الجميع.
أعل ولد اصنيبه



