المفكر الكبير "علي الشرفاء" يوجه سؤالا الى مفتي الأزهر وآخرين

جمعة, 17/08/2018 - 16:10

(وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 42).

أطرحُ عليكم جميعًا، سؤالًا يتعلّق برسالة الإسلام للناس، وما شابَها من تشويهٍ وافتراء، تسببت فيه الروايات والإسرائيليات، حين نجح أعداء الإسلام في تحقيق أهدافهم، بعزل القرآن عن التشريع والسلوك والفضيلة، والحجْر على التفكير والتدبر في كتاب الله المبين، مما يحقق للعرب المسلمين قيادة قاطرة الحضارة الإنسانية على مستوى العالم، حضارة أساسها الرحمة والعدل والحريّة والسلام وتعمير الأرض.

إن تغلغل الروايات أدى إلى خلق الفتن بين العرب المسلمين، وإنشاء طوائف بالعشرات، أصبحت مرجعيات متناقضة متناحرة، أشعلت الحروب بينهم، فسالت دماء الأبرياء عبثًا ولهوًا، وأنجبت الإرهابيين والتكفيرين الذين يقتلون الناس ظلمًا وعدوانًا، ويستبيحون كل المحرمات؛ يغتصبون النساء، ويقتلون الأطفال، ويدمِّرون الأوطان، ويشرِّدون الأرامل، ويعدمون الكهول دون رحمة أو ضمير، تحت شعار الإسلام، بمختلف مسمياتهم، فتحولت أجسادهم إلى قنابل تتفجَّر في الأبرياء. انتزع منهم شيوخُهم وأئمتُهم إنسانيتَهم، ويدفعونهم للانتحار والدمار.

السؤال المطروح عليكم ما يلي:

هل استطاع العرب المسلمون باتباعهم الروايات المفتريات على الله ورسوله في أي عصرٍ من العصور بعد وفاة الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ أن يحققوا في مجتمعاتهم الرحمة والعدل والحريّة والسلام والأمن والاستقرار؟، مع ذكر مرحلة تاريخية محددة، خلال أربعة عشر قرنًا مضت، هل عاشت فيها المجتمعات العربية الإسلامية في ظل الروايات في أمن وسلام وعدل وتطور للارتقاء بحياة الناس؟ هل نعموا في الرفاهية والاستقرار خلالها؟

أدعوكم بحق الأمانة التي عرضها الله على الإنسان، وأبت الجبال أن يحملنها، الإجابة عن هذا السؤال؛ ليعرف المسلمون أكانوا في مسيرتهم التاريخية الماضية متبعين الحق أم الباطل؟

إن هذا السؤال أمانة في أعناقكم جميعًا، وعلى كل مسلم أن يكون على مستوى إخلاصه لله ولرسوله ولدينه، فيجيب بالحق، حتى يستطيع المسلمون الخروج من النفق المُظلم الذي ينشر الكراهية والخوف والفزع عند كل شعوب العالم، حتى أصبح المسلمون يُشكِّلون خطرًا عظيمًا على الحضارة الإنسانية؛ ذلك المفهوم الخاطئ سيؤدي إلى اجتماع العالم على مواجهة الخطر الإسلامي، عندئذ يتم استعمار المسلمين والسيطرة على أوطانهم ونهب ثرواتهم، وسيعاملوننا كالعبيد وينزعون عنا أبسط حقوق الإنسان. ولا ننسى ما ارتكبوه في العراق وسوريا وليبيا والصومال، يدفعوننا لقتال بعضِنا، ويدعمون كل طرف منا بالسلاح؛ حتى ينهكون أمتنا، وتتحقق أهداف الصهاينة دولةً من النيل إلى الفرات.

إنَّ الكارثة إن حدثت، سيتحملها شيوخ الدين، وسيكون يوم الحساب هو الفاصل بين الحق والباطل.

وإذا جاءت نتيجةُ الإجابة فشلَ القوم في إجابة السؤال، أن يحددوا فترة زمنية في تاريخ العرب المسلمين، تحقق فيها الازدهار والاستقرار والحريّة والعدل والرحمة، وعاش الإنسان آمنًا على رأيه وفكره، وعلى أمواله وعرضه، وواثقًا من الحكم العادل الذي ينصفه، ضامنًا قوته وقوت أسرته، آمنًا على حياته، يمارس عبادته دون وصاية من بشر، ودون محاسبة من طائفة على تقصير واجبه، وتخليه عن الشعائر الدينية مقتنعًا، حسابه بينه وبين خالقه. فإن هم عجزوا عن إيجاد مرحلة تاريخية للمجتمع العربي، يتحقق فيها الأمن والسلام والعدل والرحمة والإحسان والتعاون فيما بينهم، ولَم يتحقق لهم وحدة الهدف ووحدة الصف، واستمر الضعف والقتال بينهم إلى الْيَوم؛ فإن هذا يعني أنه يجب على المسلمين أن ينقذوا مستقبل أجيالهم، ويتحولون من الروايات ــ وإلى الأبد ــ ليجعلوا الآيات هي المرجع الوحيد للشريعة الإسلامية؛ ليتم استنباط التشريع والقوانين لتنظيم أمور المجتمع العربي والإسلامي، وإعداد فقه جديد يستمد قواعده من القرآن الكريم، ليتحقق لهم مجتمع العدل والفضيلة والتكافل الاجتماعي، ولتوجه الثروات العربية لبناء الإنسان وتنمية الأوطان، لتتحقق بذلك حياة الرفاهية والحريّة والأمان لجميع بني الإنسان.

تمشيًا مع قوله تعالى:

(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69).

والله ولي التوفيق.

والسلام