هناك أسئلة يتكرر طرحها منذ فترة، تُطرح بصيغ مختلفة وعلى مستويات عدة، ومن بين هذه الأسئلة: هل سيترك الرئيس ولد عبد العزيز السلطة من بعد اكتمال مأموريته الأخيرة؟ من سيرشح إذا قرر ترك السلطة؟ هل ستتقدم المعارضة بمرشح توافقي؟ أي المرشحين سيفوز: مرشح النظام أم مرشح المعارضة؟
سيحاول هذا المقال أن يجيب على هذه الأسئلة، وذلك من بعد اختزالها في سؤال واحد يقول: من هو رئيس موريتانيا القادم؟
ستتم الإجابة على هذا السؤال من خلال تقديم أربع فرضيات أو أربع دوائر يمكن التحرك داخلها، فالرئيس القادم لن يخرج من هذه الدوائر الأربع، بحسب ما هو متاح ـ حتى الآن ـ من معطيات.
الفرضية الأولى: رئيس من داخل النظام
يمكن القول بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد توصل إلى خلاصة أو استنتاج مفاده أنه لا يستطيع البقاء في السلطة من بعد انتهاء مأموريته الأخيرة، وأنه لا يستطيع في الوقت نفسه أن يتركها من بعد انتهاء تلك المأمورية، ولذا فهو يبحث عن "طريقة ما" تمكنه من الخروج من السلطة في منتصف العام 2019، والبقاء فيها في نفس الوقت، وقد حاول أن يعبر عن ذلك في أكثر من مقابلة.
هذه الخلاصة أو هذا الاستنتاج سيقود ولد عبد العزيز إن لم يكن قد قاده فعلا إلى التفكير في خيارات محدودة جدا يمكن إجمالها في النقاط الثلاث التالية:
1 ـ أن يحاول الرئيس ولد عبد العزيز البقاء في السلطة من خلال ترشيح من يثق به، ودون أن يجري أي تعديلات دستورية، وهنا يبرز خياران أساسيان، وهما خيار ولد غزواني وخيار ولد بايه، ولكن المشكلة أن كلا من الخيارين يثير مخاوف جدية لدى ولد عبد العزيز، فالخيار الأول، أي خيار ترشيح ولد غزواني سيكون سهل التسويق، ولكن هذا الخيار قد يضع حدا لنفوذ ولد عبد العزيز من بعد خروجه من الرئاسة. أما الخيار الثاني، فهو على العكس تماما، فتسويق ولد بايه كمرشح رئاسي سيكون في غاية الصعوبة، ولكن ولد بايه إن نجح رئيسا فسيكون أكثر اطمئنانا بالنسبة لولد عبد العزيز، وسيضمن له بقاء نفوذه من بعد خروجه من السلطة.
لن يكون تسويق ولد غزواني صعبا، لاعتبارات عدة، فالجيش سيقبل به، والشركاء في الخارج سيرضون به، والموالاة ستلتف حوله، بل إنه قد يأخذ نصيبا من جماهير المعارضة وهذا ما سنبينه في فقرة لاحقة، ولكن المشكلة التي تؤرق ولد عبد العزيز هي أن ولد غزواني في حالة ترشيحه وفوزه سيصبح رئيسا فعليا، وذلك لأن لديه من الفرص والمؤهلات ما يمكنه من ذلك ، وهو لن يحتاج لولد عبد العزيز ليكون وسيطا بينه مع الجيش أو مع الغرب أو مع الأغلبية الداعمة، ولذلك فإن ولد غزواني بعد فوزه سيحدُّ وبشكل تدريجي وفعال من نفوذ ولد عبد العزيز، وهنا تتجسد مخاوف ولد عبد العزيز من ترشيح ولد غزواني. وهناك مشكلة أخرى وهي أن الوسط الاجتماعي الضيق للرجلين يشتغل أساسا بالتجارة، ولذلك فولد غزواني لا يُنظر إليه بارتياح من طرف الوسط الاجتماعي الضيق للرئيس ولد عبد العزيز.
في الخلاصة يمكن القول بأن ولد غزواني سيكون تسويقه سهلا ولكنه غير مطمئِنْ من بعد وصوله للسلطة، أما ولد بايه فهو صعب التسويق ولكنه سيكون رئيسا أكثر خضوعا وأكثر تنفيذا لأوامر ولد عبد العزيز . هنا قد يقول قائل بأنه من الصعب جدا على الرئيس ولد عبد العزيز أن يُخاطر بترشيح ولد بايه الذي يصعب تسويقه، على من يقول بذلك أن لا ينسى بأن ولد عبد العزيز معروف بالجرأة ويمتلك روح المخاطرة، وقد نجح كثيرا في مغامراته السياسية، ولذلك فإنه قد يستمر في المغامرة إلى أن تأتي تلك اللحظة التي يخسر فيها كل شيء كأي مغامر آخر. لقد استطاع ولد عبد العزيز أن يغير العلم والنشيد وأن يلغي مجلس الشيوخ من خلال استفتاء غير دستوري قاطعته أغلبية الشعب الموريتاني، كما استطاع أن يعين ولد بايه رئيسا للجمعية الوطنية ب118 صوتا. إن من فعل كل ذلك قد لا يستبعد منه أن يخاطر بترشيح شخص يصعب تسويقه كما هو الحال بالنسبة لولد بايه، ثم إن ولد بايه سيصبح رئيسا بالفعل عند حصول أي شغور في مؤسسة الرئاسة.
2 ـ أن يضمن الرئيس ولد عبد العزيز البقاء في السلطة من خلال تعديلات دستورية يتم بموجبها الانتقال إلى النظام البرلماني، على أن يتولى هو في هذه الحالة رئاسة الحكومة أو رئاسة الحزب الحاكم. في حالة تم إجراء هذا التعديل على نظام الحكم فسيكون من المستبعد ترشيح ولد غزواني للرئاسة، وسيبقى ترشيح ولد بايه واردا، ولكن الاحتمال الأكبر في هذه الحالة هو أن يتم ترشيح شخصية من المعارضة الموالية، وهنا سيكون احتمال ترشيح مسعود ولد بلخير للرئاسة بعد فتح سن الترشح احتمالا قويا، مع عدم استبعاد ترشيح بيجل ولد هميد، وفي هذه الحالة فقد يتم التمديد لولد غزواني ليبقى قائدا للجيوش لسنتين أو أكثر.
أشير هنا بأنه في حالة إجراء تعديلات دستورية على النظام السياسي للبلاد وعلى سن الترشح، فإن الخيار الأول بالنسبة لولد عبد العزيز سيكون ترشيح أحمد ولد داداه، ولن يُستبعد هنا أن يُواصل ولد عبد العزيز التضييق على حزب تواصل، وقد يعلن عن استعداده لفعل ما يمكن فعله من أجل أن يستعيد التكتل زعامة المعارضة وقيادتها. هذا الخيار الأخير لن يتحقق لأن أحمد داداه سيرفضه بشكل قاطع.
3 ـ محاولة البقاء في السلطة بشكل مباشر، وهذا الاحتمال هو الاحتمال الأضعف، إن لم يكن مستحيلا، وسيكون الطريق إليه من خلال افتعال أزمة داخلية مع الإسلاميين أو مع غيرهم، أو افتعال أزمة خارج الحدود من خلال الاندفاع أكثر في الحرب على الإرهاب في مالي. أشير هنا إلى أن افتعال أزمة مع الإسلاميين لن تكون مغرية مستقبلا، وذلك بسبب انشغال الدول المعادية للإسلاميين بأزمة الخاشقجي، والتي أصبحت تفاعلاتها تهدد طموحات محمد بن سلمان وربما تتسبب في إبعاده عن ولاية العهد، وذلك من قبل أن يصبح ملكا.
الفرضية الثانية : رئيس من المعارضة
هنا سنكون أمام تناوب سلمي حقيقي على السلطة، وليس مجرد تداول سلمي عليها كما هو في الفرضية الأولى، ولكن هذا التناوب السلمي على السلطة يتطلب توفر ثلاثة شروط أساسية ليكون قابلا للتحقق:
1ـ أن تتفق المعارضة على مرشح توافقي، وهنا لابد من القول بأن المرشح التوافقي هو الخيار الأمثل لأنه سيعطي مصداقية أكبر للمعارضة، وسيظهر بأنها أكثر جدية هذه المرة، وهو ما سيساهم في خلق أمل كبير عند الطامحين إلى التغيير بإمكانية فوز مرشح المعارضة، وخلق مثل هذا الأمل يعتبر ضروريا لكسب رهان 2019. هناك من يقول بأنه ورغم سلبية تعدد المرشحين إلا أن هناك وجها إيجابيا لذلك التعدد، لأنه سيمكن من اقتطاع جماهير من هنا أو هناك، وذلك سيكون مهما لجر مرشح السلطة إلى شوط ثانٍ. هذا قول به وجاهة، ولذلك فلا بأس بتقديم مرشحين من هنا وهناك، ومن المهم أن تدعم بعض مكونات المعارضة أي مرشح من داخل النظام قرر أن ينافس في الانتخابات الرئاسية..ذلك أمرٌ مطلوب، ولكن يجب على المعارضة أن تتقدم بمرشح توافقي رئيسي، وأن يكون مدعوما على الأقل من طرف المنتدى والتكتل، في حين يترك لبقية مكونات المعارضة أن تختار مرشحها الخاص بها مثلما فعل تحالف الصواب وإيرا.
2 ـ أن تعلن المعارضة عن مرشحها التوافقي من قبل نهاية الشهر القادم على أبعد تقدير. لقد كان من أسباب تدني نتائج المعارضة في انتخابات سبتمبر هو أن أغلب مكوناتها لم تبدأ التحضير للانتخابات إلا في وقت متأخر جدا. هذا الخطأ يجب أن لا يتكرر هذه المرة، فنحن أمام فرصة ثمينة وقد لا تتاح مرة أخرى في المستقبل المنظور، ولذا فيجب أن لا يتم تضييعها. ولمعرفة مدى أهمية التحضير الجيد فعلينا أن نتذكر بأنه لابد هذه المرة من تغطية ما يزيد على أربعة آلاف مكتب انتخابي بممثلين أكفاء، ألا يحتاج ذلك إلى تدريب وتكوين 4000 ممثل؟ ألا يتطلب ذلك استعدادا مبكرا؟ ألا تحتاج هذه الأربعة آلاف ممثل إلى حشد مبالغ ضخمة، فلنتصور مثلا أن كل ممثل يحتاج في المتوسط إلى 10 ألاف أوقية قديمة، ألا يعني ذلك بأن المعارضة تحتاج لإيصال ممثليها إلى مكاتب التصويت إلى 40 مليون أوقية؟ ألا يحتاج توفير هذا المبلغ وغيره من الأموال الضرورية للحملة إلى البدء بشكل مبكر في الاستعداد والتحضير لرئاسيات 2019؟.
هناك ضرورة أخرى لأهمية المسارعة بالإعلان عن مرشح توافقي للمعارضة، ففي حالة تأخر المعارضة عن الإعلان عن مرشحها، فإن ذلك قد يؤدي إلى صعوبة اتفاقها على مرشح توافقي من بعد إعلان السلطة عن مرشحها، خاصة إذا ما كان مرشح السلطة هو ولد غزواني، ففي هذا الحالة فإن احتمال دعم هذا المرشح من طرف أحد الأحزاب الفاعلة في المعارضة سيبقى قويا، ولذا فتجب المسارعة في الإعلان عن المرشح التوافقي للمعارضة والتعهد بدعمه من طرف المنتدى والتكتل، وذلك حتى لا يحصل أي ارتباك وتفكك في صفوف المعارضة عند الإعلان عن اسم مرشح السلطة.
3 ـ أن يكون المرشح التوافقي للمعارضة مطمئنا للمؤسسة العسكرية، ولموريتانيا الأعماق، ومقنعا لرجال الأعمال المعارضين، ومن قبل ذلك كله، فيجب أن يكون هذا المرشح مقنعا ومقبولا لدى جماهير المعارضة ولكل الطامحين إلى التغيير.
ليست هذه هي الفرضية الوحيدة التي قد تمكن من وصول مرشح المعارضة إلى الرئاسة، فهناك فرضية أخرى قد تمكن من ذلك، ولكن يبقى احتمال تحققها في غاية الصعوبة، وذلك لأنها تحتاج إلى حصول اتفاق بين ولد عبد العزيز والمعارضة على أساس قاعدة الخروج الآمن من السلطة مقابل تهيئة الظروف لتناوب وتغيير آمن. مثل هذا الاتفاق يكاد أن يكون مستحيلا، وذلك على الرغم من أنه هو الذي سيوفر الأمان الحقيقي لولد عبد العزيز من بعد خروجه من السلطة، ومما يعقد حصول هذا الاتفاق أن ولد عبد العزيز يعمل الآن وفي آخر أشهر من مأموريته الأخيرة على خلق المزيد من الاحتقان والتوتر مع المعارضة.
في الخلاصة إذا لم تتفق المعارضة (المنتدى + التكتل) على مرشح توافقي قابل للتسويق من قبل نهاية شهر نوفمبر القادم، فذلك سيعني بأن هذه المعارضة غير جادة وغير مؤهلة للمنافسة في رئاسيات 2019، وفي هذه الحالة فإنه يجب على كل الطامحين للتغيير أن يبحثوا عن مكنسة كبرى لكنس المعارضة من قبل التفكير في التخلص من نظام ولد عبد العزيز.
الفرضية الثالثة : رئيس يجمع بين الانتساب للنظام وللمعارضة
هناك احتمال لأن يجمع رئيس موريتانيا القادم بين الانتساب للنظام وللمعارضة في وقت واحد، ويمكن أن يحصل ذلك مع ولد غزواني ومع ولد محمد لغظف بدرجة أقل.
لتفسير ذلك دعونا نتفق على أن ولد غزواني الذي شارك مع ولد عبد العزيز في انقلابين، والذي كان وفيا له خلال إصابته برصاصات "أطويله" لم يصل إلى مستوى الشريك الحقيقي في السلطة، ولو أنه وصل إلى ذلك المستوى من الشراكة، لما كان هناك أي حديث عن منافس له على الترشح للرئاسة في العام 2019، ورجاءً لا تقولوا لي بأن عدم حسم ترشح ولد غزواني يعود في الأساس إلى زهده في السلطة.
كان من المفترض أن لا يذكر أي اسم مع اسم ولد غزاني في ترشيحات 2019، وكان من المفترض أن تظهر لمسات ولد غزواني في هذه الفترة بالذات من خلال تهدئة الأوضاع بدلا من تأزيمها، إن كان شريكا فعليا في الحكم، وإن كان ترشيحه قد حسم بشكل نهائي. في اعتقادي الشخصي فإن ترشيح ولد غزواني ليس إلا مجرد خيار من خيارات أخرى لدى ولد عبد العزيز، وإذا كان الأمر كذلك، فدعونا نبحث عن ردة فعل ولد غزواني في حالة ما إذا قرر ولد عبد العزيز أن يرشح ولد بايه مثلا. فهل في هذه الحالة سيقرر ولد غزواني أن ينسحب من المشهد بهدوء أم أنه سيقرر أن يفرض بقاءه في المشهد؟
لا أعرف الكثير عن شخصية ولد غزواني الغامضة، ولا أعرف شيئا عن طريقته في التفكير، ولكن في اعتقادي بأنه لو قرر أن يفرض بقاءه في المشهد، فإنه سيحاول ذلك من خلال واحدة من اثنتين:
الأولى : أن يطلق مبادرات من داخل النظام تطالب بترشيحه إن تأكد له بأن ولد عبد العزيز سيرشح غيره، وسيكون ذلك من بعد الإعلان عن تقاعده من الجيش.
الثانية : أن يعلن عن ترشحه في حالة ما إذا ظل ولد عبد العزيز مصرا على ترشيحه غيره، وفي هذه الحالة فإنه سيتحول إلى مرشح معارض، وربما يفوز بالرئاسة إن رشح ولد عبد العزيز ولد بايه. هذا السيناريو يمكن أن يحدث بطريقة أقل إثارة مع ولد محمد لغظف الذي ينقل عنه بعض المقربين منه بأنه قال بأنه سيترشح إن قرر ولد عبد العزيز ترك الرئاسة. يبقى أن أقول بأن احتمال وصول ولد محمد لغظف إلى الرئاسة سيبقى ضعيفا جدا، فاحتمال ترشيحه من طرف ولد عبد العزيز هو احتمال ضعيف جدا، واحتمال ترشيحه من طرف المعارضة هو كذلك احتمال ضعيف جدا، فمثل ذلك الترشيح كان يحتاج لأن يكون ولد محمد لغظف قد صرح في الفترة الماضية بما يفيد بأن له مواقف مستقلة خاصة به قد لا تنسجم بطبيعة الحال مع مواقف ولد عبد العزيز، وهو الشيء الذي لم يحصل، ثم إن ترشيح ولد محمد لغظف من طرف المعارضة سيكون مخاطرة ومغامرة غير محسوبة، فهذا الرجل يمكنه أن ينسحب من المنافسة في أي لحظة إذا ما تلقى تهديدا جديا من طرف ولد عبد العزيز. يبقى الاحتمال الثالث واردا، وهو أن يترشح ولد محمد لغظف مستقلا دون أي دعم مباشر من النظام أو المعارضة، وفي هذه الحالة سيكون احتمال فوزه بالرئاسة ضعيفا جدا، إن لم أقل مستحيلا.
الفرضية الرابعة: الرئيس القادم من المجهول
سيبقى من المحتمل ظهور رئيس مجهول أو غير متوقع في آخر لحظة، فقد تأتي الترشحات بشخص ما من خارج دائرة التوقعات، وقد يُحدث ذلك المترشح مفاجأة كبرى في رئاسيات 2019، ذلك أمر سيبقى داخل دائرة التوقع، حتى وإن كان احتمال حدوثه في غاية الضعف.
الرئيس المجهول الذي نقصده في هذه الفرضية، هو ذلك الرئيس الذي قد يأتي بفعل انقلاب عسكري أو بفعل أزمة حادة أو بفعل انفلات أمني أو ثورة إن قرر الرئيس ولد عبد العزيز البقاء في السلطة من بعد انتهاء مأموريته الثانية.
حفظ الله موريتانيا...
بقلم: محمد الأمين ولد الفاضل