قبل حوالي تسع سنوات تعرضت الشركة الوطنية للايراد والتصدير "سونمكس" لتبييض نهب..ممنهج ومساعي للتفليس وصل حينها الى مليارات الدولارات وتم صرفها لإغراض خاصة لأسهم وجيوب شخصية متمثلة بشخصيات لها علاقة بالرئيس ولد عبد العزيز الذي كان او من ساهم بشكل أساسي في مسح مستودعات الشركة وخزائن اموالها من الداخل بوصفه الرجل المؤتمن على مخازن الدولة حيث يتربع على رأس الشخصيات التي "ساهمت" بشكل كبير في إيصال شركة "سونمكس" إلى حافة الانهيار والافلاس، فقد كانت الـ"أوامر العليا" الصادرة عنه وراء العديد من الإجراءات والقرارات التي أدت لخسارة الشركة مئات الملايين من الأوقية.
أشخاص فوق القانون لا يمكن لأحد مساءلتهم أو اتهامهم بالفساد..!!
وكانت أولى "الأوامر العليا" بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى السلطة، حيث أصدر أوامر لمدير شركة "سونمكس" ببيع مخزونها من المواد الغذائية للتجار وبأسعار مخفضة، وهو ما نفذته الشركة ابتداء من يوم 24 ديسمبر 2008، وذلك بعد إعلان صادر عن مديرها العام محفوظ ولد آكاط، حيئذن الأخير الذي اوضح ان بيع مخزون الشركة بأسعار مخفضة يأتي "طبقا لتوجيهات رئيس المجلس الأعلى للدولة رئيس الدولة الجنرال محمد ولد عبد العزيز".
وقد خسرت الشركة جراء هذه العملية مبالغ طائلة قدرت بـ11 مليار أوقية خلال كل عملية استنزاف لمقدراتها، تحت عدة عناوين بواسطة صفقات "التربح" التي ماتزال سارية حتى الآن إلى حين إعلان الشركة مؤسسة فالسة لمنحها مجانا لمقربين نافذين.
ليس هذا فقط بل تواصلت عمليات النهب الممنهج عن طريق تداول المهام وإرجاعها إلى حهات عليا حيث نهب في عهد وزير التجارة الأسبق بمب ولد درمان ما يربو على قيمة 62 مليار أوقية، قيل حينها انها اتفاقيات وأوامر عليا، تمثلت في صفقة على مدى خمس سنوات، عربونها اغلانه بنت الغرابي وممول يدعى عادل بدوي حسين، وكان لهذا الاتفاق تأثيره على الشركة حيث تضاعفت بينتها الإدارية، ورواتبها استعدادا للتمويل الضخم، كما اكتتبت موظفين جدد، قبل أن "يستحوذ" الممول الدولي "الوهمي" على أكثر من 220 مليون أوقية ويختفي عن الأنظار.
*خطط واستراتجيات نهب آخر بواسطة * ولد محمد الأغظف و ولد حدمين
فكان للوزيرين الأولين خلال هذه الفترة حضور بارز لـ "مساهمتهما" في تفليس شركة "سونمكس" فقد ترأس ولد محمد الأغظف اللجنة الوزارية التي ألغت صفقة شركة "سوجيكور" المملوكة لأهل واديد بتوفير الأسمدة للموسم الزراعي 2012 و 2013، قبل أن يتم "الالتفاف" على الإلغاء لتربح الشركة مبلغ يتجاوز 600 مليون أوقية علاوة على مبلغ الصفقة الأصلي.
أما ولد حدمين فساهم في خسارة الشركة بمبلغ 5 مليارات أوقية من خلال قراره بمنعه من بين فائضها من الأرز الموريتاني، وهو ما عرض 24 ألف طن للتلف في مخازن الشركة بنواكشوط، وقدرت قيمته بـ5 مليارات أوقية.
الوزير الحالي ولد أجاي، و ولد درمان
وخلال تلك الفترة تعرضت الشركة لعمليات نهب خطيرة نقلتها من مرحلة تعاف اقتصادي إلى حافة الانهيار، وأدت بالحكومة لتشكيل "لجنة أزمة" تضم عدة قطاعات حكومية لدراسة سبل التخلص من عبئ شركة "سونمكس" التي تواجه الان التقهقر والتردي من اجل تسليمها الى مقربين من ولد عبد العزيز.
وفي تلك المرحلة لم تقتصر "مساهمات" الحكومة على الوزيرين الأولين، وإنما ساهم بعض أعضائها في إيصالها إلى المرحلة التي وصلتها، وهما وزير التجارة بمب ولد درمان، فقد كان وراء تعيين المدير التجاري للشركة ولد اسبيعي براتب يفوق مليون أوقية بعد وساطة من لعمر ولد ودادي عبر رئيس مجلس الشيوخ محسن ولد الحاج.
كما كان وراء توقيع الشركة لاتفاقها مع رجل الأعمال "المحتال" عادل بدوي، وهو ما أدى لخسارة الشركة لأكثر من 200 مليون.
أما وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد اجاي فشارك مع حدمين في منع الشركة من بيع مخزونها من الأرز خارج حوانيت أمل، وبالتالي كان له نصيب من خسارتها للمليارات الخمس.
ومن بين الخيارات التي اقترحها قطاع ولد اجاي دراسة خيار استخدام الأرز التالف كأعلاف في موسم الجفاف الحالي، أو إعادة تنظيفه ومعرفة إمكانية الاستفادة بعد ذلك.
وكان للحكومة مجتمعة مساهمتها من خلال مراجعتها الدائمة لاتفاقها مع شركة سونمكس بشأن تنفيذ "برنامج أمل"، وتقليص الميزات وهوامش الربح التي كانت تحفظ للشركة جزءا من أموالها، وقد انعكست هذه المراجعات المتكررة على أرباح الشركة، وأدت في النهاية لتسريح العشرات من عمال البرنامج المذكور.
* مديرون لا يعرفون "لا"
وكان للمديرين المتعاقبين على إدارة الشركة خلال هذه الفترة مساهمتهم في إفلاس الشركة، وإن بدرجات متفاوتة، فيما كانت النتيجة النهائية لقراراتهم هي إيصال لوضعها الحالي، وذلك عبر إجراء صفقات في مجالات اختصاصها كانت خسارتها فيها واضحة حتى قبل توقيع الصفقات.
وتعاقب على إدارة الشركة في هذه الفترة من 2008 إلى 2016 عدة مديرين هم محفوظ ولد آكاط، والمرتجي ولد الوافي، ودب ولد زين، ومحمد الأمين ولد خطري، فيما عرفت هذه السنوات خسارة الشركة لمليارات الأوقية، وحقق عدد من منافسيها أرباحا طائلة على حسابها.
*مجموعة أهل غده..
مجموعة أهل غده التجارية كانت ثالث "المساهمين" في إفلاس شركة "سونمكس"، فمنذ العام إطلاق "برنامج أمل" تجاوزت مداخيل "أهل من غده" 10 مليارات سنويا، وذلك عبر شراء كميات الأرز التي يتم بيعها في حوانيت أمل منهم، بدل استيرادها من الخارج كما كانت الشركة تفعل، وكما يفرضه مبرر وجودها في الحفاظ على توازن الأسعار، وكسر احتكار المواد الأساسية.
وكان العام 2016 الأقل من حيث المشتريات من مجموعة أهل غده، بسبب نقص الكميات الموزعة في إطار البرنامج، وكذا تغيير مضامين الاتفاق الموقع بين الشركة والحكومة، وهو ما أدى لتراجع الميزان الممنوحة للشركة بشكل كبير، غير أن المبلغ "الممنوح" لمجموعة أهل غده ظل في حدود 10 مليارات أوقية.
وأدى قرار "منع" الشركة من الاستيراد بشكل كامل منذ العام 2015 لارتفاع عجزها إلى ما يفوق 7 مليارات أوقية، وكانت مجموعة أهل غده المستفيد الأول من الخطوة، حيث احتكرت بشكل شبه كلي سوق استيراد المواد الغذائية إلى موريتانيا.
* - الصديقان المتخادمان
ومن بين أبرز المساهمين في "تفليس" شركة سونمكس، مديرها التجاري محمد ولد اسبيعي، ورجل الأعمال لعمر ولد ودادي، فقد قدرت خسارة الشركة من "المعاملات" بين الرجلين بأكثر من مليار أوقية.
ويرتبط الرجال بعلاقة وثيقة، فقد كان ولد اسبيعي مديرا لمصنع لتقشير الأرز مملوك لولد ودادي، وقد استخدم ولد ودادي نفوذه لتعيين ولد اسبيعي مديرا تجاريا لشركة "سونمكس" رغم أن مؤهله العلمي توقف عند "مستوى باكلوريا"، وفي دهاليز العلاقة بين الاثنين ضاعت 600 طن من الأسمدة المملوكة للشركة، تبلغ قيمتها أكثر من مليار أوقية.
وقد اعترف ولد ودادي بمسؤوليتها عن بعضها – أمام المحققين – وأنكر البقية، كما اعترف ولد اسبيعي بالعلاقة التي تربطه ولد ودادي، نافيا استغلال منصبه لصالحه، غير أن المحققين اعتبروا أن صرف هذه الكمية الكبيرة من الأسمدة لا يمكن أن يتم دون أوامر من مسؤولين من الدرجة الأولى في الشركة، وعلى رأسهم المدير التجاري الذي كان "الثابت" الأبرز في إدارة الشركة، وتعاقب عليه أربعة مديرين عامين وهو في ذات المنصب.
وفضلا عن هؤلاء تتدرج مسؤولية المساهمة في التفليس لتشمل شخصيات أخرى كرجل الأعمال خطاري ولد دحود مالك مطاحن السنابل، والذي استفاد من كميات معتبرة من مخزون الشركة المباع بنفس سعره نهاية العام 2008.
ينضاف لذلك مجموعة من مسؤولي الشركة في مواقع مختلفة، ورؤساء فروعها في الداخل، حيث عاشت خلال السنوات الأخيرة على وقع "عجز دائم"، كانت
نسبته تتفاوت من فرع لآخر، كما لاحق المحققون في وثائق اختفاء أكثر من 670 مليون تم صرفها دون وثائق أو إثباتات، خلال السنوات 2012 و 2013 و 2014، مع غياب الصورة – بشكل كلي – عن أملاك الشركة الثابتة، وعن حسابات زبنائها.
وتجاوزت ديون الشركة خلال هذه الفترة 4 مليارات أوقية، وارتفعت فوائد قرض أخذته الشركة من البنك المركزي إلى 3 مليارات أوقية، وذلك بعد تصنيفها في وضعية "الممتنع عن التسديد".
كما لاحظ التقرير الرسمي تقاعس الشركة عن تسديد 286 مليون أوقية كضرائب للخزينة العامة، إضافة لوجود عجز يبلغ 27 مليون أوقية في فروع الشركة في الداخل وخصوصا في (بوكي – روصو – أطار – انواذيبو – تجكجة – الزويرات – أكجوجت)، فيما بلغ عجز مطاحن نواكشوط 40 مليون أوقية، ومطاحن النجوم 42 مليون أوقية.
إمكانية الإقلاع.. والدور
ورغم الواقع الاقتصادي الذي وصلته الشركة فإن العديد من العارفين بكواليسها يرون أن مجرد وقف العمليات التي تتعرض لها، مع استعادتها لجزء من ممتلكاتها المنهوبة، ورفع قرار منع الاستيراد عنها كفيل باستعادتها لدورها، وببنائها على تجربة تمتد لعقود، وانتشار واسع في البلاد، وثقة معتبرة لدى عدد من شركائها الدوليين.
كما يرون أن شركة بحجمها لا ينبغي النظر إلى وضعها الاقتصادي الحالي مجردا من تاريخها الطويل مع "تأمين السوق الموريتانية بالمواد الغذائية، وضمان توازن أسعارها في أصعب الظروف، وكسر احتكارها في مواجهة كبار التجار" أيام كانت منافستهم متاحة لها بشكل طبيعي، وقبل أن يتم منحها لصالحهم، وتحويلها إلى أملاك خصوصية.
الأعلامي+ الأخبار