أقل من أربعة أشهر فقط تفصل الموريتانيين عن معرفة قائمة المترشحين لمنصب رئيس الجمهورية، قبل أن تبدأ الحملة الانتخابية الرئاسية رسميا، لكن – وبالنظر لأهمية المنصب-، فمن المتوقع أن يعلن كل من النظام، والمعارضة – ممثلة في المنتدى- عن مرشحيهما لمنصب رئيس الجمهورية قبل هذا التاريخ، ليتسنى تسويق المرشح، وإجراء الاتصالات اللازمة مع مجمل الدوائر، والشخصيات ذات الوزن الشعبي في البلد، وبالنسبة للمنتدى قرر حسم خيار التقدم بمرشح موحد للرئاسة، لكن هذا الخيار لا يبدو محل إجماع بين كافة مكونات المنتدى، فبعضها لا يرى أهلية لمرشح لا يخرج من بين صفوفه، والبعض الآخر يتحفظ أصلا على مبدأ المرشح الموحد، وحتى لو تجاوزنا جدل المرشح الموحد، فإن اختياره لن يكون بالأمر اليسير، فقيادات الصف الأول من معارضة المنتدى تبدو مـُستهلكة – بفتح اللام-، وبعضها جرب حظه سابقا في الترشح للرئاسة ولم يحصل على نتائج تذكر، كما أن بعض أقطاب المنتدى لديه “فيتو” مسبق على ترشيح قيادات بعينها، ما يعني أن خيار توافق المنتدى – بجميع مكوناته- على شخص من بين صفوفه ليكون مرشحا للرئاسة يبدو شبه مستحيل، بينما يبدو خيار دعم المنتدى لشخصية من الأغلبية، بعد إعادة تأهيلها هو الآخر خيارا غير واقعي، فجمهور المعارضة لن يقتنع بشخص دعم نظام ولد عبد العزيز، ليبقى الخيار الأكثر احتمالية هو أن يلجأ المنتدى لشخص معارض من خارج مكونات المنتدى، وهنا تبدو الخيارات مفتوحة على العديد من الاحتمالات.
وبالنسبة للنظام، – أو بالأحرى الرئيس محمد ولد عبد العزيز-الأكيد أنه حسم خياره بعدم الترشح للرئاسة السنة المقبلة، بل أكثر من ذلك يؤكد المراقبون أنه من غير المعقول ألا يكون الرئيس ولد عبد العزيز قد حدد هوية مرشحه للرئاسة، وخليفته المنتظر، لكن توقيت الإعلان عن هويته يبقى مسألة خاضعة لحسابات دقيقة لدى النظام، لها علاقة بالطبخة الأكبر التي ستحدد معالم موريتانيا المستقبل، وهوية رئيس الجمهورية مجرد جزء من تلك الطبخة التي يجري إنضاجها على نار هادئة، وقد اختار ولد عبد العزيز تقليل عدد الأشخاص المطلعين على تفاصيل تلك الطبخة، فكثرة الطـُهاة تفسد الوجبة.
كل المؤشرات التي بين أيدينا اليوم تشير إلى أن السلطة التنفيذية لن تكون محصورة بيد رئيس الجمهورية المقبل، ليس لأنه سيتم التقليص من الصلاحيات الدستورية للرئيس، بل لأن ولد عبد العزيز قبل أن يغادر السلطة سيضع العديد من الضمانات، أو المتاريس التي تحد من قدرة أي رئيس مقبل للعبث بمخطط ولد عبد العزيز، أو الخروج على قواعده العامة حتى لو أراد هذا الرئيس ذلك، وهنا يعتمد ولد عبد العزيز، وأركان نظامه على عدة ضمانات، من أبرزها:
اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية مضمون الولاء، ومحدود الطموح، ولا يهم إن كان من رحم النظام، أم من خارجه..
تفعيل دور البرلمان، والحزب الحاكم، وهما مؤسستان مسيطر عليهما من قبل النظام، فالبرلمان الجديد، ذي الغرفة الواحدة يسيطر عليه بشكل مطلق حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وداعموه من أحزاب الأغلبية، والدستور -بطبعته الحالية- يمنح صلاحيات واسعة للبرلمان، قد تصل حد عرقلة عمل رئيس الجمهورية، صحيح أن الرئيس يملك خيار حل البرلمان، لكن ذلك سيكون مكلفا، وغير مضمون العواقب، والخلاصة أن أي رئيس جديد يخلف ولد عبد العزيز لن يخرج عن النسق الذي يحدد له، ليس لأنه لا يريد ذلك، بل لأنه لا يستطيع، ومن هنا يبدو الجدل الدائر حول هوية المرشح المقبل للرئاسة ثانويا، فالرئيس سيسود، لكنه لا يحكم.
تنشغل الأغلبية الداعمة للرئيس ولد عبد العزيز بمعرفة هوية مرشحه المقبل للرئاسة، والحصافة السياسية تقتضي الاهتمام أكثر بتفاصيل الترتيبات التي تنتقل بموجبها السلطة – شكليا- من شخص إلى آخر، فموريتانيا لن تحيد عن النهج الذي رسمه الرئيس ولد عبد العزيز على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة، فأي مرشح للمعارضة لن يكون قادرا على المنافسة الجدية لمرشح النظام، أما الفوز فشبه مستحيل، كما أن أي مرشح للنظام لن يكون قادرا على الخروج بالبلد عن النهج الذي حدده ولد عبد العزيز، وهذه حقيقة ستثبتها الأشهر المقبلة، وهو ما يترجمه قول الرئيس ولد عبد العزيز إنه سيترك الرئاسة، لكنه سيبقى في السلطة، ويتصدر المشهد، يشفع له في ذلك إنجازات....
الوسط